هيمنت أفكار النخبة الأفريقية في أوروبا والعالم الجديد، على مسارات الفكر الأفريقي الرئيسة في القارّة السمراء، منذ عقود "الاتصال" الأولى حتى إرهاصات الاستقلال الأفريقي، في خمسينيات القرن 20، وبروز أصوات أكثر عقلانية وثقة في إرثها الأفريقي، وأكثر تفهّماً لطبيعة علاقات الاستلاب والغلبة التي هيمنت على هذا الاتصال، وأعادت تنميط "العقل الأفريقي" وصياغته، وفق تصوّرات ضيّقة ومصطنعة إلى حدّ كبير. وتتّضح هذه المفارقة في صياغة وعي أفريقي مستعار خرج من رحم "الثقافة الغربية" وانسحب على رؤية ما عُرفت بالصهيونية السوداء للمسألة الفلسطينية، من نافذة بالغة المحدودية والمدى. هذه النافذة لم تتّسع لرؤية أشمل لجوانب المسألة بل اكتفت، إن جاز القول، بتعويض نقائص واعتلالات شتى انتابت دعاة "الصهيونية السوداء"، منذ إرهاصات مساعي "الانعتاق العرقي"، عبر ترسيخ شخصية أفريقية على قدم المساواة مع "الشخصية المسيحية الأوروبية"، ورؤيتها العنصرية لحقوق الشعب الفلسطيني، حتى تحوّلات "الارتباط الاستهلاكي" للصهيونية السوداء مع المشروع الصهيوني الأشمل، منذ سبعينيات القرن الماضي، وصعود خطاب أفريقي ناقد لهذا الارتباط على خلفية تجارب عملية (ومقارنتها مجدداً بتجربة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا مثالاً) ومقاربات تفكيكية أكثر دقة ورصانة وإن لم تحظَ بالاهتمام أو التفاعل العربي (والفلسطيني) اللائق حتى الآن.
نموّ الصهيونية السوداء: "تفوّق عنصري مستعار"
كشف تناوُل سيلفستر أ. جونسن، في مؤلفه The Myth of Ham in Nineteenth Century American Christianity (2005)، في ارتباط غير مباشر بنمو تيار الصهيونية السوداء، كيف نمت النزعة العرقية، في القرن 19، المصحوبة بتكوين "تراتبية عرقية"، وبُرّرت ودُعمت من قبل الخطاب المسيحي الأميركي. كما كشف أنّ "كلّ" ما أصبح "أميركياً" في هذا القرن، كان في الأساس صنيعة "العقيدة المسيحية"، فقد استغلّ البيض (في سياقنا هنا) قصة إسرائيل ووضعوا أنفسهم محلّ شعب الله المختار، أو "أرض إسرائيل الجديدة" في "أميركا". وسرعان ما ارتبطت الهوية البيضاء بالقداسة واختيار الرب، وساعدهم تبنّيهم لهذه الهوية العرقية على وضع تبرير لقمع واضطهاد غير المسيحيين (وفي مرحلة لاحقة المسيحيين غير الأوروبيين) أو الوثنيين. وقد برّرت هذه "الإيديولوجيا الدينية" مفهوم "القدر المتجلّي" Manifest Destiny (من ضمن ما يقصد به التقدير الإلهي لتوسّع الولايات المتحدة بين المحيطين الأطلسي والهادئ)، وشرعنت إبادة الأميركيين الأصليين، كما برّرت، نوعاً ما، تجارة الرقيق بالقول إنّ الأفارقة كانوا وثنيين غير مسيحيين بحاجة إلى الإيمان بالمسيحية، ورسّخت فكرة أنّ السود كانوا (قبل وجودهم في أميركا) مجرّد "أفارقة" وحشيين ووثنيين في بلادهم، وأنّهم كانوا مقابلاً لغير البشر، أو في أفضل الأحوال، كائنات دون البشر، ومن ثم يستحقّون الاسترقاق، وأسهم هذا الاستعلاء العرقي الأبيض الممتد زمنياً وجغرافياً، في استعارة نخب أفريقية للخطاب نفسه إزاء الوجود الصهيوني في فلسطين، على حساب أهلها العرب (مسيحيون ومسلمون)، في تجلٍّ لغلبة نزعة عنصرية قام عليها (هذا الخطاب)، في العقود اللاحقة.
