القاهرة | إن كان اسم إبراهيم العرجاني قد ظهر في سيناء، فإن لافتاته الدعائية بدأت في الانتشار خارج حدودها، بشكل يناسب الصورة الجديدة التي ترغب أجهزة الدولة في تقديمه بها للرأي العام، بعد تنصيبه على رأس «اتحاد القبائل العربية». ومع إقامة المؤتمر الأول للأخير بالقرب من منطقة الأهرامات في الجيزة، الاثنين الماضي، والذي تناول التعريف بدور الاتحاد وعمله خلال الفترة المقبلة، ونظّمته ورعته المخابرات برفقة الأجهزة الأمنية، وحضره أعضاء برلمانيون ومحافظون ومسؤولون سابقون وحاليون، غاب عنه العرجاني، رغم ظهوره السابق خلال إعلان تدشين «الاتحاد» ومدينة السيسي والشروع في بنائها، قبل نحو أسبوعين في موكب حراسة مشدّد محاط بالأسلحة. هكذا، يبدو أن العرجاني، الذي يفتقد مهارات الحديث الذي تتطلّبه إدارة الموقف الحالي، يحاول تأجيل ظهوره إعلامياً إلى حين تسوية موقفه قانونياً وإعلامياً، فيما تَمثل أمامه في الوقت الحالي عدة عقبات، في مقدّمتها تاريخه الحافل المسجل على مواقع وأرشيف الصحف المصرية القديم، علماً أن المواقع الإلكترونية التي آلت ملكيّتها إلى أجهزة المخابرات، باشرت بحذف الروابط التي تتناول قضية العرجاني.واللافت في المؤتمر الذي حضره ألوية سابقون وحاليون في المخابرات، محاولة النظام إظهار العرجاني بصورة البطل المغوار، وسط حشد الحضور مقابل المال، والحرص على عدم حديث من وصفوا أنفسهم بأنهم أبناء القبائل، والذين وصلوا بحشود في سيارات حكومية لحضور المؤتمر، عن أيّ تفاصيل عن سبب انخراطهم في «الاتحاد». والجدير ذكره، هنا، أنه برغم اعتراض عدد من أبناء القبائل على اختيار العرجاني رئيساً وتجاهل بعض القبائل الرئيسيّة، وخاصة في الصعيد، تجرى محاولات واتصالات في الوقت الحالي لاحتواء الغاضبين وإرضائهم بطرق مناسبة.
بدوره، قاد البرلماني المصري، مصطفى بكري، بصفته متحدثاً باسم الاتحاد، في المؤتمر، ما هو أشبه بـ«حملة دفاع» عن العرجاني، فضلاً عن الحديث عن علاقتهما الممتدة من 2006، إبان فترة احتجازه لجنود مصريين في سيناء على خلفية خلافاته مع مسؤولين أمنيين في وزارة الداخلية. ولم يقتصر دفاع بكري على شخص العرجاني، ولكنه امتد ليشمل رؤى مستقبلية تشرح فلسفة خلق كيان موازٍ داخل الدولة المصرية، بعد الانتقادات التي وصفت «الاتحاد» بـ«الكيان العرقي». وقال بكري، في حديثه، إن المؤتمر يأتي للردّ على «المغرضين وإظهار حقيقة الاتحاد وأهدافه»، علماً أن المؤتمر تزامن مع التحضير لافتتاح مكتب إعلامي كبير وقناة فضائية وإطلاق مواقع إلكترونية للحديث باسم أبناء القبائل.
في مقابل «تلميع» النظام لصورته، يلعب العرجاني دوراً في تلبية حاجات النظام


وفي هذا السياق، تفيد مصادر مطّلعة، «الأخبار»، بأن رجل الأعمال السيناوي «بات يلعب دوراً في الإنفاق على الكيانات الإعلامية التي تديرها المخابرات، وأنه ضخّ ملايين الجنيهات في الشهور الماضية لمصلحة المخابرات من أموال أبناء سيناء وعائدات تجارة مع غزاويين، بالإضافة إلى حصيلة أموال جرى جمعها بطريقة غير مشروعة لكي يحصل على موافقة لدعمه سياسياً». يأتي ذلك بعدما وظّف العرجاني حرب غزة لمصلحته بصورة أكبر من أيّ وقت مضى، ولا سيما عبر التصريح الذي يخوّله إدخال البضائع إلى سيناء، فضلاً عن إدارته لشركة «هلا» التي تعمل في معبر رفح، على الجانب المصري، والتي أتاحت له تلقّي أموال غير مشروعة من قِبل الفلسطينيين وغيرهم الراغبين في الخروج من قطاع غزة، إلى الأراضي المصرية، سواء لأيّ أعمال أو القاصدين وجهة ثالثة.
ومع إغلاق المعبر بشكل كامل منذ سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني منه الأسبوع الماضي، ورفض مصر التعامل المباشر مع إسرائيل على الجانب الآخر من المعبر، «لا تزال قنوات التواصل بين العرجاني ومسؤولي الاستخبارات مفتوحة لبحث الحلول التي يمكن التوصل إليها»، وفقاً للمصادر التي أشارت إلى أن العرجاني «يسعى لإيجاد طريقة لاستئناف حركة التجارة وعبور الأفراد التي يستفيد منها بالتنسيق مع ضباط الاستخبارات، وسط ضغوط من جانبه برفقة عدد من أبناء القبائل لكي تقوم السلطات المصرية بالتنسيق مع الإسرائيليين».
على أيّ حال، يضغط العرجاني بشكل واضح للاستفادة من الظرف السياسي الحالي لمصلحته، عبر توظيفه إياه لتحقيق مكاسب يمكن التعويل عليها طويلاً. يأتي ذلك في ظل تحركات حكومية لإنشاء مشاريع عدة في سيناء، والشروع فيها عبر جذب استثمارات أجنبية سيكون العرجاني شريكاً فيها بشكل غير معلن. من جهة أخرى، يستفيد العرجاني من هشاشة الوضع الأمني في شمال سيناء، وعدم قدرة الأمن والجيش على فرض سيطرتهما الكاملة بالقوة، رغم تكرار هذه المحاولات، فيما يعمل على توظيف دعمه السابق للجيش في مواجهة الجماعات المتشددة من أجل جني مزيد من المكاسب.
وعليه، يبدو أن العرجاني يؤدي مهمته في تلميع صورة النظام أمام الرأي العام القبلي، وتلبية حاجاته الراهنة المتمثلة في الحفاظ على الاستقرار في سيناء وعدم الدخول في أي صدامات مع الأهالي أو تحركات عسكرية عنيفة على الأرض لفرض الأمن، فضلاً عن مساعيه للتقريب بين أبناء القبائل والحكومة الساعية للاستحواذ على أراضيهم مقابل أقل تعويضات ممكنة، في وقت لا يمتلك فيه البدو أوراقاً ثبوتية لملكياتهم.