عاد استيراد أجهزة الهواتف اللاسلكية (بشكل عام هي هواتف ذكية) إلى مسار ما قبل الأزمة. فوفقاً لأرقام الجمارك اللبنانية، استورد لبنان في عام 2023 نحو مليونَي هاتف لا سلكي بقيمة 224 مليون دولار، مقارنة مع استيراد نحو مليون هاتف لا سلكي بقيمة 129 مليون دولار في عام 2018. هذه الزيادة الكبيرة في استخدام الهواتف لا تعبّر بالضرورة عن نموّ اقتصادي، إذ إن استعمالها قد يكون مرتبطاً بعمليات استهلاك لا قيمة اقتصادية كبيرة لها، لأنها مبنية على استبدال الهواتف القديمة بالجديدة، كما قد يكون مرتبطاً بنموّ اقتصادي في قطاعات خدماتية وإنتاجية تسير في اتجاه التطوّر التكنولوجي.أجهزة الهاتف، ولا سيما الهاتف الخلوي، هي جزء أساسي من شبكات الاتصال والتواصل ربطاً بالشكل الجديد لاقتصادات ما بعد الطفرة التكنولوجية. فالوصول إلى المعلومات على شبكة الإنترنت لم يعد يقتصر على الحواسيب المكتبية والمحمولة بعدما صارت الهواتف الخلوية أداة سهلة وسريعة وفعالة في العمل، بل هي أيضاً مرتكز لمجموعة من العمليات التي يمكن القيام بها عن بعد، إلا أن فعاليتها تتطلب بنية تحتية فعّالة. والدول التي اعتمدت على التكنولوجيا المتطوّرة، انتقلت إلى العمل على الجيل الخامس (5G) بدلاً من الجيل الرابع الموجود في لبنان. والفرق بين الجيلين لا يتعلّق بسرعة الشبكة فقط، بل أيضاً في تقليص وقت الاستجابة (latency) الذي يسمح بمعالجة حجم كبير جداً من رسائل البيانات بأقل قدر من التأخير (زمن الوصول). إذ تمكنت تكنولوجيا الجيل الخامس من خفض وقت الاستجابة إلى نحو 5 ميلي ثانية، فيما يبلغ وقت الاستجابة الذي يؤمّنه الجيل الرابع بين 60 و90 ميلي ثانية. وهذا الأمر مهم في توفير الاتصالات المطلوبة للعمليات التي تتطلب الوصول في الوقت الفعلي تقريباً إلى البيانات المتغيرة بسرعة، وهو ما يمكن أن يُسهل عمل الشركات التي تعمل في الأسواق المالية العالمية على سبيل المثال. كما أن البنى التحتية للاتصالات اللاسلكية في لبنان لا تُغطي كل المناطق بالشكل الكافي، وقد لعبت الأزمة الأخيرة دوراً كبيراً في سوء حالة تغطية الشبكة اللاسلكية.
أما من ناحية الاتصالات السلكية، أي شبكة الإنترنت السلكية، فمن الصحيح أن البنية التحتية لتكنولوجيا الألياف البصرية (fiber optics) موجودة منذ زمن، إلا أنها لم تصل بعد إلى عدد كبير من المناطق في لبنان، وهذا الأمر يؤثّر بشكل كبير على سرعة الإنترنت المتاحة، فبحسب موقع data reportal يبلغ متوسط السرعة نحو 9.39 ميغابت في الثانية في حين لو كانت شبكة الألياف البصرية متاحة يجب أن يكون هذا الرقم على الأقل 50 ميغابت في الثانية بحسب أرقام أوجيرو.
وبحسب تقرير لشركة «ماكنزي»، فقد تحوّل الإنترنت من شبكة «غامضة» للباحثين وخبراء التكنولوجيا قبل ثلاثة عقود، إلى حقيقة يومية لأكثر من ربع سكان العالم، إذ يرتبط ملياري شخص بالإنترنت، ويتم تبادل نحو 8 تريليونات دولار كل عام عبر التجارة الإلكترونية، أي نحو 8% من الناتج العالمي. كما يظهر التقرير أن الإنترنت يمثل، في المتوسط، 3.4% من الناتج المحلي في الاقتصادات الكبيرة التي تشكّل 70% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. فإذا كان استهلاك الإنترنت قطاعاً، سيكون وزنه في الناتج المحلي الإجمالي أكبر من قطاع الطاقة أو الزراعة. كما أن إجمالي مساهمة الإنترنت في الناتج العالمي أكبر من الناتج المحلي لإسبانيا أو كندا، وهو ينمو بشكل أسرع من الناتج المحلي للبرازيل.
المشكلة الأساسية في لبنان هي وجود شبكة اتصالات لا تسمح باستغلال العدد الجيد من مستخدمي الهاتف


