لا تزال فصول ما يبدو أنها «مناورة» أميركية تفاوضية جديدة، مستمرّة، في مقابل صلابة تُبديها حركة «حماس» أمام الضغوط التي تُمارس عليها من كل حدب وصوب. وفي ظلّ ما بات معلوماً من الأساليب التفاوضية الأميركية - الإسرائيلية، ظهر تطوّر جديد، هو الأول من نوعه، يبدو أقرب إلى محاولة خبيثة لدقّ إسفين بين قوى المقاومة نفسها، عبر إدخال «تعديلات» على آليات التفاوض معها، إذ علمت «الأخبار»، من مصدر دبلوماسي، أنه في الوقت الذي كان فيه رئيس المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، يعقد، الأسبوع الماضي، اجتماعات في إسرائيل، وعلى اتصال مفتوح مع مدير الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يعقد اجتماعات بمشاركة مسؤولين أمنيين إسرائيليين مع أحد مسؤولي الأمم المتحدة، لمناقشة فكرة إحداث خرق «من نوع آخر» في «الجبهة» الفلسطينية. وقال المصدر إن نتنياهو استدعى المنسّق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، إلى مكتبه، والتقاه بحضور أعضاء في فريق التفاوض الإسرائيلي، طالباً إليه أن ينقل رسالة عاجلة إلى قيادة حركة «الجهاد الإسلامي» في بيروت، يعرض فيها فتح قناة تفاوض مباشرة وخاصة، بمعزل عمّا يجري مع حركة «حماس». وأضاف المصدر أن وينسلاند أوفد مساعده ميروسلاف زافيروف، مع مساعد آخر مكلّف بشؤون الضفة الغربية، إلى بيروت، يوم السبت الماضي، لنقل العرض، متابعاً أن عضوي الوفد اجتمعا بممثّل عن قيادة «الجهاد»، أبلغهما أن «الردّ سيصلهما يوم الإثنين». ومساء أمس، أبلغت قيادة الحركة، مكتب المنسّق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، «رفضها التامّ للاقتراح». وأكّدت أن «الجهاد فوّضت حماس، إدارة ملف التفاوض بكلّ تفاصيله». كما تمّ إطلاع جهات عدّة على مضمون هذه المحادثات.وعلى صعيد المفاوضات، وصل، صباح أمس، وفد من حركة «حماس»، برئاسة نائب رئيس الحركة في قطاع غزة، خليل الحية، إلى القاهرة قادماً من الدوحة. وعقد الوفد، فور وصوله، اجتماعات مكثّفة مع المسؤولين المصريين، وفي مقدّمتهم عباس كامل، والفريق المعنيّ بالملفين الفلسطيني والإسرائيلي في المخابرات. وبخلاف ما أُشيع خلال الأيام القليلة الماضية، لم يسلّم وفد «حماس» ردّ الحركة على المقترح الذي صاغه المصريون مع الإسرائيليين والأميركيين، بل حاول الاستفهام والاستيضاح، حول بعض التفاصيل والنقاط التي وردت في المقترح، وخصوصاً العبارات التي تُفيد بـ«الاستعداد المبدئي» الإسرائيلي للبحث والمناقشة، علماً أن المقترح المذكور، يقع في نحو 3 صفحات، تحوي تفاصيل كثيرة عن اتفاق من 3 مراحل، يبدأ بتبادل أسرى من الفئة «الإنسانية». ومن المقرّر أن يغادر وفد «حماس»، القاهرة، لإجراء مزيد من المشاورات حول المقترح، قبل أن يرسل ردّ الحركة الرسمي إلى الوسطاء.
