في تظاهرات لندن المتضامنة مع الشعبين الفلسطيني واللبناني بوجه العدوان الإسرائيلي يوم الأحد الماضي، رُفعت صورة الشهيدة سارة قشاقش (11 عاماً) التي قضت مع عمتها الشهيدة مريم قشاقش مطلع الأسبوع الماضي على إثر غارة استهدفت منزل العائلة في حانين (قضاء بنت جبيل ـــ جنوب لبنان). أعادت المجزرة اكتشاف حانين أمام العالم، ولكنها أمام الجنوبيين استحضرت مجزرة حانين التي ارتُكبت عام 1976 وسقط فيها عشرة من أبناء البلدة على يد إسرائيل وعملائها. والرابط بين المجزرتين، بأن حانين لم تحد عن مناصرة فلسطين. في ناظري وطفة صوفان (80 عاماً)، اختلط طيف قريبتها الشهيدة سارة المعلقة في صورة على الجدار، بصور طفليها الشهيدين جميل (5 سنوات) وجميلة (7 سنوات) اللذين لاقا المصير نفسه عام 1975. في حي المنازل قبالة منزل قشاقش، إنما قبل 49 عاماً، تعرض منزلها للقصف المدفعي من الموقع الإسرائيلي في مستعمرة سعسع المقابلة. قبل يوم واحد من القصف، رُصدت مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين أوت إلى منزلها كالمعتاد حيث يستريحون ويأكلون ويبيتون قبل استكمال الطريق لتنفيذ عملياتهم ضد الحدود مع فلسطين المحتلة على بعد نحو خمسة كيلومترات من حانين. منزل صوفان على غرار عدد من منازل البلدة، دفع ثمن دعمه للفدائيين منذ نهاية الستينيات. في تلك الليلة، تساقطت القذائف على المنزل، فأصيب الطفلان بالشظايا واستشهدا في غضون أقل من شهر، متأثرين بإصابتهما. لم يرتدع أهل حانين عن دعم الفدائيين والانخراط في تحرير فلسطين ورفض ضغوط قائد جيش العملاء الأسبق سعد حداد للتعامل مع إسرائيل. بقيت البلدة الواقعة وسط أحراج ووديان، ممراً للمقاومين من مختلف الفصائل الوطنية والفلسطينية، إلى أن فتحت إسرائيل الحساب. في نهاية صيف عام 1976، شرع جنود العدو وعملاؤهم بحصار حانين للضغط على أهلها. ولما لم ينفع الحصار، هاجموا البلدة ليل 25 تشرين الأول (أكتوبر). في ساحة البيدر التي شهدت تشييع الشهيدتين قشاقش الخميس الماضي، جمع العملاء الأهالي، كباراً وصغاراً ونساء وأطفالاً. ومن الساحة، اقتادوا عدداً من الرجال وأعدموهم، فيما كانوا قد قتلوا سيدتين في منزلهما ليلاً. بعد انتهاء الهجوم، فرّ الأهالي باتجاه الوديان. حملت وطفة أطفالها وهربت باتجاه عيتا الشعب. وفي طريقها، مرّت أمام منزلها لتجد العملاء ينهبونه. هكذا فعلوا بسائر منازل حانين قبل أن يحرقوها ويدمروها. لم يبقَ سوى مسجد «بنات يعقوب» الذي حولوه إلى زريبة للمواشي، بحسب زينب قشاقش التي نجت من المجزرة عندما كانت في التاسعة من عمرها. تشتت أهل حانين في المناطق وفي المهجر، منهم من مكث لسنوات في خيام في منطقة الأولي في صيدا أو في مبانٍ قيد الإنشاء. احتاجوا سنوات طويلة لكي يعيدوا ربط الأواصر، حتى حلّ تحرير الجنوب عام 2000. أعاد الأجداد إعمار منازلهم وتعرف الأبناء إلى مسقط رأسهم للمرة الأولى. حينها، نصب كل منهم خيمة على أنقاض منزله في انتظار إنجاز ورشة إعماره.
رغم مرارة القتل والتهجير، لم تتخلَ حانين عن فلسطين حتى بعد 24 عاماً من تحريرها. «ما دامت إسرائيل موجودة وما دامت فلسطين محتلة، لن تتخلى حانين عن مسؤولياتها» قال أحمد صوفان نجل وطفة. عندما كان في السابعة عشر من عمره، التحق بالمقاومة الوطنية ثأراً لحانين. قريبه فضل الله صوفان التحق ثأراً لوالده أحمد الذي قطّعه العملاء في مجزرة 1976 وحرقوه في منزله. «لكل تلك الأسباب، اشتغلنا مقاومة وسنبقى»، تقول الحاجة وطفة.