لا شيء يعلو على صوت الرياضة هذه الأيام، فهي تشغل اللبنانيين أكثر من أي وقتٍ مضى لدرجةٍ أصبحت فيه أشبه بالطبق اليومي بالنسبة إلى قسمٍ كبيرٍ منهم.بالفعل، بعيداً من الأزمات السياسية والمشكلات الاقتصادية، تحوّلت الرياضة اللبنانية عبر أكثر لعبتين شعبيتين إلى متنفّس ومساحة فرح للشعب اللبناني بمختلف شرائحه بفعل المنافسة القوية التي شهدتها بطولة لبنان لكرة السلة، والأمر عينه ينطبق على الدوري اللبناني لكرة القدم.
من هنا، طغى الحديث عن الرياضة اللبنانية على كل شيء في مجتمعنا طوال المدة الأخيرة، ففي أي مكانٍ عام تذهب إليه وفي أي منطقة تتواجد فيها يأخذك المتحدث لتناول سلسلة مباريات النهائي الكبير في بطولة السلة بين الرياضي والحكمة. كيف لا والجمهور بمختلف أطيافه اختلط في مدرجات الأصفر والأخضر اللذين تخطيا كل الحواجز المناطقية وغير الرياضية ليصبحا كل المعادلة في الشارع اللبناني وحتى في كل منزلٍ بحيث يمكن أن تجد مشجعاً لأحد القطبين وآخر ضده.
تحوّلت الرياضة عبر أكثر لعبتين شعبيتين إلى حديثٍ يوميّ للبنانيين


اللافت كان الإقبال الرهيب على حضور المباريات من قلب قاعتي صائب سلام في المنارة وانطوان شويري في غزير، إذ رغم عرض المباريات عبر التلفزيون الناقل في وقت الذروة مساءً وبتوقيتٍ ممتاز لمتابعي الشاشة، تسابق المشجعون لشراء تذاكر الدخول إلى الملعبين اللذين لو تمكنا من استيعاب عددٍ أكبر منهم لرأينا رقماً قياسياً في ما خصّ معدّل الحضور. علماً أن الكثيرين ممن يتابعون الموسم عبر الشاشة أرادوا أن يكونوا جزءاً من نهائي تاريخي عبر عيش الأجواء الاستثنائية في قلب الملعب حتى لو كانوا من مشجعي فرق آخر أو ينتمون إلى معسكرات رياضاتٍ أخرى.

ضجة كرة القدم أيضاً
ومن هذه الرياضات كرة القدم التي نسخت مشهد كرة السلة على صعيد المنافسة وأيضاً على صعيد الاهتمام الجماهيري، وما الـ «دربي» البيروتي الأخير بين الأنصار والنجمة إلا دليلاً قاطعاً على الحجم الشعبي للعبة وأيضاً حجم المتابعة لمباراة القمّة التي تنافس بقوتها وشعبيتها وضجتها «الدربي» السلوي.
مجدداً، كان الجمهور على الموعد في يوم عمل عادي وفي مباراة أقيمت بتوقيت مبكر وأيضاً خارج العاصمة بيروت، فتقاطر إلى مدرجات ملعب الرئيس الشهيد رشيد كرامي البلدي في طرابلس، وقسم منه يحكي عن استعداده للذهاب إلى المنارة لمؤازرة الرياضي أو الحكمة في المباراة الثالثة من سلسلة نهائي بطولة كرة السلة.

(طلال سلمان)

ومع تصدّر الأنصار مجدداً بعد فوزه على النجمة وانتزاعه الصدارة منه، وبالتالي اقتراب العهد أيضاً من المركزين الأوّلين، اشتعلت النار بقوة في دوري كرة القدم وسط المنافسة الضارية المرتقبة في الجولات الخمس الأخيرة من سداسية الأوائل، وترقّب أكثر من قمّة يمكن أن تغيّر في أي لحظة وجهة الكأس واسم البطل.
وهذه المنافسة المفتوحة بالتأكيد جعلت الجمهور في حالة تأهب لمواكبة أقوى المباريات، وهو ما يمكن ملاحظته مع ارتفاع عدد المتفرجين في مباريات الفرق المنافسة على اللقب حتى لو أنها كانت تخوض مواجهات مع فرقٍ لا تقف في دائرة الصراع المباشر.
وحتى هذه المرحلة من عمر الدوري يتوسّع الاهتمام أكثر بالبطولة وترتفع نسبة المشاهدة بالنظر إلى أن التنافس ثلاثي هذه المرّة، ولم يذهب بعد إلى سباقٍ ثنائي كما درجت العادة في المواسم القريبة الماضية، ما يجعل أيضاً الترشيحات حول هوية البطل العتيد صعبة جداً.
وبين كرة القدم وكرة السلة، يبدو لبنان ومجتمعه العام والرياضي هم أكبر الرابحين من هذه الفورة الرياضية، فالحالة التي خلقتها الرياضة في المدارس والجامعات والأكاديميات وفي جمعات العائلات والأصدقاء، أبعدت اللبنانيين عن الهموم اليومية نسبياً، وأبعدت الأجيال الصاعدة بلا شك عن الآفات الكتيرة وحوّلتها إلى الملاعب التي أصبحت وجهتها الوحيدة ومساحتها المفضّلة.