إلا أن المشكلة الأساسية في لبنان هي وجود شبكة اتصالات لا تسمح باستغلال العدد الجيد من مستخدمي الهاتف من جهة، ومن جهة ثانية لا يوجد أي استراتيجيات لاستغلال هذا الانتشار للهواتف. يتمتع لبنان بعدد كبير من مستخدمي الإنترنت، ويعود ذلك إلى نفس انتشار الهواتف، إذ بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في عام 2024 نحو 4.76 ملايين، حيث بلغت نسبة انتشار الإنترنت 90.1% من المقيمين. الفكرة هنا، هي أن هذا العدد من مستخدمي الإنترنت يفتح المجال أمام استخدام الإنترنت بشكل يُسهّل حركة الدورة الاقتصادية. على سبيل المثال، يمكن لهذا الأمر أن يلغي دور الوسيط في العمليات التجارية، حيث يستطيع المنتج أن يبيع بضائعه عبر الإنترنت من دون الحاجة إلى تاجر يأخذ جزءاً كبيراً من القيمة المضافة التي يصنعها المنتج، وهو ما يسهم برفع أرباح المنتج وخفض الكلفة على المستهلك.
المشكلة في هذا الموضوع، هي مشكلة مشتركة مع باقي مشكلات الاقتصاد اللبناني، وهي تتعلّق بعدم وجود إستراتيجية لاستغلال العوامل التي تعطي الاقتصاد اللبناني بعض هوامش المنافسة في قطاعاته المختلفة. وما يحدث هو أن الاقتصاد متروك ليسير بمسار من دون أي تدخّل، وهو ما يسهم في هدر الموارد من دون أي مردود مُحتمل.



نحو أجهزة الهواتف الأرخص



في عام 2023 استورد لبنان أجهزة هاتف بقيمة 224 مليون دولار مقارنة مع 327 مليون دولار في 2022، إلا أن حجم الاستيراد في عام 2023 ما زال أعلى مما كان عليه قبل الأزمة في 2019 حين بلغ 177 مليون دولار. ومع انفجار الأزمة، تراجع الاستيراد إلى 93 مليون دولار في 2020، إذ تراجع الطلب على هذه الأجهزة. ففي هذه الفترة التي تتسم بكونها فترة انعدام يقين سببه انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار وتراجع القدرة الشرائية، قرّرت الأسر التخلي عن استهلاك ما لا يمثّل أولوية لديها، تحسّباً لتدهور أكبر في الأيام التالية. إلا أنه منذ عام 2021 عاد استيراد الهواتف إلى الارتفاع بالعدد والقيمة. لكن اللافت أن المعدل الوسطي لسعر استيراد جهاز الهاتف انخفض من 138 مليون دولار في عام 2019 إلى 109 دولارات في عام 2023، ما يشي بأن تحوّلاً في الطلب الاستهلاكي دفع نحو استيراد الأجهزة الأرخص بدلاً من الهواتف التقليدية الأغلى (مثل أيفون وسامسونغ). لهذا، ظهرت في الأسواق الهواتف الصينية بشكل كبير وشهدت انتشاراً واسعاً في السوق.