الحرب الأهلية! لم يعد هناك من داع إلى وصف ملتو للاحتراب القائم في سوريا اليوم. من يُرِد أن يقنع نفسه بأنه يقود ثورة، أو بأنه يقود معركة ضد مؤامرة خارجية، فليصطفل، لكن وقائع الموت اليومي المتنقل، بأشكاله المختلفة وخلفياته وأبعاده وطبيعته، وهوية الغالبية الساحقة من القائمين به، تقود الى الاسم الوحيد لما يجري اليوم: إنها الحرب الأهلية السورية، التي سوف تنتهي مثل كل الحروب الأهلية في التاريخ، الى غالب ومغلوب، مع قدر من جوائز الترضية والتنازلات التي تتيح استمرار العيش معاً بين أبناء الشعب الواحد.
وللحرب الأهلية صنوفها ايضاً، لكن ما نشاهده في سوريا اليوم، يعكس وحشية غير مسبوقة في بلاد العرب. ليس صحيحاً أن اقتتال اللبنانيين كان بهذه الوحشية، ولا صراعات القبائل اليمنية أفضت إلى نتيحة مشابهة. ولا حتى حرب العراق المفتوحة تعكس الصورة نفسها.
لا يحب السوريون وصف احترابهم اليوم بهذا الوصف. الانقسام الحاد يجعل كل طرف مصراً على توصيفه: حكم يعاني ترهلاً غير مسبوق في ادارة الدولة ومؤسساتها، ويعجز عن صيانة السلم الأهلي، ومعارضون هم الأقل أخلاقاً في تاريخ المعارضات المعاصرة. وغالبية الناطقين باسم المعارضة مجموعة متطوعين لخدمة الخارج باسم البحث عن معين، بينما يتولى غالبية النافذين من كوادرها على الأرض تدمير البلاد فوق رؤوس أهلها بحجة مقاومة بطش السلطة، فيما الناس الذين حسموا ميلهم الى هذه الجهة او تلك، مفجوعون بهذا القدر من الوحشية التي تدفعهم اليوم الى المطالبة بالهدوء فقط، لكن النكبة الكبرى تكمن في المتنازعين خارج سوريا حول أين يقفون، لأنهم يطلقون المواقف وهم لا يشعرون بحجم تورطهم في بحر الدم الآخذ في الاتساع.
أما أولئك المجرمون الذين يحثون شعب سوريا على الاستمرار في القتل، ويقدمون كل ما لديهم من امكانات سياسية ومادية وعسكرية لإطالة أمد الحرب الأهلية، وتدمير سوريا تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، فهم الذين لا يأمل المرء لهم سوى ميتة بشعة، تشبه وجوههم السوداء بنفطهم وغباوتهم، وهم الذين يستدرّون الدماء السورية نحو بلدانهم عاجلاً أم آجلاً. ولمّا ستلتف النيران من حولهم، لن يكون بوسع أحد مساعدتهم على الهرب من موت محتوم.
إزاء كل ذلك، أيّ استنكار أو تنديد بالقتل ينفع؟ وأيّ محكمة يمكن أن تُنزل العقاب العادل بحق كل صنوف المجرمين وأنواعهم ومراتبهم وهوياتهم؟ وأيّ سجن يقدر على استضافة من قرر الله مسبقاً معاقبتهم بنيران تلتهم أجسادهم ألف مرة ومرة؟ وأي عقل يمكن أن يصدق أن بينهم من يؤتمن على حجر أو بشر بعد اليوم؟
سوريا تدخل عام الموت الجماعي الثالث. وكل ما نراه ونسمعه يقول لنا بانتظار المزيد من الموت والجثامين، وكل ما يقال علناً او سراً يقود الى النتيجة نفسها: دفع السوريين الى مزيد من القتل بحجة الفوز بالميدان المليئة ساحاته بالدماء والموتى. ولا أقسى من مشهد، يظهر فيه أوروبي أو أميركي أو عربي مرتزق، وهو يلقي المحاضرات على شعب له في الأرض جذور تمتد آلاف السنوات قبل ظهور العالم الحديث.