وتعزّزت أفكار "الصهيونية السوداء" بفضل ما شهدته العقود الأولى من القرن 20، من بدء تفاعل السود واليهود في الولايات المتحدة على نحو أكثر مباشرة. فقد تزامن، حينذاك، تدفّق المهاجرين اليهود المغادرين أوروبا عقب صعود النازية، مع هجرة أخرى للسود في الولايات المتحدة نحو المناطق الحضرية في الأجزاء الشمالية الغربية من البلاد. وعبّر الأميركيون السود، عند تلاقيهم مع اليهود الفارّين من أوروبا، عن تعاطفهم معهم وإدراكهم حجم التجربة ومقارنتها بتجربتهم في الولايات المتحدة، وتجارب الإسرائيليين القدماء، واليهود المعاصرين. كما بدأ، على نحو واضح، استخدام السود لمواضيع يهودية، مثل الخروج والاختيارية choseness والتيه وصهيون. كذلك، رأى بعض الأميركيين الأفارقة، أنّ هولوكوست النازي أقصى تعبير عن القمع العرقي وحدوده، وتعزّزت لديهم ضرورة وجود "وطن جغرافي" بما يتّسق مع تعاطفهم التام مع الصهيونية، في ذلك الوقت، مع الإقرار المتبادل بين اليهود والسود بضرورة التضامن في ما بينهم.
ظلّت مسألة فلسطين مهمّشة نسبياً في سياسات الاستقلال الأفريقي، واعتُبرت بوضوح مسألة "غير أفريقية"


وفي مزجٍ معقّد بين تعاليم المسيحية والصهيونية، بادر عدد كبير من رواد النزعة العرقية الأفريقية، مثل ديفيد ووكر وهنري تيرنر وريتشارد ألين وماركوس جارفي، إلى توظيف الدين المسيحي في قضيّتهم، عبر إعلانهم أنّ "المسيح ومريم والرب سود"، كوسيلة لنقض فكرة المركزية الأوروبية. وبلور هذا التوجّه منذ منتصف الخمسينيات، ألبرت كليدج A. B. Cleage (جسّد لاحقاً في مؤلّف ذائع عن "القومية المسيحية السوداء"، عام 1972) وزاد عليه التأكيد أنّ المسيحية نفسها "دين أفريقي"، وأنّ الرب اختار جماعة من السود ليكونوا "شعبه". وفسّر كليدج الكتاب المقدّس بأكمله، على أنّه "قصّة نضال ثوري دائم من أجل شعب الله المختار، سعياً لإنهاء القمع الأرضي عبر نيلهم أرضاً للميعاد على الأرض".

من فلسطين إلى "أرض إسرائيل"
في الوقت الذي مثّل فيه الأميركيون الأفارقة تربة خصبة لفكرة الأراضي المقدّسة والشعب اليهودي، مع سعي الأوائل للحرية والاستقلال من ربقة الرق، في القرن 19، مثّلت الرواية العبرية لخروج اليهود من مصر "رواية مستقلّة اغتنمتها جماعة الأميركيين الأفارقة"، وربط السود نضالهم من أجل تقرير المصير "بالمعاناة الممتدة" لليهود، ومن ثمّ انخرطوا في تخيّل رسولي في مواضيع من قبيل صهيون وتجلّي مملكة الرب، كتجسيد نهائي للحرية والخلاص"، رغم تبدّل أدوار القهر وحقيقة قيام دولة إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني كافّة.
