بشير صفير
كانت للثقافة والفنون في الدولة العبريّة حصتها في إحياء الذكرى الستين لقيام الكيان الغاصِب. وإذا بشخصيات بارزة استُدرجت إلى «أرض الميعاد»، وقد انتبه بعضهم في اللحظة الأخيرة (أبرزهم المخرج الفرنسي جان ــــ لوك غودار) إلى أنّ أرضاً محتلّة ترزح تحت تلك الكذبة التاريخية. في هذا السياق، قدّمت الأوركسترا الفلهارمونية الإسرائيلية حفلات عدة خلال شهر أيار (مايو) الماضي، شارك فيها موسيقيّون كان حضورهم متوقعاً، كعرّاب الموسيقى الكلاسيكية في الدولة العبرية، قائد الأوركسترا زوبن ميهتا، وعازف البيانو موراي بيرايا الذي تعاون مراراً مع الأوركسترا الإسرائيلية في تسجيلاته. آخرون أيضاً شاركوا في إحياء الذكرى المشؤومة، وتطرح إسهاماتهم تساؤلات كبيرة حولهم. وإذا كان لا يجوز اتهامهم المسبق بدعم الصهيونية، فلا مبالغة في اتهامهم بالتخاذل في مناهضة ممارسات إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، ولو بشكل غير ممانع، أي من خلال المقاطعة. أبرز هذه الأسماء، فاليري غرغييف، وهو من أهم قادة الأوركسترا الروس في العالم، وعازف البيانو التركي الشاب فازيل ساي، وعازف الكمان الروسي فاديم ريبين، وقائد الأوركسترا الإيطالي الشهير ريكاردو موتي. وتكمن المفارقة في أنّ جميع هذه الأسماء زارت لبنان ضمن مهرجانات الصيف في السنوات الأخيرة، باستثناء ريكاردو موتي الذي كان متوقعاً أن يشارك السنة الماضية ضمن مهرجانات بعلبك التي أُلغِيَت للأسباب المعروفة. والسؤال هنا: كيف يَجمع هؤلاء بين فنهم الراقي ورائحة الدماء؟ على أي حال، معروفٌ أن التاريخ يعيد نفسه، فالسؤال ذاته طُرح أيام النازية... وقُبَيل زوالها.
والملاحظ أن بيتهوفن (1770 ــــ 1827) ـــ أي مؤسّس التوأمة بين الهمّ الإنساني والإبداع الفني ـــ كان أكثر المؤلفين حضوراً في الذكرى الستين. وفي عام 1974، احتلّت إحدى أغنيات زياد الرحباني المرتبة الأولى في الإذاعة الإسرائيلية (!)... إذاً نحن أمام خيارين لوصف السلوك الإسرائيلي: غباءٌ معطوفٌ على وقاحة... أم اعتداءٌ مُضافٌ إلى اعتداءات أخرى كثيرة؟ (أم الاثنان معاً؟).
| بيتهوفن الحاضر الأكبر في الذكرى الستين لتأسيس اسرائيل |
|