في فترة ما بعد 17 تشرين الأول 2019، انكفأت قوى السلطة، نسبياً، عن ممارساتها الفاسدة. لم يدم الأمر بضعة أشهر حتى زال خوف المساءلة والمحاسبة، وها هم أركان السلطة يتلاعبون بالقوانين التي أُقرّت بهدف «الشفافية» المالية والضريبية. ثمة مثال واضح عن ذلك في مجريات جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، حين أقرّ المجلس ملفاً من وزارة المال يخصّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ويقضي بإلغاء عقوبات مالية اتُخذت بناءً على القانون 75. القرار لم يكسر القانون فقط، بل اتُّخذ أيضاً خلافاً لرأي مديرية الدراسات القانونية في وزارة المال. وبدلاً من أن تطبّق الوزارة القانون، قرّرت أن تحيل الملف إلى مجلس الوزراء «لاتخاذ القرار المناسب»، إذ إنه من المنطقي أن القرار المناسب ألا يطبّق القانون.في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء تقرّر، خلافاً لرأي دائرة الدراسات القانونية في وزارة المال، تسليم شركة الإنشاء والتحسين العقارية، شهادات أسهم وأنصبة أرباح صادرتها الدولة بسبب مخالفة الشركة للقانون 75 القاضي بإلغاء «الأسهم لحامله» و«الأسهم لأمر». هذه الشركة تملك مبنى ستاركو، وهي مملوكة من إحدى شركات مجموعة ميقاتي بالشراكة مع مجموعة ديمرجيان.

(هيثم الموسوي)

وكان القانون 75 صدر في 27/10/2016، وقضى بإلغاء «الأسهم لحامله» و«الأسهم لأمر». والفرق بين «الأسهم لحامله» و«الأسهم لأمر» و«الأسهم الاسمية» يتعلق بوضوح الملكية وهوية المالك، إذ ساد اعتقاد في تلك المدة أن وجود أدوات تتيح إخفاء هوية المالك تخلق نقصاً في الشفافية المالية والضريبية. علماً أن فكرة وجود تدابير وعقوبات مالية وضريبية هو أمر لا يتعلق بالشفافية، إنما بضرورة تطبيق القانون وإنفاذه للحدّ من الغشّ والخداع الذي يمارسه المكلّفون بتسديد الضريبة، لا الاستنساب في تطبيقه.
وفرض القانون 75 عقوبات وتدابير على أصحاب الأسهم التي لم يعمد أصحابها إلى استبدالها بأسهم اسمية في مهلة سنة من تاريخ نشر القانون. بمعنى أن العقوبات والتدابير صارت واجبة التطبيق، لكن الفقرة الثالثة من المادة الوحيدة في القانون أشارت إلى أن وجوب «نقل ملكية الأسهم لحامله والأسهم لأمر التي لم تُستبدل بأسهم اسمية، بعد مرور سنتين من تاريخ نفاذ القانون، إلى اسم الدولة اللبنانية». عملياً، انتهت المهلة في 3/11/2018، لكن وزارة المال تقاعست في التطبيق حتى 27/7/2020 حين صدر قرار من وزير المال رقمه 307/1 ينصّ على إبلاغ مجلس الوزراء بأسماء الشركات المخالفة وعدد الأسهم التي انتقلت إلى ملكية الدولة.
وفي 14/10/2021، رضخت شركة الإنشاء والتحسين العقاري «ستاركو» للقرار، وسلّمت وزارة المال الشهادات التي لم تُستبدل وفقاً لنص القانون، فانتقلت ملكية 3250 سهماً من ستاركو إلى الدولة اللبنانية، إضافة إلى أنصبة أرباح بقيمة 65 مليون ليرة.
كان يُفترض أن يُقفل الملف عند هذا الحدّ، إلا أنه في 5/1/2022 صدر القانون 260 الذي يعدّل القانون 75 ويمدّد مهلة تنفيذ العقوبة ونقل الملكية إلى اسم الدولة اللبنانية إلى ثلاث سنوات. لذا، تذرّعت شركة الإنشاء والتحسين العقارية بهذا التعديل وطلبت من وزارة المال استعادة الأسهم والشهادات وأنصبة الأرباح.
العقوبات المالية والضريبية تهدف إلى الحدّ من الغشّ والخداع


وزارة المال قالت إنّ مديرية الخزينة طلبت من دائرة الدراسات القانونية رأياً بمطالبات الشركة تسليمها الأسهم والشهادات وأنصبة الأرباح، وإفادتها بمدى انطباق القانون 260 (التعديلات على القانون 75 التي تمدّد المهلة إلى ثلاث سنوات)، ولا سيما أن التنفيذ قد بدأ بالفعل قبل صدور هذا التعديل. وسألت المديرية إذا كانت الدولة اللبنانية لا زالت هي المالكة لهذه الأسهم رغم صدور التعديل وجاء الردّ: القانون الرقم 260/2022 لا يشكّل سنداً قانونياً لاسترداد شهادات الأسهم الاسمية وشكّ أنصبة الأرباح التي أصبحت ملكاً للدولة اللبنانية».
رغم ذلك، قرّر وزير المال يوسف الخليل عرض الموضوع على مجلس الوزراء «لاتخاذ القرار المناسب». وبالفعل، أتى «القرار المناسب» مناسباً فقط لمالك الشركة، أي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إذ قرّر المجلس كسر القانون 75 والاستناد إلى تعديلاته الصادرة بالقانون 260 على اعتبار أن التعديل منح الشركة مهلة إضافية يمكن أن تستفيد منها وأقرّ «الموافقة على طلب شركة الإنشاء والتحسين العقاري ش.م.ل إعادة تسليمها شهادت الأسهم الاسمية وعددها 3250 وشكّ أنصبة الأرباح بقيمة 65 مليون ليرة».