«عكا بأطفالها وشيوخها، بصباياها وشبابها، بنسائها ورجالها، تدعوكم إلى المشاركة في برنامج فنّي احتجاجي رح نرجّع فيه النبض للحارات». بهذه العبارة وشبيهاتها، علت الأصوات الداعية إلى المشاركة في النشاطات الفنّية الاحتجاجية التي نظّمتها مجموعات شبابية وفنانون/ات وموسيقيون/ات، بالتزامن مع «هبّة الكرامة» في أيار الماضي، مساندةً لأبناء شعبهم في الشيخ جراح والقدس وغزة. لقد شهدت الأحياء والبلدات العربية، خاصة تلك التي تُسمّى «مختلطة» مثل حيفا وعكا واللد، اعتداءات عنيفة ومُمنهجة من قِبَل حكومة الاحتلال ومجموعات من المستوطنين، مصحوبةً بتحريض إعلامي مستمرّ ضدّ الفلسطينيين وحملة تزييف للمعلومات، أسفرا عن اعتقال المئات من الشباب والشابات الفلسطينيين الذين ما زال بعضهم معتقلاً أو موقوفاً، فيما يواجه آخرون معارك شرسة مع المنظومة القانونية، بالإضافة إلى الاعتداءات على البيوت والأفراد في ظلّ الهبّة وما تلاها.
بالنسبة إلي وإلى الكثيرين، ترتبط الهبّة بمشاعر مختلطة من الخوف والأمل. خوفٌ نبع من فقدان الإحساس بالأمان في بيوتنا وحاراتنا، وكأن دمنا مستباحٌ لا حساب له. وفي الوقت نفسه، كان الأمل موجوداً بفعل التكاتف الذي ظهر وتطوّر في المسيرات والتظاهرات طوال فترة الهبّة، من الحراسة الليلية المشتركة، إلى الدفاع عن الأحياء وتجنيد عدد كبير من محاميات ومحامي البلد للدفاع عن المعتقلين ومتابعة أمورهم، وكذلك حملة دعم عائلات المعتقلين والمتضرّرين، وصولاً إلى النشاطات الاحتجاحية الفنية، والتي جاءت كمحاولة منّا لاسترداد الحيّز العام، وإعادة الأمان إلى سكّان الأحياء والبلدات العربية، إلى جانب التأكيد على انتمائنا، من خلال النزول إلى الشارع وملء الحارات بالأعلام الفلسطينية والموسيقى والدبكة والفنون المختلفة، كسرديات الحكواتي والأعمال المسرحية وغيرها.

«هبّة الكرامة» أكدت لنا من جديد وحدة مصير الشعب الفلسطيني أينما كان. فالفلسطيني في الجليل لن يكون أبداً بمعزل عمّا يحدث في القدس. ولذلك، شكّلت الوحدة عنوان الهبّة الرئيس. ومن هنا، حاولنا الوصول إلى جميع الأحياء العربية في المدن المختلطة، والتي كان جرى فصل بعضها عن بعض وتقطيع نسيجها الاجتماعي كنتاجٍ للنكبة والتهجير والاستيطان. ففي حيفا، ابن حي عباس لا يعرف ما يحدث في حي الحليصة أو حي المحطة، وكذلك الحال في عكا أيضاً. ولذا، كان الإصرار على تنظيم النشاطات الفنية داخل أسوار المدينة العريقة والأحياء العربية، قبل اختتامها بعروض موسيقية احتجاجية على أسوار عكا، بمرافقة الجمهور الذي راح يردّد الأناشيد الوطنية بعفوية وعنفوان.

أمّا في اللد، وهي التي تعرّضت لأشرس الهجمات العدوانية في ظلّ توسّع البؤر الاستيطانية التي تهدّد الوجود العربي الفلسطيني، فقد ذهبنا كفرقة موسيقية إلى حي الجواريش الذي يعاني من سياسات التفرقة، وحيث يعيش السكان في وضع اجتماعي واقتصادي صعب. ومن خلال النشاطات الفنّية والموسيقى والقصص والدبكة والورشات، نجحنا في الوصول إلى عدد كبير من الأطفال الذين شاركوا في نشاطاتنا، بل وتنقّلوا معنا بين المحطّات المختلفة في أحياء اللد. وبذلك، لمسنا دورنا كموسيقيين وفنانين، من خلال التواجد في الشارع مع كلّ تحرك، ومحاكاة هموم الناس والتعبئة، وإيجاد طرق إضافية للحفاظ على الهبّة والصمود والمقاومة، والأهمّ ممّا تَقدّم كلّه عبر الاستمرار في عملية زرع الأمل.