طلب نتنياهو من المسؤول الأممي نقل رسالة عاجلة إلى قيادة «الجهاد الإسلامي» في بيروت


في المقابل، من المنتظر أن يصل وفد من الكيان برئاسة رئيس جهاز «الموساد» دافيد برنياع، إلى القاهرة اليوم، حيث سيلتقي برئيس المخابرات المصرية، لبحث نتائج اجتماعه مع وفد «حماس»، وللاطّلاع على الملاحظات والأسئلة التي قدّمها الوفد الفلسطيني. وكانت قناة «كان» العبرية أفادت بأن «الوزيرين بن غفير وسموتريتش متهَمان بأنهما يعارضان الصفقة من دون أن يعرفا أي تفاصيل عنها». كما نقلت القناة عن مسؤول رفيع في الحكومة، قوله: «لن نسمح لنتنياهو بتضييع فرصة لتحقيق صفقة تبادل، لأسباب سياسية داخلية». لكنّ صحيفة «يديعوت أحرونوت» نقلت، عن مسؤول إسرائيلي، تأكيده أنه «لا يمكن التوصل إلى صفقة، إلا بتخلّي حماس عن مطلب إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي (من القطاع)».
وفي القاهرة، يشعر المسؤولون المصريون بأن «الأطراف أقرب إلى التوصّل إلى صفقة، من أي وقت مضى»، مع اقتناعهم بأن «هنالك مسائل أساسية لا تزال تحتاج إلى تنازل من الطرفين»، وهو ما أكّده رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في الرياض، أمس. وتتحدث مصادر مصرية مطّلعة عن أن «تعديلات إضافية أُدخلت على المقترح خلال الساعات الماضية»، موضحة أن «السعي هو أن تكون الهدنة لأطول فترة ممكنة، بما يضمن إنهاء الحرب بشكل كامل، وليس استئنافها مرة أخرى، وذلك بضمانات وتعهّدات إقليمية ودولية». وفي هذه النقطة بالذات، تطالب المقاومة بأن تكون هذه الضمانات مكتوبة وموثّقة في نصّ الاتفاق، الذي سيوقّع عليه العدو، وأن لا يتمّ الاكتفاء بتعهدات شفهية.
في سياق متصل، أجرى الرئيس الأميركي، جو بايدن، اتصالاً بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بحثا فيه «آخر التطورات بخصوص المفاوضات الجارية، ومخاطر التصعيد العسكري في رفح»، بحسب الرئاسة المصرية. كذلك، أعلن الديوان الأميري، أن أمير قطر، تميم بن حمد، تلقّى اتصالاً من الرئيس الأميركي بحثا خلاله «جهود البلدين للتوصل إلى اتفاق وقف فوري لإطلاق النار في غزة». وفي غضون ذلك، عُقدت، أمس، عدة اجتماعات في العاصمة السعودية، الرياض، بمشاركة وزراء خارجية عدد من الدول العربية، إضافة إلى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، على هامش «الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي». وشدّد بلينكن، خلال مقابلة معه ضمن برنامج المنتدى، على ضرورة إنهاء الحرب في غزة ووضع مسار لإنشاء دولة فلسطينية «للمضي في طريق التطبيع»، معبّراً عن أمله في أن توافق حركة «حماس» على «العرض السخيّ جداً المطروح عليها حالياً». كما تطرّق إلى مسار التطبيع السعودي - الإسرائيلي، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة عملت بصورة مكثّفة خلال آذار الماضي بشأن ذلك، ومن المحتمل أن يكون (الاتفاق) قريباً جداً من الاكتمال». وكان بلينكن تحدّث عن الردّ الإيراني على إسرائيل، خلال اجتماعه مع وزراء «مجلس التعاون الخليجي» في الرياض، واعتبر أن «هذا الهجوم يسلّط الضوء على التهديد الحادّ والمتزايد الذي تمثّله إيران، لكنه يسلّط الضوء أيضاً على ضرورة العمل معاً على الدفاع المتكامل». وأعلن أنّ الولايات المتحدة ستجري محادثات في الأسابيع المقبلة مع دول المجلس، حول «دمج الدفاع الجوي والصاروخي وتعزيز الأمن البحري».