مقالات مرتبطة
-
واشنطن: لن نعدّل برامج دعم الجيش الأخبار
ومن قطر إلى السعودية تزداد الصورة وضوحاً. فرغم اللقاءات الدورية بعيداً عن الأنظار مع السياسي الشمالي خلدون الشريف، حرص السفير السعودي وليد البخاري على ترتيب اجتماع ثانٍ لـ«مجموعة العمل لطرابلس» برئاسة الشريف، والإكثار من التقاط الصور معهم، وإعادة تغريد ما نشره الشريف رغم حساسية كونه مرشحاً مفترضاً لرئاسة الحكومة، للإيحاء بأن النموذج الذي تتطلع المملكة للعمل معه في هذه المرحلة (بمعزل عن الطموحات الشخصية) لا يشبه كل ما سبق على مستوى السياسة أو الأعمال. وهي إذا كانت تعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع «صديقها» الأول في لبنان، فإنها تبدو أكثر تفهّماً وتقبّلاً لتموضع «صديقها» الثاني وليد جنبلاط، وتريد «صديقاً» ثالثاً سنياً قادراً على الجمع، لا يمكن تقييده بسهولة، سواء جغرافياً بسبب مكان سكنه (لذلك التركيز على الشمال) أو مالياً (بسبب ثروته أو أعماله). والأهم، على المستوى السعودي في سياق مقاربات عون، ما حصل في أحد الاجتماعات في منزل البخاري في اليرزة أخيراً. فخلال الاجتماع، كرّر السفير الحديث عن إعلان الدوحة كمدخل أساسي للحل في لبنان، وعندما سأله ضيفه قبل توديعه عن سبب الإشارات المتتالية إلى «اتفاق الدوحة» الذي حكمته ظروف داخلية وخارجية مختلفة، صحّح له السفير قائلاً: «ليس اتفاق الدوحة بل إعلان الدوحة».
لقاءات «تقنية» لا سياسية لعون من حيث المبدأ والمساعدات للجيش لا لقائده
وقبل أن تقلع سيارة الضيف مغادراً، كان السفير قد أرسل إليه المقطع الخاص بلبنان في ختام القمة 44 لدول الخليج العربية التي استضافتها الدوحة في كانون الأول 2023. ورغم أن من يقرأ المقطع الخاص بلبنان قد لا يجد ما يستوقفه، إلا أن المصادر الدبلوماسية المتابعة لحركة السفير السعودي تؤكد أن المملكة لا تضيع وقت مجلس التعاون الخليجي في كتابة مقطع «طويل عريض» عن لبنان لتتجاوزه وتبحث عن شيء آخر بعد بضعة أسابيع، وهي حين توقّع على بيان تتوقع أن يشكل أساس سياستها الخارجية، وهي تقارب الاستحقاقات كالتالي وفق ما ورد في البيان:
أولاً، دعم سيادة لبنان وأمنه واستقراره.
ثانياً، تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تضمن تغلّب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية.
ثالثاً، بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية فلا تكون هناك أسلحة «إلا بموافقة الحكومة اللبنانية» (كما ورد حرفياً).
إذا كان من أعدّ البيان قد تنبه مراراً إلى إضافة «قوى الأمن الداخلي» كلما أتى على ذكر الجيش اللبناني حتى لا يُفهم دعم دور الجيش بأنه دعم لدور قائده، تؤكد مصادر السفارة السعودية أن وضع الاستقرار أولاً يعني أن المدخل إلى انتخاب الرئيس وتنفيذ الإصلاحات و«بسط سيطرة الحكومة» ليس القوة أو الفوضى أو الفرض بل التفاهم، وهو ما التقطه ويعمل بموجبه النائب السابق وليد جنبلاط، فيما يفترض أن يكون رئيس حزب القوات اللبنانية قد تبلّغه بوضوح أكبر بعد حادثة مقتل باسكال سليمان حين ترجمت السفارة الأميركية ما شدّد عليه مجلس التعاون الخليجي لجهة الاستقرار. لكن، يبدو أن أفرقاء آخرين يفترض أن يفهموه أيضاً مثل قائد الجيش الذي يعتقد أنه سيُفرض رئيساً فرضاً. وهذا ما يقود إلى النقطة الأساسية الثانية في البيان، وما تكرر الخارجية السعودية الإشارة إليه، لجهة «الإصلاحات السياسية والاقتصادية» التي لا يمكن ربطها بجوزف عون من قريب أو بعيد، بعد كل ارتكابات القيادة ورفض احترام التراتبية والقوانين. وهو حين يشكل حكومات افتراضية في مكتبه في اليرزة ويوزع الوزارات، لا يلتفت - افتراضياً على الأقل - إلى «الإصلاحات السياسية والاقتصادية»، ولا يراعي - ولو مسرحياً - المطالب الخليجية والشعبية.
مع تشديد السفارة السعودية على أن ما ينطبق على المرشحين إلى رئاسة الجمهورية ينطبق على المرشحين إلى رئاسة الحكومة، فإن سقف مجلس التعاون الخليجي واضح: لم تتحدث قمة الدوحة عن نزع السلاح إنما عن «سلاح بموافقة الحكومة اللبنانية»، ولا عن إقصاء أو إلغاء أو تفرد أو تهميش، بل عن إصلاحات اقتصادية لا يمكن لمن تحفل سيرهم الذاتية والمهنية في دول مجلس التعاون بالفساد أن يكونوا مهيّئين لها، وهي في تأكيدها على «الاستقرار»، تؤكد أن الممر لتحقيق هذا كله هو الحوار والتفاهم.
ترشيح جوزف عون قد تكون له غاياته في التكتيك الأميركي - الفرنسي - السعودي لزوم تحسين الشروط التفاوضية، لكنه لا ينبع من قرار استراتيجي كما يجزم السلوك القطري، وكما يؤكد إعلان الدوحة الذي يشكل مرتكزاً للسياسة الخارجية السعودية. وما على القائد، بالتالي، سوى كفّ يد فريق عمله الذي يأخذه إلى معركة ليست له، ويورّطه في دور ليست له آفاق محلية أو إقليمية أو دولية، ويعود إلى وظيفته الأساسية قائداً للجيش.