لكن إعطاء الصدارة لملف شرق الفرات لا يعني أبداً أن ملف إدلب لم يكن حاضراً على طاولات «أستانا»، ولو ظلّ الكلام المعلن حوله عامّاً وفضفاضاً. تؤكّد مصادر واسعة الاطلاع أنّ «المحادثات الثنائيّة التي عُقدت في العاصمة الكازاخية ناقشت باستفاضة التزامات أنقرة في شأن محاربة التنظيمات الإرهابية في إدلب، وضرورة تنفيذ اتفاق سوتشي، ولو على مراحل». وينص الاتفاق، الذي أُبرم في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خط التّماس في إدلب، وفتح الطريقين الدوليّين M4 (حلب ــــ اللاذقية)، وM5 (حلب ــــ دمشق)، وبتعهّد تركي بإخراج المجموعات المسلّحة من المنطقة المذكورة بما فيها «هيئة تحرير الشام/النصرة». ومن شأن هذا التفصيل أن يعيد إلى الطاولة احتمال اندلاع جولة جديدة من اقتتال «الإخوة الأعداء» في إدلب، بما يمهّد لرسم خريطة توزّع جديدة لسيطرة المجموعات المسلّحة هناك.
حرص البيان الختامي على الإشارة إلى مذكّرة سوتشي واتفاقية أضنة
وإذا ما قُيّض لتوافقات التهدئة الأخيرة أن تحظى بفرص حقيقية، من المتوقّع أن ينعكس ذلك إيجاباً على الجولة المقبلة لاجتماعات «اللجنة الدستورية المصغّرة»، التي بات انعقادها شبه محسومٍ في منتصف الشهر المقبل في جنيف. وتحفل الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل باستحقاقات شديدة الأهميّة في الشأن السوري، يكمل بعضُها بعضاً، على طريق إنجاز «التوافقات بالتقسيط». وإضافة إلى اجتماعات «الدستورية»، تُشكل قمة إسطنبول الموعودة (شباط/فبراير 2020) محطة مهمة، بما يمكن أن تشكله من بوّابة لتلاقي مسارين مهمّين: أولهما «أستانا»، وثانيهما المجموعة الرباعية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وتركيا). وتوافق ضامنو المسار الأول على عقد لقائهم المقبل في آذار/مارس المقبل، في موعد «مرجعيّ» جديد، تتسع جعبته لما ستتمخض عنه «هندسة المسارات» حتى ذلك الوقت (راجع «الأخبار»، 5 كانون الأول).
برغم كل ما تقدّم، يظل الباب مفتوحاً أمام احتمالات التسخين الميداني، في ظل تأكيد دمشق المستمر «أولويّة محاربة الإرهاب». ويحرص مصدر دبلوماسي سوري على التذكير بأنّ «الحرب ضد المجموعات الإرهابيّة في إدلب مستمرّة، وإعطاء الفرص المتتالية لأنقرة بغية تنفيذ التزاماتها المزعومة لا يعني إطلاقاً الانتظار إلى ما لا نهاية له». ويضيف المصدر: «الجيش مستعدّ ومصمم على دحر إرهابيي القاعدة وسواهم، والقيادة أدرى بالتوقيت».