في الوقت الذي تضع فيه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يديها على الزناد لمنع الاحتلال من كسر قواعد الاشتباك التي أرستها معركة «سيف القدس»، تتعالى الدعوات لسكّان القدس والضفة الغربية والداخل المحتلّ إلى الرباط في المسجد الأقصى، ومواجهة «مسيرة الأعلام» يوم الأحد. وفي هذا الإطار، حضّ إمام وخطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، على شدّ الرحال إلى الحرم القدسيّ والاعتكاف فيه، مشدّداً على أن الاعتكاف غير مشروط في شهر رمضان، محذّراً الاحتلال من منع الاعتكاف أو الاحتكاك بالشبّان الفلسطينيين. وأدّى أكثر من 30 ألف مصلّ، أمس، صلاة الجمعة في الأقصى، على رغم محاولة سلطات العدو منع المواطنين من الوصول إليه، عبر نشر قوّاتها في شوارع المدينة ومحيط الحرم، والتمركز عند بوّاباته، وإيقاف المصلّين والتدقيق في بطاقاتهم الشخصية، ومنع العشرات من دخول المسجد، وإيقاف الحافلات واعتقال الشبّان بشكل عشوائي. وأفادت معلومات صحافية بأن شبّاناً مقدسيين، وأثناء توجّههم للصلاة في الأقصى، تصدّوا لمستوطن خلال رفعه علم الاحتلال في باب السلسلة في البلدة القديمة، بحماية شرطة العدو.وعلى مدار الأسبوع، توالت الدعوات المقدسية للاعتكاف في المسجد، بدءاً من يوم الجمعة، للتصدّي لاقتحامات المستوطنين، ومسيرتهم الاستفزازية. وحثّت هيئات شعبية وفصائلية على المشاركة الواسعة في فعاليات «لن تُرفع أعلامكم» في الأقصى الأحد المقبل، إلى جانب أداء صلاة الضحى في باحات المسجد. ونُشرت الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ردّاً على إعلان المستوطنين تنظيم اقتحام مركزي ومكثّف للأقصى في ذكرى احتلال القدس، والتي تُصادف في الـ29 من أيار الجاري. وبينما دعت اللجان الشعبية إلى المشاركة في صدّ «مسيرة الأعلام»، تحت شعار «شارك في صدّ العدوان... دافع عن قدسك»، استنفر الحراك الشبابي في القدس لمواجهة الفعالية التهويدية، كما دعا «حراس الجبل» في بلدة بيتا في نابلس إلى الحشد و«إشعال نار المواجهة في جميع نقاط التماس مع الاحتلال». وعلى المستوى الفصائلي، حثّت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» على شدّ الرحال إلى الأقصى والدفاع عنه، معلِنتين مساندتهما التحرّكات التي يقودها الفلسطينييون في القدس. وحضّت حركة «فتح»، بدورها، على النفير إلى المدينة المقدّسة والرباط فيها، محذّرة من أن السماح باستباحتها سيؤدي إلى تفجير الأوضاع. وقالت الحركة، في بيان، إن «شعبنا لن يسمح بمرور ما يسمى مسيرة الأعلام الاستفزازية، ولن نسمح للاحتلال ومستوطنيه بمحاولة فرض سياسة الأمر الواقع، لأن القدس ومقدّساتها الإسلامية والمسيحية خطّ أحمر».
نشرت قوات الاحتلال الآلاف من الجنود وأفراد الشرطة وحرس الحدود في المدينة


في المقابل، واستباقاً للتحرّكات الفلسطينية في المدينة، نشرت قوات الاحتلال الآلاف من الجنود وأفراد الشرطة وحرس الحدود، فيما أقرّت السماح للضباط الكبار فقط بإنزال الأعلام الفلسطينية المضادّة لمسيرة المستوطنين في باب العَمود والقدس، وذلك خشية انفلات الأوضاع وتدحرجها إلى اشتباكات واسعة. وعلى المستوى السياسي، تواصلت تصريحات مسؤولي الاحتلال المؤكّدة استمرار «مسيرة الأعلام» وفق مسارها. وفي هذا الإطار، قال وزير الجيش، بيني غانتس، إن «حماس لن تهدّد سيادتنا، لقد أطلقت العام الماضي صواريخ وندمت»، بينما ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية أن الحكومة تتبع حالياً سياسة عدم الرضوخ لأيّ تهديد من الفصائل في قطاع غزة. إلّا أن رئيس الحكومة، نفتالي بينت، يخشى بالفعل من فقدان السيطرة وتدهور الأوضاع، في ظلّ استقرار سياسي هشّ، وتحذيرات من أعضاء «كنيست» عرب من حزبَي «الموحّدة» و«ميرتس» من نتائج المُضيّ بالمسيرة، وهو الأمر الذي دفع قادة الائتلاف إلى البعث برسائل إلى هؤلاء الأعضاء تحضّهم على تهدئة الأوضاع.
ويُحيي المستوطنون الإسرائيليون في الأراضي المحتلّة، وخصوصاً في مدينة القدس، سنوياً، ذكرى «توحيد القدس»، وهو اليوم الذي تمكّن العدو فيه من دمج شطرَي المدينة، الشرقي والغربي، تحت سيطرته، عام 1967، وذلك بعد معارك مع الجنود الأردنيين الذين دافعوا عن الشطر الشرقي. ومن أهمّ فعاليات هذه الذكرى في كلّ عام، ما يُعرف بـ«مسيرة الأعلام» أو «رقصة الأعلام» التي يشارك فيها عشرات الآلاف من المستوطنين - بينهم عدد كبير من الصبية والمراهقين -، الذين يتمّ حشدهم من مختلف المناطق للوصول إلى القدس، حيث يقومون برقص استفزازي في البلدة القديمة والحيّ الإسلامي، ويردّدون شعارات عنصرية ضدّ العرب والمسلمين، ويرفعون الأعلام الإسرائيلية بكثافة. والمسار التقليدي لـ«مسيرة الأعلام»، هو ابتداءً من وسط القدس ثمّ عبر باب العمود، مروراً بالحيّ الإسلامي، وصولاً إلى حائط البراق. وفي بعض الأحيان، يقتحم المستوطنون المسجد الأقصى خلال المسيرة أو عقبها مباشرة، من باب المغاربة، ويدورون حول مسجد قبّة الصخرة رافعين الأعلام الإسرائيلية، حيث تقع المواجهات مع الفلسطينيين، قبل أن يخرجوا باتّجاه باب السلسلة.
وبدأ إحياء هذه المناسبة عام 1974، لكنه توقّف خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2016 بسبب المواجهات التي كانت تندلع بين المستوطنين، وأهالي البلدة القديمة والفلسطينيين، الذين يحتشدون عادةً في مثل هذه المناسبات للرباط في القدس، والتصدّي لاعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى. وهذا العام، دعت «جماعات الهيكل»، وعدد من قادة اليمين المتطرّف في الحكومة الإسرائيلية، إلى اقتحام الأقصى في ذكرى «يوم القدس» الصهيوني، مع الإصرار على تمرير «مسيرة الأعلام» وفق مسارها الأساسي. كما دعت جماعة تطلق على نفسها اسم «لاهافا» إلى هدم مسجد قبّة الصخرة وبناء الهيكل فوق أنقاضها، ما دفع الفلسطينيين إلى الاستنفار والاستعداد للدفاع عن المسجد.