تحت وطأة الضغط الإعلامي والسياسي والحقوقي، أرجأ رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، مرغماً، جلسة «التأديب» للنائبة العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون أمام الهيئة العليا للتأديب التي كان من المفترض أن تعقد أمس. وقد تسبّب غياب عضوين من الهيئة، هما: ميراي حداد وداني شبلي بتعطيل النصاب، بعدما اقتصر الحضور على عبود والقاضيين حبيب مزهر (لم يبتّ في طلب القاضية هيلانة إسكندر لإعادة تفعيل دعوى الدولة ضد رياض سلامة) وعفيف الحكيم.

وبدلاً من إرجاء الجلسة لمدة أسبوعين أقلّه، عيّن عبود جلسة أخرى بتاريخ 27 من الشهر الجاري، علماً أن عبود كان قد أبلغ مجموعة من المحامين المؤيدين لعون ممّن اعتصموا أمام منزله، أول من أمس، أنه تلقى شكاوى من المحامين من وكلاء المصارف ضد عون. وقال (بتوتّر كبير) إن القاضية عون خيّرت المصارف بين إعطاء المودعين أموالهم أو الادّعاء عليهم بتهمة إساءة الأمانة. وهو ما اعتبره عبود «مخالفة قانونية»، مع الإشارة الى أن عبود اعترض على الاعتصام أمام منزله لأن التحرك يهدف الى «تشويه سمعته أمام جيرانه».
بموازاة ذلك، اتخذ المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار قراراً منذ يومين قضى بإحالة القاضية عون الى هيئة التفتيش القضائي، وذلك بحجة أنها رفضت طلب تبلّغ دعاوى المخاصمة ضدها، وأنها طلبت من الحجار أن يتبلّغ عبود أولاً بدعوى المخاصمة وأن يعمّم على كل المدّعين العامين في كل المحافظات تبلّغ دعاوى المخاصمة من منطلق تطبيق القانون على الجميع، علماً أن إحالة عون الى هيئة التفتيش هدفها زيادة الضغط عليها، لأن الهيئة معطّلة وبسبب إحالة أفرادها الى التقاعد.
ويجري التداول على نطاق واسع بأن السبب الرئيسي وراء إعادة تحريك قضية القاضية عون، عائد الى أنها تتابع أكثر الملفات حساسية بما خصّ ملف العمولات في مصرف لبنان، والذي يخصّ شركة «أوبتيموم» التي تولّت عمليات مالية لمصلحة مصرف لبنان. وتبيّن أن القاضية عون حصلت على معلومات كثيرة حول العمليات المالية التي كانت تجريها الشركة وتتقاضى العمولات عليها. وكانت عون قد استدعت منذ مدة الفريق الإداري الجديد للشركة، الذي أبلغها أنه لجأ إلى شركة «كرول أسوشيتس» لإجراء تدقيق جنائي في حسابات الشركة وسلّمها نسخة عن التقرير النهائي الذي أصدرته «كرول» في تشرين الثاني من عام 2023، والذي تضمّن تفنيداً مفصّلاً حول تحويل أموال ضخمة الى حساب خاص في المصرف المركزي يُدعى حساب «الاستشارات» في فترات متتالية منذ عام 2014، وقد سجّلت عمليات الحساب نحو 8 مليارات دولار. وهو الحساب نفسه الذي كشفت عنه شركة «ألفاريز أند مارشال» في تقريرها حول مصرف لبنان، والتي أوضحت أن الحاكم السابق لم يسمح لها بالولوج إليه.