يمكن القول من دون تردّد، إنّ "الصهيونية السوداء" قد خرجت كاملة من رحم الصهيونية المسيحية الأميركية، الأمر الذي لا يستقيم تسويغه من دون ملاحظة سعي الصهيونية في الأساس، كما عرّفها المؤتمر الصهيوني اليهودي الأول (1897)، للاعتراف بوطن آمن قانونياً في فلسطين للشعب اليهودي"، ومن ثمّ فقد عُرف الصهاينة المسيحيون بأنّهم من يدعمون عودة اليهود للأراضي المقدّسة، ومرّت الجماعات السوداء في الولايات المتحدة بدرجات بالغة التفاوت من الاستقلال الذاتي خلال القرن 19. وبينما تمّ استيعاب بعض الأفارقة الأحرار وسط مكوّنات الجماعة البيضاء، ظلت النسبة الكبرى من السود "سجناء مشروع الرق الرأسمالي وقمعه" طوال القرن 19. وبينما كان من سافر من المسيحيين الأميركيين السود إلى الأراضي المقدّسة في مستوى أقل من نظرائه البيض، فإنّ ممارساتهم وتقاليدهم الدينية لم تكن أقلّ ارتباطاً بمواضيع "أرض بني إسرائيل"، وتركّزت في الأساس في "صهيون" (أو "مدينة داود" ملوك 1 8:1؛ أو "بيت المقدس" (Psalm 87:2)؛ أو "كنيسة الرب" عبرانيين 12:22؛ أو "مملكة السماء" التي ستوجد نهاية الزمان (رؤيا 14/1)، والتحرير والنبوءة الإثيوبية والعدالة". كذلك، مثّلت لديهم فكرة الصهيونية "عتقاً"، من جهة أنّها تعني الالتزام بسلامة "دولة إسرائيل" وسيادتها الأصيلة، ورأوها، ضمن سياقات إيديولوجية صهيونية متعاقبة، من أبرزها مقولات إميل لودفيج فاكنهايم E. L. Fackenheim ( ت. 2003)، أمراً غير قابل للتفاوض، وأنّ مركزية دولة إسرائيل في النظام اللاهوتي ذات مكانة بارزة؛ ما وضع أسساً "لاهوتية" للمواقف السياسية لأتباع الصهيونية السوداء إزاء فلسطين وخارجها.

فلسطين في سياسة "الاستقلال الأفريقي"
خفّفت نزعة الصهيونية السوداء، وتجلياتها في فكر نخب أفريقية داخل القارة وخارجها، من جدية أية انتقادات أفريقية لإسرائيل، منذ نهاية الخمسينيات، في خضمّ تعرّض السياسات الإسرائيلية بشكل عام، لانتقادات عالمية من قبل قوى تقدّمية أو يسارية. وظلّ رائداً ونخبوياً أفريقيّاً بارزاً، مثل وليام ديبوا، كما حال جلّ رفاقه الأفارقة في الولايات المتحدة، متلطّفاً على نحو لافت إزاء سياسات إسرائيل "تجاه الفلسطينيين"، رغم علو صوته لإدانة "التدخّل الأميركي في لبنان في عام 1959". ووفقاً لصحيفة "ذا غارديان"، فقد التزمت غالبية الصحافة السوداء (في بريطانيا والولايات المتحدة) الصمت أو النقد الخافت للتدخّل في لبنان، لكنّها لم تبرّز مرة أخرى الدور الإسرائيلي، وحافظ ديبوا على خط ناعم إزاء إسرائيل، كما كان صامتاً، بحسب الصحيفة، إزاء حقوق الفلسطينيين.
