غزة | يعكس تراكم عشرات الأطنان من النفايات في الشوارع الرئيسية لمدينة غزة، وعلى أبواب مراكز الإيواء، سياسة التقويض لعمل البلديات المحلّية، والتي واصل جيش الاحتلال ممارستها منذ الشهر الأول للحرب، حيث لاحقت الطائرات الحربية الإسرائيلية، كل معدّات بلديات شمال وادي غزة. ففي مناطق جباليا وبيت لاهيا، مثلاً، دمَّرت الطائرات الحربية جميع شاحنات جمع القمامة، وكلّ الجرافات وآلات كسح خطوط الصرف الصحي وتسليكها، قبل أن تدمّر بشكل كلّي مخازن بلديتَي جباليا النزلة وبيت لاهيا ومستودعاتهما ومقرّاتهما. وهكذا، فقدت الطواقم البشرية المستعدّة لتقديم الخدمة، كل المعدات التي يمكن استخدامها في احتواء الوضع البيئي المتفاقم.وأعلنت بلدية غزة، أخيراً، أن العدوان الإسرائيلي أتى على 90% من مقدّراتها، وقوّض قدرتها على القيام بمهمّاتها الحيوية، من مثل جمع القمامة وصيانة خطوط المياه وشبكات مياه الصرف الصحي، ما أدى إلى غرق كل أحياء المناطق الشمالية بكميات هائلة من مياه الصرف الصحي والقمامة. ووفقاً لمصدر في بلدية جباليا، تحدّث إلى «الأخبار»، فإنه «لا توجد لدينا أيّ آلية تعمل. استأجرنا جرافات من شركات خاصة، فقامت الطائرات الحربية بقصفها، فيما شاحنات جمع القمامة كلّها مدمّرة. كذلك، حاولنا الاستعانة بعربات صغيرة لجمع النفايات من الشوارع الرئيسية، ولكن جيش الاحتلال يمنع إلى اليوم إدخال أيّ كميات من وقود السولار للطواقم البلدية». وتابع المصدر: «الأزمة الحالية بحاجة إلى تضافر جهود كبيرة جدّاً لاحتوائها. والأسوأ من ذلك كلّه، أن جيش الاحتلال يستهدف أيّ عربة تحاول نقل النفايات إلى المكبات التقليدية الموجودة بعيداً من الأحياء المأهولة. لذا، يضطرّ الأهالي والطواقم المتطوّعة، إلى جمع القمامة في مكبات تتوسّط الأحياء العمرانية المكتظّة بالسكان».
ولعلّ أخطر نتاجات تدهور الوضع البيئي الحالي، هو انتشار الأوبئة والأمراض، وأهمّها التهاب الكبد الوبائي، إلى جانب كثافة انتشار الحشرات المؤذية مثل البعوض. وبحسب الدكتور محمد البراوي، فإن معدّل الإصابة بمرض الكبد الوبائي ارتفع أخيراً إلى مستويات قياسية، إذ يستقبل مستشفى «كمال عدوان»، وهو المؤسسة الحكومية الوحيدة التي لا تزال تعمل في مناطق شمال وادي غزة، المئات من الحالات بشكل يومي. وقال البراوي: «المسبّب الرئيسي للمرض هو قلّة النظافة الشخصية وتدهور المستوي الغذائي. قبل شهرين من الآن، كانت العدوى قد تفشّت في صفوف الأطفال دون سن العاشرة. في الوقت الحالي، يصيب المرض كل الفئات العمرية، بما فيها الشباب والشيوخ، وهذا مؤشّر خطير».
وفي ظلّ هذه الأوضاع، تندلع، في ساعات المساء من كل يوم، معارك مطاردة البعوض في داخل الخيام والفصول الدراسية المكتظّة بالنازحين في مراكز الإيواء، إذ لا حلول تقنية ولا مبيدات يمكن أن تعالج المشكلة. وتقول أم محمد التي تسكن في إحدى مدارس وكالة «الأونروا» في مخيم جباليا: «بنحرق مريمية، بنولع نار لتطلع دخان داخل الصف، حتى نطرد البعوض والحشرات الغريبة، بلا فائدة، ما فيه حلّ إلا إنو نطاردهم بالإيد، ممكن تتخيّل شو يعني نقضي ثلاث ساعات وإحنا بنصيد البعوض واحدة واحدة، ونغلق الأبواب والشبابيك في هذا الجو الحارق، حتى ما يدخل غيرهن».