عقدت «محكمة العدل الدولية»، (أمس) الجمعة، ثاني جلسات الاستماع للنظر في «الطلب العاجل» المقدَّم من جنوب أفريقيا في العاشر من الشهر الجاري، والذي يدعو المحكمة إلى فرض تدابير احترازية إضافية في قطاع غزة، وسط استمرار الهجمات الإسرائيلية هناك، وخاصة في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، وذلك بالاستناد إلى الموجبات المنصوص عليها في «اتفاقية منع الإبادة الجماعية».
مرافعة الوفد الإسرائيلي
وخلال جلسة استماع، لليوم الثاني على التوالي، خُصّصت لمرافعة الفريق القانوني الإسرائيلي للردّ على الدعوى الجنوب أفريقية، طالب نائب المدعي العام الإسرائيلي للقانون الدولي، جلعاد نعوم، «محكمة العدل الدولية» برفض الاستجابة لمطالب بريتوريا، ولا سيما لناحية دعوة الأخيرة قضاة المحكمة إلى إصدار قرار يقضي بضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وتقييد تصرّفاتها هناك، واصفاً تلك المطالب بـ»المنفصلة تماماً عن الحقيقة والظروف الراهنة». وادّعى نعوم بأنّ إسرائيل «تتّخذ خطوات لمحاولة التعامل مع التعقيد الهائل للأوضاع في مدينة رفح»، مضيفاً أن الجهد العسكري الإسرائيلي في المدينة هو بمثابة «عمليات محدودة ومحصورة بنطاق جغرافي محدّد، تسبقها جهود الإخلاء ودعم الأنشطة الإنسانية».
وفي محاولته التشكيك بنزاهة إجراءات محاكمة كيان الاحتلال أمام «العدل الدولية»، على المستويات السياسية والتقنية والقانونية، رأى نعوم أن منح إسرائيل مهلة تقلّ عن 24 ساعة لإعداد دفوعها القانونية في وجه الدعوى المرفوعة من الدولة الأفريقية، «ليس عدلاً»، مجادلاً بأنّ الأمم المتحدة «تستقي تقاريرها حول الخسائر في غزة من المعلومات التي تقدّمها مؤسّسات حماس»، على رغم إقراره بأن تقارير المنظمة الدولية ليست خاطئة. كما حاول التلميح إلى وجود منطلقات سياسية للدعوى المقدّمة من جنوب أفريقيا، من خلال الزعم بأن دوافع الأخيرة في المطالبة بمنع اجتياح مدينة رفح، تتّصل بـ»سعي (بريتوريا) إلى توفير ميزة عسكرية لحليفتها حماس التي لا تريد أن تراها مهزومة»، مضيفاً أنّ «جنوب أفريقيا تستغلّ اتفاقية الإبادة الجماعية وتقدّم قراءة معقّدة للقانون الدولي يمكن بموجبها تقديم أيّ نزاع مسلّح إلى المحكمة».
كما حاول نعوم، وهو أحد أعضاء الوفد المترافع عن إسرائيل أمام «العدل الدولية» في لاهاي، التلاعب بالمصطلحات، معتبراً أنّ «النزاع المسلّح ليس مرادفاً للإبادة الجماعية». كذلك، لم يغفل نعوم الترويج للسردية الإسرائيلية في شأن الحرب الدائرة في غزة، والمنطلقة من «حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس»، إذ قال إنّ ما يجري في القطاع هو «حرب مأسوية وليس إبادة جماعية»، مبرّراً الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية لاجتياح رفح، بدعوى تحوُّل المدينة إلى «معقل» لحركة «حماس». وضمن المنطق التبريري نفسه للانتهاكات الإسرائيلية الواسعة للقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، توقف نعوم عند ما سمّاه «التصريحات الفاحشة» الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين، على اعتبار أنها لا تعدو كونها حوادث «استثنائية لا تندرج في إطار السياسة العامة المتبعة، أو من نوايا بارتكاب إبادة جماعية».
