وقف شاب على أبواب معتقل التعذيب الألماني السابق في «اوشويتز»، الذي تحوّل الى متحف لعرض فظائع «الهولوكوست» (الإبادة الجماعية التي تعرّض لها اليهود على أيدي الالمان النازيين خلال الحرب العالمية الثانية) حاملاً ورقة كتب عليها: «إسرائيل: نحن الشهود على الإبادة الجماعية التي ترتكبينها». ومن متحف «اوشويتز» الى اعرق الجامعات الأميركية والغربية، وبعد ثمانية أشهر من المجازر الإسرائيلية المستمرة بحق اهل غزة المكتظة والمحاصرة، بات العالم كله، باستثناء الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، يعلم ويجاهر بأن «إسرائيل» ارتكبت وتستمر في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق البشر.


ما هي السبل القانونية لوقف الإبادة الجماعية؟
بموجب مبادئ القانون الدولي وميثاق منظمة الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية التي تعهّدت دول العالم احترامها، يتولى مجلس الامن الدولي الامر إذ ان مهامه وصلاحياته تشمل «المحافظة على السلام والأمن الدوليين». ولمجلس الامن صلاحية التحقيق في أي نزاع أو حالة قد تفضي إلى خلاف دولي وتقديم توصيات بشأن تسوية تلك المنازعات أو بشأن شروط التسوية. ويحق لمجلس الأمن «اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المعتدي»؛
كما يمكن اللجوء الى محكمة العدل الدولية، فهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة الذي يفترض ان يتولّى الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول؛ أما مجلس حقوق الإنسان فهو هيئة حكومية دولية داخل منظومة الأمم المتحدة مسؤولة عن تدعيم تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أرجاء العالم وعن تناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها؛ وتشمل صلاحيات الجمعية العامة للأمم المتحدة تقديم توصيات من خلال القرارات التي تصدر عنها حيث انها تشكل الجهاز التمثيلي الرئيس للتداول وصنع السياسة العامة.

ما الذي حصل؟
لم يصدر مجلس الامن الدولي قراراً بوقف الإبادة الجماعية، بل استعاض عن ذلك بالدعوة الى «إقامة هُدن وممرات إنسانية»:
بعد أكثر من شهر على شن الجيش الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية على سكان قطاع غزّة المحاصَر، اعتمد مجلس الأمن الدولي، بتأييد 12 عضوا وامتناع الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة عن التصويت، القرار رقم 2712 (15 تشرين الثاني 2023) الذي يدعو إلى «إقامة هُدن وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة».
«تهيئة الظروف اللازمة لوقف الاعمال القتالية»:
بعد مرور أكثر من شهرين على الإبادة الجماعية، اصدر مجلس الأمن الدولي، بتأييد 13 عضواً وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت، القرار رقم 2720 (22 كانون الأول 2023) الذي يدعو إلى «اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ومن دون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية».

«وقف اطلاق نار خلال شهر رمضان» فقط
بعد مرور نحو ستة أشهر على تمادي الجيش الإسرائيلي بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، أصدر مجلس الامن الدولي، بتأييد 14 عضوا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، القرار رقم 2728 (25 آذار 2024) الذي يطالب بـ «وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان».
لم تصدر محكمة العدل الدولية قراراً صريحاً ومباشراً بوقف جريمة الإبادة الجماعية، بل استعاضت عن ذلك بفرض «تدابير مؤقتة» تطالب بـ

«ضرورة أن تتخذ إسرائيل كل ما بوسعها» لمنع القتل
شددت محكمة العدل الدولية في قراراها الصادر يوم 26 كانون الثاني 2024، على «ضرورة أن تتخذ إسرائيل كل ما بوسعها» لمنع «قتل أعضاء من الجماعة وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً» (كما ورد في المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها). جاء هذا القرار بناء على طلب من جنوب أفريقيا للمحكمة بشأن اتخاذ تدابير مؤقتة لوقف الإبادة الجماعية.

«ضمان سلامة وأمن الفلسطينيين»
كما أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا ثانياً يوم 16 شباط 2024 أكدت فيه أن «دولة إسرائيل لا تزال ملزمة بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية والأمر السابق الذي أصدرته المحكمة، بما في ذلك من خلال ضمان سلامة وأمن الفلسطينيين في قطاع غزة. جاء هذا القرار كذلك بناء على طلب من جنوب أفريقيا للمحكمة بشأن اتخاذ تدابير مؤقتة إضافية.
لم يصدر مجلس الامن الدولي قراراً بوقف الإبادة الجماعية، بل استعاض عن ذلك بالدعوة الى «إقامة هُدن وممرات إنسانية»


مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز قدمت تقريراً مفصّلاً في آذار 2024 يتضمن اثباتات دامغة عن ضلوع الإسرائيليين بجريمة الإبادة الجماعية، ودعت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى «ضمان امتثال إسرائيل والدول الثالثة بالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها». وتابعت ألبانيز شارحة انه «من خلال إعادة تعريف فئات الدروع البشرية وأوامر الإخلاء والمناطق الآمنة والأضرار الجانبية والحماية الطبية بشكل متعمد، استخدمت إسرائيل المهام المتعلقة بالحماية كـ 'تمويه إنساني' لإخفاء حملة الإبادة الجماعية التي تشنها».

حبر على ورق
بأغلبية 153 عضوا ومعارضة 10 وامتناع 23 عن التصويت، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 كانون الأول 2023 قرارا يطالب بـ«الوقف الإنساني لإطلاق النار والإفراج الفوري عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة».

ما هي النتيجة؟
لا شك في ان الضغوط المكثّفة التي مارستها الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي (المانيا وبريطانيا بشكل خاص) والهند وأستراليا على منظمة الأمم المتحدة وعلى محكمة العدل الدولية، وآخرها التهديدات التي اطلقها أعضاء الكونغرس الأميركي بحق المحكمة الجنائية الدولية، حالت دون ارغام «إسرائيل» على وقف الإبادة الجماعية في غزة.
علماً ان عجز المجلس والمحكمة والجمعية العامة عن وقف الإبادة الجماعية أدى الى:
أكثر من 35 الف شهيد و79 الف جريح معظمهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ومعوّقون
استشهاد نحو 190 موظفا في الأمم المتحدة معظمهم من وكالة الأونروا
دمار شامل للمستشفيات والاسعافات واستهداف مركز للطواقم الطبية
القتل بالقصف والتجويع والتعذيب والنزيف والألم (وغيرها من فصول الإبادة – انظر الصفحة 8)

ما العمل؟
تشير تصريحات رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيانين نتنياهو والوزراء في حكومته الى مضيهم في الإبادة الجماعية في قطاع غزة. ولا شك ان في إمكان الاميركيين لجم إصرار الإسرائيليين على المضي في قتل الناس في رفح، لكنهم لن يفعلوا.
وفي ظل الدعم الأميركي والاوروبي للكيان الإسرائيلي لن تتوقف الإبادة الجماعية. فما العمل؟
هل هناك سبيل امام أي شعب يتعرّض للإبادة الجماعية، بينما تعجز كل السبل القانونية عن حمايته، غير المقاومة والكفاح المسلّح؟