في حالة سوريا اليوم، تبدو الكتابة قاسية إلى الحدود العبثية للبحث والتفكير في المنطق العادي لقياس الصح من الخطأ. ومن يُرِد استعادة الشريط، فلن تشفع كل النصائح والتقويمات ولفت الانتباه، حتى التحذير من الآتي باسم الإصلاح والتغيير والحرية. وكل ما سبق من كلام وأحداث، جرفتهما سيول الدماء الغزيرة التي لا تقدر النار على إزالة آثارها.
ثمة شيء واحد يمكن أن يقال عن سوريا اليوم:
يا من بيده الأمر، إلهاً أو مواطناً أو ساحراً، تقدّم، واضرب بعصاك كل ما يشبه الشيطان، لا تسأله عن اسمه او هويته او مطلبه، فقط اضربه، حتى اذا استطعت طرد إبليس من جنة الشام، فأتِح لمن بقي على قيد الحياة، نفخ الروح من جديد فيها!
13 تعليق
التعليقات
-
كما لم تهادن سوريا سعد حدادكما لم تهادن سوريا سعد حداد وجيش لبنان الحر فإنها لن تهادن عملاء اسرائيل الجدد و جيش سوريا الحر وإن غدا لناظره قريب
-
ليست حرباً أهليةتتمة هذا هو هدف هذه الحرب الكونية على الدولة السورية.... تُدمر مؤسساتها و يتم بناؤها على اساس طائفي مليشياوي و تلحق امنياً بتركيا و تتحالف استراتيجياً مع الامريكان و تكون وجه الصراع المستقبلية على الساحة العراقية بين ايران و حلفائها الطائفيين و بين تركيا و حلفائها الطائفيين وتكون هذه الساحة هي ساحة المواجهة المستقبلية فيما لو سقط النظام السوري ،لا أحد لديه حد أدنى من البصر و البصيرة يستطيع انكار أن النظام السوري يتحمل المسؤولية كاملة في كشف الداخل السوري عندما اختار قطاع الخدمات على حساب قطاعات استراتيجية أخرى كالقطاع الزراعي و همّش الريف و قطاع الحرفيين بخيارات اختارتها طغمة السلطة المافياوية التي تنهب المال العام و تسرق لقمة المواطن البسيط و بميزان تجاري يشكل 90 % لصالح تركيا . لو كانت الحرب في سورية حرباً اهلية لسقط النظام منذ الاسابيع أو الاشهر الاولى إذ أن الاغلبية الشعبية الآن تقف خلف مؤسسات الدولة ( الجيش) ز ترفض خيار تهشيم الدولة عبر ( التكبير و السيف و الساطور )
-
كلّ الخوف أن تسقط الأخبار إن لم تكن قد سقطت بعدفي نهاية الأمر سيسقط الأسد. ولن يحكم سوريا مستقبلا نظاما يشبهه ولو كان سنِّيا(وحدكم في لبنان تفرّون الى طوائفكم و تقدّسون لصوصكم). إكتفى ابراهيم الأمين بقول نصف الحقيقة( حقيقة وجود حرب اهلية) ولكنه تجاهل حقيقة أن " نظام الممانعة في دمشق" هو مجرد عصابة عائلية مخلوفية بامتياز.
-
ليست حرب اهليةانا سورية خلقت في بلدي وعشت فيها بحلوها ومرها مع انني اعرف منذ طفولتي ان كل الشعوب العربي تكرهنا وتحقد علينا لان الحكم في سوريا من طائفة تكفرها كل الدول الاخرى وهذه الطائفة كانت مقاومة ولم تبع البلاد ولم يقضي الرئيس الاسد وقته مع الراقصات وفي احضان الاستعمار صنعنا كل شيء والشعب السوري مسالم وغير عنصري وعاش معنا كل من هرب من بلاده وفتحنا ابوابنا واسواق عملنا للاشقاء لهذا حاول العرب السنة تدمير البلد الذي لفظهم بحضارته لوكانت حرب اهلية كان اهل الساحل قتلوا من قطع اولادهم ولكان اهل السويداء قتلوا اهل درعا لكن هذا لم يحصل لاننا عازمون على النهوض ببلدنا وسترون سوريا التي ستقضي على الارهاب هذه وجهة نظري اتمنى ان تفهموها
-
الحل الأسهل والأسرع ، أن الحل الأسهل والأسرع ، أن يستقيل بشار الأسد ويغادر الحكم ، وبذلك ينتهي السبب الوحيد لهذه الحرب المدمرة .. وكل ما عدا ذلك لن يؤدي إلى نتيجة، وستستمر الحرب إلى ما شاء الله.
