مساعي النظام في بثّ الرعب في نفوس المعارضين، والزجّ بهم في زنازين الإيقاف، باتت لا متناهية
إزاء ذلك، يبدو أن مساعي النظام في بثّ الرعب في نفوس المعارضين، والزجّ بهم في زنازين الإيقاف، باتت لا متناهية، وقد فاقت تلك التي سادت أيام نظام ابن علي، الذي لم يجرؤ طيلة سنوات حكمه على المساس بالمحامين المعارضين له رغم عدائه لهم. وإذ امتنعت السلطات الرسمية عن تقديم أي معطيات بشأن الاعتقالات، فقد أفسح ذلك المجال للمدوّنين والمحللين الموالين للقصر الرئاسي لتقديم معلوماتهم عن سير عملية الاعتقال والتحقيق والتهديد علناً بأن من سيتجرأ مستقبلاً على «الدولة» سينضم إلى قائمة المعتقلين. ومنذ استفراد سعيد بالسلطة، وإصداره «المرسوم 54»، في 13 أيلول 2022، حوكم أكثر من 60 شخصاً، بينهم صحافيون ومحامون ومعارضون للرئيس، وفقاً لـ«النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين»، إذ اعتمدت السلطات على الفصل 24 من المرسوم المذكور، والذي ينص على غرامة تصل إلى 50 ألف دينار (حوالي 16 ألف دولار أميركي) والسجن لمدة خمس سنوات «لكل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذباً إلى الغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني»، أو «بثّ الرعب» أو «الحث على خطاب الكراهية»، علماً أن عقوبة السجن تُضاعف إذا اعتُبر أن «الجريمة» تستهدف «موظفاً عمومياً» أو «شبهه».
على أن سعيّد حوّل كل ما يقال على وسائل الإعلام ووسائل التواصل إلى جريمة، وجميع من يتعاطون مع الفضاء العام إلى مشتبه فيهم، خصوصاً أنه لا تعريف محدداً للفعل الجرمي ولا عقوبة سجنية معروفة لكل فعل من الأفعال التي يشملها المرسوم، إذ منح الأخير، الذي يهدف رسمياً إلى «ضبط الأحكام الرامية إلى التوقّي من الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات»، السلطات، نصوصاً قانونية تمكّنها من فرض عقوبات قاسية على «جرائم» فضفاضة ومبهمة، يمكن أن يُلصق بها أي رأي حر. واستكمالاً للصورة، تمّ تجميد «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» التي كانت تشرف على تعديل القطاع ذاتياً وتفرض عقوبات مالية على المخالفين، في ما يؤشر إلى أن النظام كسابقيه لا يعترف بالتعديل الذاتي ولا يرى إلا عصا البوليس لمحاسبة الفاعلين في المجال الإعلامي.