وظلّت مسألة فلسطين مهمّشة نسبياً في سياسات الاستقلال الأفريقي، واعتبرت بشكل واضح مسألة "غير أفريقية". وعلى سبيل المثال، مثّلت دولة الوحدة بين مصر وسوريا (شباط 1958، وما تعنيه من إعطاء أولوية للمسألة الفلسطينية وتهديداً لإسرائيل حينذاك) هاجساً ملحّاً في سياسات الزعيم الغاني، كوامي نكروما، الأفريقية (تلقّى نكروما تعليماً جامعياً في الولايات المتحدة)، رغم مبادرة "الدولة الجديدة" على الفور، بإعلان دعمها لحركات التحرّر الأفريقي، واهتمامها بتحقيق الوحدة بين العرب والأفارقة. وفي مظهر واقعي لفكرة "الوحدة الأفريقية" في تصوّر نكروما (وأغلب رفاقه من قادة الدول الأفريقية في واقع الأمر، في ستينيات القرن الماضي) بدت مصر في تلك اللحظة منافساً لغانا. وبحسب "ماتيو كريلي" Mateo Crilli (في مؤلّفه عن "النكرومية والقومية الأفريقية" - 2018)، فإنّ نكروما كان يريد التعاون مع جمال عبد الناصر - الذي يشترك معه في رؤيته للسياسة الأفريقية - لكن كان عليه مواجهة ثلاث مشكلات رئيسة، أُولاها وثاقة صلة القاهرة بموسكو التي مثّلت هاجساً لنكروما إزاء تعزيز تلك الصلة لقيادة السوفيات عملية القضاء على الاستعمار؛ وتبنّي عبد الناصر فكرتَي الوحدة الأفريقية والوحدة العربية (وفي قلبها القضية الفلسطينية)، في آن واحد، في "ازدواجية" غير مقبولة لدى نكروما؛ ثم كون الجمهورية العربية المتحدة، التي تحظى بدعم سوفياتي هائل، قوة اقتصادية كبيرة يمكن أن تحجّم من دور غانا، سياسياً أيضاً.

اصطدمت أفكار الصهيونية السوداء بتجربة الأفارقة في "إسرائيل" على نحو بالغ الحدّة


وقد امتدّت تأثيرات التجربة الأفريقية في الولايات المتحدة، إلى جانب رؤية نكروما المحدودة لفلسطين وتحيّزه في مواقف عدّة للتجربة الإسرائيلية وفكرته "اليوتوبية" عن "حلم الوحدة" الأفريقية، إلى عدد من القادة الأفارقة الآخرين في عهد الاستقلال، الأمر الذي لم يتغيّر بشكل واضح، إلّا مع وقوع حرب حزيران 1967، وإدراك النخب الأفريقية في أجزاء متفرّقة من القارّة (ولا سيما في جنوبها) طبيعة المشروع الصهيوني بتجلياته العسكرية والتوسّعية؛ ما مثّل نقطة انطلاق حيوية لنقد أفريقي رصين لأفكار الصهيونية السوداء.

نحو نقد أفريقي للصهيونية السوداء
طرح أتشيل مبيمبي Achille Mbembe (2017) تصوّراً مجرّداً، وناقداً في مضمونه، للنزعة السوداء Blackness بشكل عام، مفادها أنّها محكومة بثلاثة اعتبارات رئيسة، وهي الاستعمار والعبودية والأبارتيد، قلّصت جميعها خطاب السود تعبيراً عن أنفسهم، ضمن سياق موازٍ لخلق فكرة تفوّق العالم الغربي بمنطق عرقي صرف وتكريساً لأفريقيا مقابلاً "ملتبساً" لهذا العالم، وصولاً إلى فكرة متطوّرة، لفت مبيمبي النظر إليها، بارتباط ظهور ابتداع وتصنيف وترتيب الأعراق، بهدف نهائي وهو الاستغلال الاقتصادي، أو لتبرير السلطة على مستوى اقتصادي.
ووصل النقد الأفريقي للصهيونية السوداء إلى مستوى عميق، بعد تحوّلات مهمّة في جنوب القارّة منذ مطلع التسعينيات وتطوّر زخم الربط بين نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا وترسيخ إسرائيل نظاماً حقيقياً للفصل العنصري داخل حدود فلسطين، لخّصتها جولي بيتيبت J. Peteet في دراسة أنثروبولوجية حول الأبارتيد الإسرائيلي (2016) بـ"تكوينات اجتماعية للاستعمار الاستيطاني"، في نهاية القرن 20 ومطلع القرن 21. ويلمس هذا النقد، ضمن طائفة هائلة من الأدبيات الأفريقية ذات الصلة منذ سبعينيات القرن 20، الفكرة الجوهرية للصهيونية السوداء من أكثر من زاوية، منها التقليل من خطورة إبادة "شعوب أصلية" على خلفية معتقدات إيديولوجية مصطنعة، وتبرير استدامة القمع والافتئات على حقوق هذه الشعوب، وشرعنة "التكوينات الاجتماعية الاستيطانية" بخطاب تاريخي- ديني.