-
صدق في الكلمات ومحبة للعدالة والأنسانية (مطلبك)صدق في الكلمات ومحبة للعدالة والأنسانية (مطلبك) وهذا ما يرغب به العديد من سكان المواطن الذين يرغبون في الحرية والعدالة والكرامة في مفهومها الحقيقي وليس في مغلوط المعنى وتحويله الى مجرد شعار للتلميع والجذب وما هذا الربيع المدمر الذي دفع ثمنه وحركت قنواته ليصبح ربيعآ والحقيقة مغايرة والواقع مغاير وماهو الا سفك دماء وقتل وإرهاب ونهب وتدمير وأكثر ديكتاتورية وعنصرية وبطش في مجتمعات الربيع والأبشع من ذلك من يدعم هذا الربيع ولماذا لايجعل بلاده تنعم بالربيع ومن لا يحب الربيع والعدالة والكرامة ولماذا أطالب للغير أن ينعم بها ولا اريدها لنفسي وأتنعم بها ؟!!! دمر العراق ودمرت ليبيا والآن مصر ولبنان الذي دمر ويريدون له يدمر من جديد والأردن على الأبواب ومن المستفيد من التدمير ومن هم قواد الربيع وهل سيدفعون أثمان مادمروه ويعيدون للمواطن ماكان يتنعم به وما خسره من دم ومال وممتلكات ؟وشكرآ لمقالتك ولصدقك ووطنيتك .
-
من الكارثة بمكان أن يتممن الكارثة بمكان أن يتم المقارنة بين الضّحيّةوالجلّاد بكلام يبدو قريبا من الشاعرية بعيدا عن الموضوعية وكيف تتم مقارنة بين المجرم والانسان المهدور الذي حولته اداة الاجرام من انسان مهمش كيانيا وعلميا وفكريا وحولته الى قنبلة قابلة للانفجار في اي لحظة وانفجر بعد كل هذا الاجرام واشعر بالخجل من ان اقرأ هكذا مقال من انسان على درجة من الثقافة والوعي الذي للاسف لم يؤهله الى الوقوف موقف العدل بين الضحية والجلاد واكتفى فقط بوصف شاعري غير قادر على مسح دمعة طفل فقد أباه بقذيفة من طيران الاستبداد والاجرام الذي لم يمر بعد مثله على تاريخ البشرية. (وطني سوري) . ملاحظة: البريد الاكتروني ليس تابع لصاحب هذا الرّأي .
-
اعتراف صريح بالهزيمة من جماعةاعتراف صريح بالهزيمة من جماعة اييرااان... وحسونة...
-
أستغرب أن يستمر البعض بوصفأستغرب أن يستمر البعض بوصف الأمين والأخبار بالموالين للنظام السوري رغم كل هذه الحيادية.
-
كذبصدقني ما تراه ع الشاشات أو تسمع به ليس سوريا من حلب حتى الشام مروراً بحماه أماكن تنقلي خلال الفترة الأخيرة
-
قرأت هذا المقال بألم لان نفسقرأت هذا المقال بألم لان نفس الكلام نقرأه نحن الذين نعيش في الخارج. منذ حادثة الحادي عشر من ايلول في اميركا و الغرب يخطط و يعمل جاهدا للثأر من كل من هو عربي او مسلم. حرب سورية هي حلقة من حلقات الدمار الذي تعمل له اميركا، وللاسف في سورية، عرب النفط هم من اعفى اميركا من هذه المهمة. بعد غزو العراق و ما آلت إليه من إنهيار للاقتصاد الميركي، عمد الاميركي إلى الوكلاء لتفيذ ما تبقى. سورية الدولة إنتهت و لا أدري من دوره next . الوهابية الغبية تقدم الخدمات المجانية للغرب تحت تأثير الوهم الفكري الذي يغازل نفوسهم عن قرب ولادة دولة الخلافة. بالله عليكم، هل منكم من يذكرني متى و أين وجدت هذه؟ الم يعيش الناس تحت رحمة الجلادين والسلاطين منذ وفاة الخليفة الرابع. المهم ان المستهدف الحقيقي لن يقع في الفخ ومهما دمروا و عتوا فالفئة الناجية كما سماها النبي المختار( ص ) باقية وهي التي ستقرر المصير.