يظهر ذلك في رفضها حضور حصص الكتّاب في المسجد، والاختلاط مع التلاميذ. لتحقيق ذلك، تقوم بلصق يدها بمسند كرسيّ خشبي. «شلّاط تونس»، قائم أيضاً على قضيّة حقيقيّة، أثارت جدلاً واسعاً مطلع القرن. ثمّة من يمرّ مسرعاً على درّاجة ناريّة، ليجرح أرداف النساء غير المحجّبات/ المحتشمات بمشرط حاد. في رحلة ساخرة للبحث عنه، اعتمدت صانعته بنيةً مخاتلةً بين الواقعي والمتخيّل، وبين الحقيقة والتمثيل. فتحت الأفلمة على واقع مأساوي لشريحة من مجتمعها. رصدت نظرة متخلّفة للمرأة رغم الحراك المدنيّ وتطوّر القوانين.
هكذا، يمكن فهم تطوّر واحدة من أبرز أسماء السينما التونسيّة الجديدة. الجيل الذي قرأ بوادر/ أسباب الثورة سواءً عن قصد أو من دونه. احتفى بها، ثمّ انتقل سريعاً إلى نقد ما بعدها، حرصاً على نضجها وتخليصها من الرواسب والسلبيّات. كذلك، طرح الراهن والملح والمسكوت عنه في المجتمع التونسي كالهجرة والهويّة الجنسيّة، مقترحاً أسلوبيّات مغايرة وطازجة، بتوقيع أسماء مثل محمد بن عطيّة، وليلى بوزيد، وعلاء الدين سليم، ومهدي بن عطيّة، ورجاء عماري، ونضال شطا، وفارس نعناع، ووليد مطّار، وإلياس بكّار، وشارة عبيدي، وهند بوجمعة، وأنيس الأسود، ومهدي برصاوي...
نعود إلى «على كف عفريت». من ميّزاته أنّه متعدّد مستويات القراءة. يقود أحدها إلى الآخر بسلاسة ودون تلقين. قضيّة الفتاة تحيل على بنية رسميّة – مجتمعية كاملة. قطاعات مثل الأمن والصحة تحتاج إلى إعادة تقييم جذري. النظرة إلى المرأة المغتصبة مشوّهة لدى كثيرين. هي الضحيّة وليست الجلّاد، الذي يفترض أن يحقق العدالة هنا. الفساد المستشري، حتى أنّ البن يُسرَق من ماكينات القهوة. استخدام شعارات المسؤوليّة التاريخيّة، وحب الوطن لتبرير سحق الفرد والكرامة. التخويف من الإرهابيّين والسرّاق والميليشيات والعصابات أسلوب أمني مكرور. كل ذلك يخرج الفيلم من محلّيته، رغم إخلاصه لمعطياتها. هذا واقع جامع لعدد من الدول العربيّة وغيرها. أسلوبية المشاهد فرضت لويَ عنق بعضها، لتتفق مع التصوير المستمر. أبقت على ما لا يفيد في بعض المفاصل، على حساب اللازم في أخرى. ساهمت في بعض الترهّل والتكرار، خصوصاً بعد وصول «مريم» إلى مركز الشرطة الرئيس. إنّه السؤال شبه الدائم في الأعمال الأولى لمخرجين: هل الانسياق وراء شكل مغرٍ، يبرّر تطويع المضمون بأيّ ثمن؟
شعارات حب الوطن لتبرير سحق الفرد والكرامة
المأخذ الأكبر هو إدارة الممثّل. البطلة لم تكن حاضرة دوماً، رغم تفانيها، وتوهّجها في بعض اللحظات. يبدو أنّ بن هنيّة وجدت طلبها في ملامحها الطفوليّة وجسدها اللافت. كذلك الأداء الكاريكاتوري للمغتصبين، بغية إظهارهم ككلاب مسعورة. كان يمكن الاكتفاء بلقطة الكلاب الحقيقيّة خلف الأقفاص، للتعبير عن ذلك دون مبالغات. تماماً كما خروج البطلة إلى النهار كـ «سوبروومان» برداء أبيض على كتفيها، الذي قال الكثير من دون شرح مباشر. لا يهم أن نعرف مصير الجناة، طالما أنّ «مريم» تغلّبت على الذات والخوف والترهيب، ضمن شريط يستحق التقدير إلى حدّ كبير. ماذا عن القادم؟ روائي قصير كوميديّ بعنوان «بطيخ الشيخ».
* «على كف عفريت»: 20:00 مساء الخميس 22 آذار