كيف نتخيّل ذلك؟ حقاً، كيف ننظُر إلى نهاية هذا العالم الذي نعيش فيه؟ لا بُدّ من أنّ كل إنسان شغله ولو لمرّة واحدة على الأقلّ هذا السؤال، فهي حتمية تفكير في نهاية الأشياء، وخصوصاً أنّ ما كُتب وأُنتج في هذا الصدد كثير، منذ بداية وجودنا على كوكب الأرض. الكثير من الأساطير تناولت ذلك، وكُلّ الأديان التي وُجدت وتوجد الآن، فعلت ذلك. الكثير من الكُتب والأفلام، صبّت اهتمامها في هذا المجال. ‏هل يقلقك ارتفاع درجات الحرارة؟ حسناً، يبدو أن عليك أن تفعل. وفقاً للعُلماء، فنحن نعيش الانقراض السادس. بدايةً سُميَ سادساً، لأنّ كوكب الأرض شهد خمس انقراضات جماعية سابقة، آخرها الانقراض الخامس قبل 65 مليون سنة، وتسبّب في اختفاء 80 في المئة من الحياة على كوكب الأرض (ومنها الديناصورات) و99 في المئة من الكائنات التي عاشت على كوكب الأرض منذُ بداية الحياة عليه اختفت. الإنسان نوع من أنواع الحياة على هذا الكوكب، وأيّ خلل في منظومة الحياة ومنظومة الأنواع، ستعود بالضرر عليه بلا شك ورُبما ستتسبّب في انقراضه هو أيضاً. «مع اكتشاف مخزونات الطاقة تحت الأرض، بدأ البشر في تغيير تركيب الغلاف الجوي، وهذا بدوره أدى إلى تغيير المناخ وكيمياء المحيطات. تكيّفت بعض النباتات وبعض الحيوانات عبر الانتقال، فتسلّقت الجبال وهاجرت تجاه القطبين. لكنّ أعداداً كبيرة منها ــ في البداية بالمئات ثم بالآلاف وربّما وصل العدد في النهاية إلى الملايين ـــ وجدت نفسها وقد تقطّعت بها السُبل، فارتفعت معدّلات الانقراض وتغيّر نسيج الحياة.
لم يسبق لأي مخلوق على هذا الكوكب أن غيّر الحياة بهذا الشكل من قبل، لكن وقعت أحداث مشابهة أخرى، في حالات نادرة جداً في الماضي السحيق. تعرّض هذا الكوكب لتغيّر مدمر أدّى إلى هبوط مفاجئ في تنوع الحياة (الانقراضات الخمس).
تذكر إليزابيث كولبرت في كتابها «الانقراض السادس... تاريخ لا طبيعي» أنه في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، انخفضت أعداد حيوانات وحيد القرن السومطري في البرية بشكل حاد، ويعتقد اليوم أنّ الأعداد المتبقية منه أقل من مئة. من بين الأنواع الثمانية للدببة في العالم، تُصنّف ستة منها على أنها إمّا «عرضة» للانقراض، وإمّا «مهددة بالانقراض». انخفض تعداد الفيلة الآسيوية بنسبة 50 في المئة على مدى الأجيال الثلاثة الماضية. أما الفيلة الأفريقية فوضعها أفضل، لكنها مثل وحيد القرن مهدّدة كذلك بسبب الصيد غير القانوني. قردة الأورانغوتان شهدت انخفاضاً في أعدادها بنسبة 25 في المئة. معظم القطط الكبيرة مثل الأسود والنمور والفهود والنمر الأميركي (jaguars) تناقصت أعدادها. وبعد قرنٍ من الآن، قد تستمر الباندا والنمور ووحيد القرن في الحياة فقط في حدائق الحيوان. في وقت باكر من أربعينيات القرن التاسع عشر، اقتُرح تفسيران لحدوث انقراضات جماعية: الأوّل هو «التعديل الكبير في المناخ»، أيّده كل من تشارلز لايل وداروين الذي قال: «لا أستطيع أن أشعر بارتياح كبير تجاه العصر الجليدي وانقراض الثديات الكبيرة». أمّا ألفريد والاس، فكان يرجّح كفّة التغيّر المناخي في ما خصّ الانقراض الحالي، لكنه غيّر رأيه في كتابه الأخير «عالم الحياة» حيث قال: «بالنظر إلى الموضوع كلّه مرّة أخرى، أنا مقتنع بأن سرعة انقراض الكثير من الثديات الكبيرة هي في الواقع ناتجة من أفعال الإنسان»، فيما أشار بول مارتن، من «جامعة أريزونا»، في بحثه «القتل المفرط ما قبل التاريخ»، إلى أنّه «عندما تُجرى مقارنة نقدية بين التسلسل الزمني للانقراض والتسلسل الزمني لهجرات الإنسان، سيتبين أن وصول الإنسان هو التفسير المنطقي الوحيد بشأن اختفاء الحيوانات العملاقة».
اليوم قضت البشرية على 60 في المئة من الثديات والطيور والأسماك والزواحف منذ عام 1970، وهذا ما أفضى إليه التقرير الذي نشره «الصندوق العالمي للحياة البرية» (wwf) عام 2018 وشارك في إعداده 59 عالماً حذّروا من أنّ القضاء على الحياة البرية هو الآن حالة طوارئ تهدّد الحضارة. قال المسؤول عن الصندوق في التقرير: «نمشي متخبّطين باتجاه الهاوية، فلو شهدت البشرية انحساراً في 60 في المئة من أعدادها، فهذا يعني فراغ قارات أميركا الشمالية والجنوبية وأفريقيا وأوروبا وأستراليا والصين، تماماً من السكان، ما اقترفته أيدينا يوازي ذلك تماماً».
إلى جانب ذلك، تبيّن دراسات أخرى أنه منذ ظهورها على سطح الأرض إلى يومنا هذا، قضت الحضارة البشرية على 83 في المئة من الثديات ونصف النباتات، ولو أوقفت البشرية اليوم تدميرها للطبيعة، فإن الكوكب يحتاج إلى ما بين 5 و7 ملايين سنة لكي تُعيد الطبيعة ترميم نفسها.
إننا نشهد نهاية العالم بالفعل، بل بالنسبة إلى أنواع معينة على الأرض فقد انتهى العالم أصلاً. على سبيل المثال، فإننا نشهد مؤشرات حرارية غير مسبوقة وفياضانات وتغيّرات مناخية عديدة يمكن الإحساس بها بشكل مباشر، أي إنها لا تحتاج إلى أن يقولها العُلماء لأحد، بل هي وقائع يومية معيشة.
في صيف عام 2023، بلغت الحرارة 47 درجة مئوية في الجنوب الإيطالي، ما دفع عُمّال المصانع إلى التهديد بالإضراب احتجاجاً على ظروف العمل المزرية تحت الحرّ الشديد، بينما اندلعت الحرائق في اليونان، وكسرت حرارة المياه في السواحل الإسبانية أرقاماً قياسية. كما أدّى هذا، ولعقود من الزمن، إلى تدمير الكثير من الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء نتيجة الحرائق التي تسبّب فيها التغيُّر المُناخي، منها حرائق لبنان التي تتكرر وتلك أيضاً التي يتكرر اندلاعها في أستراليا.