ثمة مجموعة من المخالفات المرتكبة في هذه المادة المطروحة ضمن مشروع الموازنة والمتعلقة بمسح أصول الدولة. يقول وزير مال سابق إن عقارات الدولة من مسؤولية مديرية الشؤون العقارية التابعة لوزارة المال، لا علاقة لها بالموازنة بل يمكن إجراؤه بمعزل عنها. وبالتالي مجرد «حشرها» في المشروع يطرح تساؤلات حول النية من وراء هذا الأمر. من جهة أخرى، الغرض من هذا القرار رغم مخالفته للدستور، إن كان وضع عقارات وأملاك الدولة ضمن صندوق سيادي، يُفترض توزيع عائداته على الشعب، المالك البديهي لهذه الأصول وليس أصحاب المصارف أو من يدور في فلكهم. فإذا كانت المصارف على علم بأن الدولة مفلسة ورغم ذلك عمدت إلى إقراضها ثم استقدمت أموالاً من الخارج لتوظيفها وجني الأرباح؛ والمصرف المركزي الذي لا حقّ له بالإقراض إلا ضمن حدود معينة قد خالف القانون أيضاً، ذلك يجعل المقامرين بأموال المودعين ثلاثة: السلطة السياسية والسلطة النقدية والمصارف. أما الخاسر الوحيد فهو صاحب الوديعة الذي تم السطو على أمواله، وبالتالي هل تريد المصارف اليوم سرقة أملاك الشعب العمومية بعد أن سرقت أموال المودعين؟ الأبدى هنا أن يعمد أصحاب المصارف إلى بيع أصول مصارفهم وممتلكاتهم وعقاراتهم وتحمّل مسؤولياتهم تجاه المودعين، لا تحميل شعب بأكمله وزر معاصي مافيا المصارف.
بعد قصّ الشعر الذي تعرّض له المودعون وما زالوا، تطمح مافيا المصارف إلى قصّ أملاك الدولة
يشير أحد المشاركين في وضع خطة التعافي المالي إلى أن اقتراح المصارف بمؤازرة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لبيع واستثمار أصول الدولة من خلال صندوق سيادي، قضى بوضع هذه الأصول بيد أصحاب المصارف. فبعد قصّ الشعر الذي تعرّض له المودعون وما زالوا، يطمح هؤلاء إلى قصّ أملاك الدولة. هكذا يتسنّى لمن أهدر دولارات المودعين لمضاعفة دولاراته، إدارة أموال مجتمع بأكمله مع إعطائه ترف استخدام موجوداته كما يشاء، وحتى يقرر بنفسه إن كان ثمة إمكانية لتعويض جزء صغير من خسائر المودعين. عُرض هذا الأمر بشكل واضح ومن دون خجل في مجلس النواب وخلال الاجتماعات. وقد لقي دعماً وتسويقاً سياسياً في المجلس وخارجه بعد تكشير حزب المصارف عن أنيابه. فمن يُفترض أن يحموا أملاك الدولة وصندوق سيادتها، قرروا بيع هذه السيادة لإنقاذ أنفسهم وشركائهم. وقد نجح هؤلاء بتغليب كفّة المصارف وسط اتخاذ الحديث عن خصخصة وبيع أصول الدولة منحى جديّاً لحماية أصحاب رأس المال وإعفائهم من إعادة أرباح الهندسات المالية وإعادة رسملة مصارفهم.
البديهيّ أن يعمد أصحاب المصارف إلى بيع أصول مصارفهم واستثماراتهم قبل الحديث عن أملاك الشعب
النقطة الثانية في هذا السياق، تتعلق بنظرة المصارف وبعض السياسيين إلى المال العام. فقد جرت العادة أن ترقّع الدولة وتغطّي على فساد السياسيين والمسؤولين والسياسات المالية والنقدية الفاشلة، وتترك للشعب أن يتحمل نتيجة ما أوصله إليه سياسيّوه باعتبارهم ممثلي الشعب. حماية أصحاب المصارف وحاملي الأسهم هنا بديهيّة لأن غالبية هؤلاء هم السياسيون أنفسهم أو ممولوهم أو المرتبطون بهم بمصالح خاصة. رغم أن ثمة من يقول إن كل أصول الدولة لن تطفئ خسائر مصرف لبنان والمصارف، بل جلّ ما تفعله هو مراكمة الخسارات فوق الخسارات. رغم ذلك، ارتأى وزير المال في ظلّ إفلاس الدولة وانهيارها أن يقوم بمسح موجوداتها لغاية في نفسه بعد معارضة رئيس الحكومة ووقوفه في وجه إتمام هذه «الجريمة». علماً أن بعض المقربين من وزني يؤكدون أنه عارض وضع «الصندوق السيادي» بيد المصارف، إلّا أنّ إصراره على المضي قدماً بهذا الإحصاء في هذا الوقت وبطريقة مخالفة للقانون، لا يمكن إلا إثارة الشبهات حول الغاية منه.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا