يجد الرئيس الأميركي، جو بايدن، نفسه، عقب إعلانه وقف توريد شحنات محدّدة من الأسلحة إلى إسرائيل، وعلى وقع استمرار السجال بين تل أبيب وواشنطن حول الهجوم المزمع على مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، أمام عاصفة من الانتقادات، وخصوصاً من جانب الجمهوريّين. إذ وجد هؤلاء في تعليق بايدن قرابة 3000 قنبلة ثقيلة لحساب «الحليف التاريخي»، الفرصة متاحة أمامهم لـ»الاصطياد» في خطوة البيت الأبيض، سواء بالمزايدة على موقف الأخير في دعمه لكيان الاحتلال، وهو ما ظهّرته دعوة السيناتور الجمهوري المحسوب على معسكر «الصقور»، ليندسي غراهام، إلى تزويد إسرائيل بالأسلحة النووية لضرب الفلسطينيين، أو بالرهان على تعميق الشروخ داخل الحزب الديموقراطي وسط ما يعانيه من انقسامات على خلفية حرب غزة. وتجلّى ما تقدّم، في توجّه مجلس النواب، بأغلبيته الجمهورية، إلى التصويت، اليوم، على مشروع «قانون المساعدات الأمنية لإسرائيل» لحثّ بايدن على تسليم شحنات الأسلحة التي سبق أن وافق عليها الكونغرس، مع لحظ فقرة ضمن المقترح التشريعي تنصّ على «إدانة قرار إدارة بايدن وقف عمليات نقل أسلحة معينة إلى إسرائيل»، وذلك تحت طائلة تقييد التمويل لوزارتَي الدفاع والخارجية، وسط ترجيحات بحصول المشروع على تأييد العشرات من نواب الحزب الديموقراطي.
ماذا يريد الجمهوريون؟
قبل ساعات من التصويت، مال نواب ديموقراطيون إلى تظهير موقفهم العلني من مسألة التصويت على «مشروع قانون المساعدات الأمنية لإسرائيل»، وفي طليعتهم النائب عن ولاية أوهايو، غريغ لاندسمان، الذي رأى أن إدارة الرئيس بحاجة إلى أن تيدي المزيد من الوضوح، في شأن استراتيجيتها المتبعة حيال ما يجري في غزة، ولا سيما لناحية تحديد «أولوياتنا الاستراتيجية، في ما يتعلّق بإنهاء هذه الحرب»؛ والنائبة عن ولاية فلوريدا، ديبي شولتز، التي بدت متردّدة إزاء اتّخاذ موقف من مشروع القرار، مكتفية بالإعراب عن مخاوفها من كشف البيت الأبيض عن خطط ذات طابع عسكري حسّاس، كملف الدعم التسليحي لتل أبيب. من جهتها، أصرّت زعيمة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب، كاترين كلارك، أسوةً بقادة الحزب الساعين إلى حثّ زملائهم على رفض تمرير المقترح الجمهوري، على أن الأخير «لا يُعدّ عملاً تشريعياً جادّاً»، إذ هو مجرّد «حيلة حزبية أخرى من قِبَل الجمهوريين المتطرّفين في جناح MAGA والذين عقدوا العزم على إيذاء الرئيس بايدن سياسيّاً». وهو ما ذهب إليه أيضاً العضو البارز في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، والنائب عن ولاية واشنطن آدم سميث، واصفاً المشروع المقترح بـ»الأداة الفظّة»، و»الشيك على بياض لإرسال أسلحة من دون قيد أو شرط، الأمر الذي لا يمكننا أن نعطيه لأحد، حتى لو كان جهة حليفة أو صديقة».
ثمّة مخاوف من كشف البيت الأبيض عن خطط ذات طابع عسكري حسّاس، كملف الدعم التسليحي لتل أبيب


وفي هذا الجانب، أشار موقع «بوليتيكو» إلى مساعي بايدن الرامية إلى «تقليص الدعم لمشروع القانون»، ولا سيما في صفوف نواب حزبه. ونقل الموقع، عن مسؤول كبير في البيت الأبيض، تأكيده أن مسؤولي الإدارة استبقوا عرض المشروع على التصويت، بعقد مناقشات مكثّفة بغية بحث السبل المتاحة للحؤول دون إقراره، وسط مخاوف داخل الإدارة من وجود سوء فهم لتصرّفاتها من قِبَل العديد من المشرّعين. ولفت المسؤول إلى أحد أوجه القلق لدى بايدن مردّه محاولة الجمهوريين التحريض عليه، وتفسير مواقفه على «نحو خاطئ»، مبيّناً «أن مشروع القانون المذكور، ينطلق من فرضية أساسية، مفادها بأن الإدارة توقف حالياً أكثر من شحنة أسلحة واحدة (لإسرائيل)، وهذا ليس واقع الحال». أمّا موقع «أكسيوس»، فقد أشار إلى أن «بعض الديموقراطيين المعتدلين، وخاصة اليهود منهم، سئموا من إجبارهم على الدوام على الاختيار بين السير خلف حزبهم، وبين دعمهم لإسرائيل»، كاشفاً أن عدداً لا بأس به منهم، على غرار النائب عن ولاية نيويورك دان غولدمان، والنائب عن ولاية كاليف براد تشيرمان، يضعون مشروع القانون الجمهوري في خانة الاستقطاب السياسي، والاصطفافات الحزبية.