أعرب يسرائيل كاتس عن أمله بأن تعمد «العدل الدولية» إلى رفض الدعوى التي تقدّمت بها بريتوريا ضدّ تل أبيب


من جهتها، كرّرت نائبة الرئيس للمستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية، تامار كابلان، خلال مرافعتها التي شهدت مقاطعةً من قِبَل أحد المتظاهرين خارج قاعة المحكمة والمندّدين بالحرب على غزة، واتهام الوفد الإسرائيلي بالكذب، المزاعم بأنّ إسرائيل لم تقطع الإمدادات الطبية والغذائية والوقود عن القطاع، نافية إغلاق تل أبيب لمعبرَي رفح، وكرم أبو سالم. واتهمت كابلان، حركة «حماس» بالتسبّب في ظروف الحرب «المأسوية» لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. كذلك، صوّبت على حكومة بريتوريا، داعية إيّاها إلى «الطلب من حليفتها حماس التوقّف عن استخدام المستشفيات كمراكز عسكرية»، متّهمة الدولة الأفريقية بتشويه الحقائق، عبر ترويج «مزاعم حدوث إبادة جماعية» في غزة.
وقبيل اختتام جلسة الاستماع الثانية في الدعوى المقامة ضدّ إسرائيل أمام «العدل الدولية»، توجّهت المحكمة، على لسان القاضي جورج نولت، بسؤال إلى الوفد الإسرائيلي حول الأوضاع الإنسانية في ما يسمّى «مناطق الإخلاء» المقرّرة لسكان مدينة رفح، والمعلنة من قِبَل القوات الإسرائيلية في غزة، إذ طالب القاضي إسرائيل بتقديم تقرير مكتوب حول الظروف الإنسانية في المناطق المشار إليها، ولا سيما المواصي، والإجراءات المتّخذة من قِبَل حكومة بنيامين نتنياهو لضمان المرور الآمن للنازحين الفلسطينيين من رفح إلى هذه المناطق، وذلك ضمن موعد أقصاه (اليوم) السبت.

ردود فعل
ومع انتهاء الجلسة، رد الفريق القانوني الجنوب أفريقي، على ما ساقه الفريق القانوني الممثِّل لإسرائيل أمام المحكمة، من ادعاءات في حقّ بريتوريا، مشدّداً على أن الدعوى التي رفعها ضدّ تل أبيب أمام «محكمة العدل الدولية»، لم تأتِ على خلفية تحالفها المزعوم مع «حماس»، لكن بغية «إحقاق العدالة (الدولية) ووقف استهداف الفلسطينيين». ولفت الفريق القانوني الممثِّل لبريتوريا، في مؤتمر صحافي عقده أمام قاعة المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية، إلى «إقرار فريق الدفاع الإسرائيلي بإبداء مسؤولين (في حكومة نتنياهو) نيّتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية في حقّ الفلسطينيين».
وفي سياق ردود الفعل على مرافعة الوفد الإسرائيلي أمام «العدل الدولية»، استنكرت وزارة الخارجية الفلسطينية استمرار كيان الاحتلال في منع وكالة «الأونروا» من ممارسة عملها في غزة، مندّدة بقيام مستوطنين إسرائيليين، بحماية من جيشهم، بالهجوم على قوافل المساعدات المتّجهة إلى غزة. في المقابل، أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن أمله بأن تعمد «العدل الدولية» إلى رفض الدعوى التي تقدّمت بها بريتوريا ضدّ تل أبيب، مشدّداً على أن «لا أساس لادّعاءات جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل». وضمن الإطار نفسه، رفضت «منظمة بيتسلم»، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية، الإقرار بشفافية التحقيقات التي كان قد أعلنها الجيش الإسرائيلي في هذا الخصوص، واعتبارها «قرينة على البراءة»، موضحة أن «جنوده المتورّطين في قتل فلسطينيين... نادراً ما يواجهون عقوبات جسيمة على أفعالهم تلك».