بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أول من أمس، حول ملف النازحين وكيفية معالجته، لم تعد الجلسة النيابية اليوم سوى لزوم ما لا يلزم، علماً أنها مخصصة أساساً لجزء من ملف النازحين المتعلق بهبة مالية فقط، أما المعالجة السياسية فمتروكة الى ما بعد حرب غزة وما بعد التفاوض الدولي مع سوريا والبنود الأخرى التي حدّدها حزب الله. لكن ما خلصت إليه الجلسة، قبل أن تنعقد، أن النواب اليوم سيعطون الثقة لحكومة تصريف الأعمال تحت عنوان فضفاض لملف يعرفون جميعاً أنهم لن يتمكّنوا من تغيير حرف فيه. ومسارعة النواب الى الجلسة، بعد إشارة من الرئيس نبيه بري، تعطي لرئيس حكومة تصريف الأعمال الذي يقود الاتصالات الخارجية بالتنسيق حرفاً حرفاً مع بري، ورغم الانتقادات الشكلية له، مساحة راحة إزاء عودة النواب الى مقاعدهم لمساءلة حكومة سبق لبعض القوى السياسية المسيحية أن اعتبرت أنها تسعى الى أن تحلّ محلّ رئيس الجمهورية، وأنها تمارس عملاً غير مستحق لها. رغم أن القوى المسيحية المشاركة اليوم في الجلسة في إطار المزايدات بينها حول قضية النازحين، مسؤولة بالتكافل والتضامن بمجتمعاتها وبلديّاتها (وجمعيات مسيحية) التي تستفيد مالياً من النازحين، عن تضخم انتشار السوريين في لبنان مثلها مثل أي طرف آخر، إن لم يكن أكثر باعتبارها اليوم أول المزايدين في هذا الملف. ولا تقلّ مسؤولية بكركي والبطريركية المارونية التي لا يغطّي اجتماعها الأخير تهاونها في معالجة هذا الملف منذ أن اندلعت حرب سوريا وموقفها من النظام السوري.إضافة الى حكومة تصريف الأعمال، أثبت رئيس مجلس النواب أنه ساعة يريد يفتح المجلس النيابي لقضايا متنوعة كالتمديد لقائد الجيش وللبلديات ولملفات متفاوتة الأهمية، وحينها تتجاوب معه معظم القوى السياسية لاعتبارات مختلفة وتبريرات تغطي التواطؤ السياسي تحت الطاولة في قضايا تتلاقى عليها مصالح هذه القوى. وبين كل هذه العناوين التي يتوافد إليها النواب اليوم وقبلها في جلسات سابقة، تغيب رئاسة الجمهورية عن ساحة النجمة. لا الرئيس بري يدعو الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ولا حكومة تصريف الأعمال يضيرها عدم وجوده، فيما القوى السياسية تتجاوب مع رئيس المجلس لحضور جلسة يقرر زمانها ومكانها وجدول أعمالها.
الكتل المسيحية تؤمّ المجلس النيابي لا لانتخاب رئيس بل لمناقشة جزء من ملفّ أصبح الكلام عنه شعبوياً بعد 12 عاماً من اللامبالاة


في المقابل، تنشغل هذه القوى ببرمجة عمل اللجنة الخماسية وتحرك أعضائها، فرادى أو مجتمعين، على افتراض خاطئ أن الملف الرئاسي يتحرك بدفع خارجي. وبغضّ النظر عن الأجندة الأميركية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وعن فشل فرنسا في دفع الملف الى الأمام، لا يمكن النظر الى الملف الرئاسي إلا من زاوية حزب الله ومصلحته اليوم في ألّا تجرى الانتخابات الرئاسية.
فكلام الأمين العام لحزب الله في ملف النازحين أعاد، بعد النقاط التي سبق للحزب أن حدّدها في موضوع الجنوب في كل الأجوبة التي حصل عليها الموفدون الغربيون الى لبنان، دور حزب الله في التفاوض. وليس تفصيلاً ما سبقت الإشارة إليه بأنّ ممثلَي الثنائي هما اللذان درسا وأعدّا الأجوبة اللبنانية على الورقة الفرنسية. وفي الوقت نفسه، حدّد الحزب للحكومة خريطة عمل في ما يتعلق بدور سوريا ومؤتمر بروكسيل والهبة الأوروبية وكل ما يتعلق برسم خطة عودة النازحين. والتفاوض الذي هو حقّ حكمي لرئيس الجمهورية صار في يد الثنائي. فأيّ خطّة تقوم بها اللجنة الخماسية لترتيب تفاهم يأتي برئيس للجمهورية ورئيس حكومة تعني إعادة تقسيم السلطة السياسية والتفاوض بين ثلاثة مكوّنات مارونية وسنّية وشيعية، فيما هي اليوم، وفي ظرف سياسي إقليمي ودولي حساس، محصورة بمكوّن واحد، في حين أن رئيس حكومة تصريف الأعمال يضع كل ما تملكه الحكومة من رصيد في يد الثنائي. وأيّ توقيت أكثر مناسبة للحزب في أن تكون الأنظار الإقليمية والدولية موجّهة إليه، ليصبح أيّ نقاش يدور حول مستقبل لبنان في احتمال حصول تفاهم أميركي - إيراني، أو اتصالات أميركية - فرنسية - إسرائيلية حول الجنوب تمرّ حكماً عبره. تبعاً لذلك، يصبح الكلام عن تحرّك للجنة الخماسية وتفعيل ملف الرئاسة من دون أي مغزى، طالما أن حزب الله أصبح يملك، عدا عن قرار الحرب والسلم، قرار التفاوض، فيما نواب الكتل المسيحية يؤمّون المجلس النيابي اليوم لا لانتخاب رئيس، بل لمناقشة جزء من ملف أصبح الكلام عنه شعبوياً، بعد 12 عاماً من اللامبالاة.