مرّ احتفال يوم التحرير وانتصار المقاومة الإيطالية على الدولة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية عام 1945، وسط توترات سياسية كادت أن تطغى على الذكرى نفسها.ظهر الانقسام السياسي الإيطالي جلياً أمام الجميع، وتبادلت أطراف الصراع اتهامات صنع المكائد خلف الكواليس. كان من المقرّر أن يتحدث الكاتب الإيطالي أنطونيو سكوراتي، عبر التلفزيون الوطني الإيطالي (RAI3) ضمن برنامج Chesarà في 25 نيسان (أبريل) الماضي، ولكنّه تلقّى في طريقه إلى الاستديو رسالة تفيد بأن ظهوره ألغي «لأسباب تحريرية»، وقرأت مقدمة البرنامج سيرينا بورتوني المونولوغ المعدّ لسكوراتي بالكامل بدلاً منه.
أثار الأمر ردود أفعال كبيرة، من بينها اتّهام إدارة رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني اليمينية، بالوقوف خلف قرار المنع، فيما أدان «الاتحاد الوطني للصحافة الإيطالية» (FNSI) ما وصفه بـ «التدخّل الحكومي غير المسبوق» في عمل القناة، معلّقاً بأنّ «سيطرة الحكومة الإيطالية على المعلومات العامّة صارت خانقة». من جهة أخرى، اتهم مناصرو ميلوني القناة، المملوكة لوزارة الاقتصاد والمالية، بـ«التحيّز لمصلحة اليسار».
تستند الاتهامات ضد ميلوني إلى خلفيتها السياسية والتاريخية المرتبطة بالفاشية. بالإضافة إلى أنّها حاولت الانتقام من سكوراتي، الكاتب الذي صدرت له حديثاً رواية «موسوليني، ابن القرن العشرين» التي يتناول فيها صعود موسوليني وأوجه التشابه مع يومنا هذا. كما أن الكاتب سبق أن ألقى خطاباً قبل أيام من ذكرى الانتصار اتهم فيه حزب ميلوني بمحاولة إعادة كتابة التاريخ، ورئيسة الحكومة نفسها برسم «هدف على ظهره» باستخدام منصتها «لمهاجمته شخصياً». كما يقول منتقدو ميلوني إنّ شبكة RAI عيّنت شخصيات قريبة أيديولوجياً من حكومة ميلوني، وهي الحكومة الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية.
أثار إلغاء خطاب أنطونيو سكوراتي الجدل في إيطاليا التي تعاني انقساماً عمودياً بين يمين متطرّف يسيطر على حكومتها، ومعارضة يسارية ليبرالية داعمة للاتّحاد الأوروبي. ومن جهته، نفى المدير في RAI، باولو كورسيني، أن يكون المنع يتعلّق بالرقابة، عازياً الأمر إلى «مشكلات تعاقدية لسكوراتي مع قناة Sky Italia المنافسة لقناة RAI». علماً أنّه في أيّار (مايو) 2023، استقال كارلو فورتيس من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة RAI بسبب الضغوط السياسية، بحسب ما أفاد به في حينه، قبل أن يُعيَّن الرئيس الحالي روبرتو سيرجيو. وطالبت أحزاب المعارضة ميلوني باتّخاذ «موقف واضح بشأن مناهضة الفاشية»، في حين أطلقت صحيفة «لا ريبوبليكا» ومجلة «فارايتي» على القناة اسم Telemeloni أو «تلفاز ميلوني».
وتستمرّ النقاشات في إيطاليا منذ أكثر من أسبوع، بما في ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، حول حرية الصحافة ودور هيئات البثّ العامّة في دعم المبادئ الديموقراطية. كما تواجه حكومة ميلوني ضغوطاً من الاتّحاد الأوروبي الذي تختلف معه في مواضيع جذرية، مثل «الفاشية» والحرب في أوكرانيا والهجرة وغيرها، فيما أعلنت قبل أيّام أنّها تعتزم خوض انتخابات البرلمان الأوروبي «دعماً لحزبها وسائر المحافظين في أوروبا».