بايدن يشن «هجمة مرتدّة»... مساعدات بمليار دولار لإسرائيل!
وكردّ فعل أوّلي على مشروع القانون، أعلن البيت الأبيض أن بايدن سيستخدم «الفيتو» لإسقاطه (في حال حصل على الأصوات الكافية في المجلسَين لتمريره)، محاجّاً بالقول إن تمرير الكونغرس لهذا التشريع «سيقوّض قدرة الرئيس على تنفيذ سياسة خارجية فعّالة»، على رغم تعهّده بـ»أنْ يضمن دائماً أن لدى إسرائيل ما تحتاج إليه للدفاع عن نفسها». وفي خطوة إضافية مضادّة للخطوة الجمهورية، تستبطن حقيقة الصراع بين الحزبين على استرضاء إسرائيل، أخطرت وزارة الخارجية الأميركية، قبل يومين، الكونغرس، وتحديداً رؤساء وأعضاء اللجان المعنية بالشؤون الخارجية، وبصورة غير رسمية، عزمها على توريد حزمة أسلحة جديدة لإسرائيل بقيمة مليار دولار، وذلك بهدف مناقشة بنودها وشروطها بصورة تفصيلية معهم قبل عرض الحزمة برمّتها على المصادقة تحت قبة «الكابيتول»، علماً أنّها تشكل جزءاً من مساعدة عسكرية بقيمة 95 مليار دولار أقرّها المشرّعون الأميركيون أخيراً لدعم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، نقلاً عن مصادر مطّلعة، أن حزمة الأسلحة الجديدة المخصّصة لإسرائيل تشمل تقديم ذخائر للدبابات بقيمة 700 مليون دولار، وللمركبات التكتيكية بقيمة 500 مليون دولار، إضافة إلى قذائف هاون تقدّر قيمتها بـ 60 مليون دولار. وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن إقرار تلك الحزمة، بتأييد جمهوري واسع ومعارضة من «الديموقراطيين التقدميين»، يسلّط الضوء على إحجام إدارة بايدن عن تعميق خلافها مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في شأن عملية رفح، وتفاديها عرقلة صفقات الأسلحة الطويلة الأجل.
من جهتها، اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن حزمة الأسلحة الجديدة «توضح مدى ضيق المسار الذي تسير فيه إدارة بايدن في علاقاتها مع إسرائيل، ذلك أنها تحاول منع الهجوم على رفح والحدّ من الخسائر في صفوف المدنيين في غزة من جهة، فيما تواصل مدّ الحليف القديم بالمعدات العسكرية من جهة ثانية». ونقلت الصحيفة عن مصدر مسؤول في الكونغرس تأكيده أن الحزمة المذكورة، والتي لا يوجد جدول زمني لإخطار الكونغرس رسمياً بها، كانت قيد التداول في أروقة الإدارة على مدى أشهر خلت، كاشفاً أن البيت الأبيض كان ينتظر تمرير حزمة المساعدات العسكرية الخارجية (لتايوان وأوكرانيا وإسرائيل)، قبل إخطار لجان الكونغرس المعنية بها.
وقد جاءت ردود الفعل على حزمة الأسلحة الجديدة المخصّصة لإسرائيل، متفاوتة في صفوف «الجناح التقدّمي» داخل الحزب الديموقراطي، بين من أثنى عليها، على غرار النائب عن ولاية كاليفورنيا جاريد هوفمان، وبين من دعا بايدن إلى الالتزام بـ»نهج متماسك» حيال تل أبيب، واحترام الضوابط على تسليحها والتي سبق أن أشار إليها ووضعها بنفسه. ومن بين هؤلاء النائبة عن ولاية كارولينا الشمالية، أليكساندريا كورتيز، التي شدّدت على أنه «إذا ما كان رئيس الولايات المتحدة قد رسم خطاً أحمر في رفح، فمن الأهمية بمكان عندئذٍ، ألا نزوّد حكومة نتنياهو بالأدوات والأسلحة التي تتيح لها تجاوز ذلك الخط». كما أن زميلها عن ولاية ميشيغان، دان كيلدي، اعتبر أنّ «للإسرائيليين الحق في الدفاع عن أنفسهم، وملاحقة حركة حماس، إلا أنه ليس لديهم الحقّ في القيام بذلك، كيفما يشاؤون، لدى استخدامهم لموارد (عسكرية) نحن من زوّدهم بها».