كما يمكن مقاربة النقد الأفريقي لجوهر "الصهيونية السوداء": العنصرية المعكوسة على حساب الشعب الفلسطيني عبر البناء على أطروحات فكرة "الوعي المزدوج" Double consciousness التي طرحها مطلع القرن 20 المفكر الأفريقي ديبوا، وخلاصتها أنها عملية فكرية لكون إنسان ما زنجياً (أسودَ) أو أميركياً (غير أسود)، وارتباط الزنوجة "بالإرث الثقافي النابع من أفريقيا"، وكون الفرد أميركياً بلون بشرة سوداء ومتعلّقاً عقلياً بالشعب الأبيض والثقافة الأوروبية". وطوّر فرانز فانون Frantz Fanon نقداً صارماً لمأزق "الوعي المزدوج"، رغم ما أشار إليه بعض الباحثين عن احتمال عدم اطّلاع فانون على فكرة ديبوا وقتها، لدى قطاعات واسعة من النخب الأفريقية في الشتات، كما فوق الأرض الأفريقية؛ وخلاصته بالغة الدلالة، كما يوجزها أوينز مور، بأنّ الوعي المزدوج، الذي تندرج ضمنه الصهيونية السوداء بكلّ خطاباتها، وسيلة تكيف كتكتيك للبقاء، مع إمكان اعتبارها تكيّفاً مريضاً، لأنّها تُسفر عن صراع عقلي، وهو نقد يتّسق تماماً مع تفكيك مقولات "الصهيونية السوداء"، وكونها مجرّد طرح بالغ ضيّق الأفق وتقليد ممجوج للعنصرية البيضاء بتجلّياتها "اللاهوتية" على نحو عكسي.

خاتمة
ربط مفكّرون أفارقة كثُر تصوّراتهم بشكل عام، بالثقافة الغربية على نحو يمكن معه القول باطمئنان كبير، إنّ المستكشفين والمبشّرين والساعين وراء الثروة والشهرة والمستثمرين الأوروبيين، ساهموا طوال قرون ممتدّة في الابتكار الأوروبي لفكرة "أفريقيا"، انطلاقاً من النزعة العنصرية والمركزية الإثنية، التي غذت تصوّر أوروبا لأفريقيا "كآخر مختلف وأسود"، وانسحبت لاحقاً داخل ثقافة أفريقيّة "مستلبة" أعادت إنتاج خطاب الهيمنة والعنصرية إزاء المسألة الفلسطينية، كما في فكر "الصهيونية السوداء".
وقد اصطدمت أفكار الصهيونية السوداء بتجربة الأفارقة (المسيحيين و"اليهود") في "إسرائيل" على نحو بالغ الحدّة؛ إذ لاحظت جالياً صبار Galia Sabar - مثالاً - في دراسة إمبيريقية حول "المسيحية الأفريقية في الدولة اليهودية"، أنّ الأفارقة الذين هاجروا إلى إسرائيل، منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، وتشرّبوا بالضرورة فكرة الصهيونية السوداء، لم يجدوا لهم موطئ قدم وسط المجال المسيحي في الأراضي المقدّسة، كما لم يتمكّنوا من ترسيخ وجودهم في المجال الإسرائيلي المدني العام؛ وشعروا بالاغتراب عن المسيحيين المحلّيين، وغالبيتهم من العرب، بسبب الممارسات الدينية المغايرة في ما بينهم، وكذلك لعداء المسيحيين الأفارقة إزاء الإسلام والصلة الواضحة في تصوّراتهم للعرب كمسلمين. ورصدت "صبار" في دراستها - بناءً على مقابلات ومشاهدات عملية - حقيقة مواقفهم "العنصرية" تجاه "الصراع الفلسطيني والعالم الإسلامي"، رغم تجربتهم الاغترابية داخل إسرائيل وعجزهم عن الانخراط الاجتماعي مع سكّانها اليهود ومؤسّسات الدولة وخدماتها المختلفة.