بدلاً من القفز الشديد الخطورة فوق حواجز وعقبات المباني المهجورة أو أرصفة الشوارع، صار يمكن لعشاق الباركور في غزة ممارسة هوايتهم في مكان مخصّص أكثر أماناً وحرفية. منذ عُرف الباركور في غزة، قبل عقد ونصف عقد، هذه المرة الأولى التي يحظى اللاعبون فيها بمكان مجهّز ليس فيه مخاطر الإصابة التي عرفوها من قبل.«Wallrunner» هي أول صالة رياضية للباركور في فلسطين، كانت «مجرد حلم» بالنسبة إلى أحمد مطر، «الآن صار حقيقة ملموسة». أسّسها الشاب الموجود في السويد منذ خمس سنوات بعد خروجه من قطاع غزة للمشاركة في بطولة العالم للباركور، وقرّر البقاء هناك لتدريب اللاعبين. جُهزت الصالة بالأدوات المتوفّرة محلياً، «ألواح خشبية على شكل صناديق» ومراتب للهبوط عليها، نظراً إلى صعوبة شحن أي معدات من الخارج.
في غرب المدينة تقع الصالة التي يحب مدربوها تسميتها «الأكاديمية». عشرات المتدربين وهواة المغامرة التحقوا بالدورات التدريبية، كان بعضها مجانياً. ولاحقاً افتُتح مقر ثانٍ للأكاديمية في خان يونس جنوبي القطاع.
يشار إلى الباركور غالباً كنوع من الفنون القتالية -والاسم مشتق من تدريب عسكري في الجيش الفرنسي- وتقوم فكرته على حركات الوثب بالانتقال من النقطة أ إلى النقطة ب، بأكبر قدر ممكن من السرعة والسلاسة، وتفادي الإصابات، فهي مقياس كفاءة اللاعب.
بدأ الباركور في غزة عام 2005، في مخيم خان يونس للاجئين. كان مطر وبعض رفاقه يتدربون في الشوارع وبين جدران المقابر، ومرّات عديدة صارت المنازل المقصوفة بعد كل حرب أو تصعيد عسكري مكاناً للتدرّب رغم خطر احتمال سقوط الأجزاء المتبقّية منها. في بداية الأمر «كان الناس ينظرون إلينا باستغراب وكأننا نقتل أنفسنا بالتدريب»، يقول مطر، ويضيف أن مشاركة مقاطع فيديو لتمارينهم على مواقع التواصل الاجتماعي «جذبت اهتمام الناس وبدأوا يؤمنون بما نقوم به».
سافر مطر إلى السويد، وهناك قابل «توم فيلانت» الذي صوّر معه فيلماً وثائقياً عن «باركور غزة»، ثم تشاركا من مكانهما في أوروبا في تأسيس أكاديمية Wallrunners داخل القطاع. أطلقا حملة تبرعات عبر الإنترنت لدعم الفكرة، ونتيجة ذلك تمكنا من تشغيل الصالة الرياضية مجاناً لعدة أشهر. ورغم أنه خارج غزة منذ سنوات، يبرر مطر اهتمامه بتعزيز الباركور في القطاع: «عاوز أذكّر العالم بأطفال وشباب غزة» الذين من حقهم ممارسة هواياتهم واللعب في مكان آمن.
مرّات عديدة صارت المنازل المقصوفة بعد كل حرب أو تصعيد عسكري مكاناً للتدرّب رغم خطر احتمال سقوط الأجزاء المتبقّية


أحمد أبو حطب، شاب عشرينيّ، لم توقف إصاباته في تمرينات الباركور شغفه في معاندة الطبيعة وأداء قفزات خطيرة فوق أسطح إسمنتية أو كثبان رملية. يقول: «الخطأ هنا قد يكلفك حياتك» أو تصاب بجروح خطيرة. يتمرّن أحمد بمعدل 4 ساعات في يوم التدريب الواحد، ويحاول الانتظام بالتمرين أربعة أيام في الأسبوع، لأن «العضلات تحتاج إلى الراحة»، يضيف: «لازم أرتاح يومين في الأسبوع عشان الجسم يهدأ ويصل إلى الاستشفاء العضلي». في أثناء تمرين مع زملائه، جرح أبو حطب كاحل قدمه، وصديقه الآخر كاد ينتهي به الحال تحت عجلات سيارة على شارع الرشيد غرب مدينة غزة. وفي واحدة من القفزات الخطيرة من جدارٍ عالٍ، سقط أحمد على ظهره، في فيديو وثّق الحادث، اضطر بعده لالتزام الفراش أسبوعاً كاملاً: «سقوطي على كثبان الرمل خفّف الضربة، لكن كانت مؤلمة جداً». في السابق، لم تكن هناك عوامل أمن وسلامة، أمّا الآن، كما يقول أبو حطب، في هذه الصالة الجديدة فـ«يمكننا تجنب الإصابات» وأن ننفذ الحركات بسهولة.
حمزة شعلان، شارك في مسابقة للباركور في ماليزيا، ثم عاد بعد التدرّب لفترة هناك. يصف الوضع خارج القطاع فيقول إن محترفي الرياضة يقابلهم مستقبل واسع في «المشاركة بمجال التمثيل وعروض السيرك». لكنه في غزة لم يزد عن «عروض مجانية هنا أو هناك». يعتبر شعلان أنهم في غزة يحتاجون إلى توعية الناس أكثر لفهم أن «الباركور مش خطر» لأن كرة القدم وبعض الرياضات تحدث فيها إصابات خطيرة أكثر: «هذه الرياضة تعتمد على تركيز اللاعب وذكائه ومعرفة كيف يؤدي الحركات بأمان».
جدير بالذكر أن أوائل لاعبي باركور غزة لم يبقَ معظمهم داخل القطاع المحاصر، منهم من «حالفه الحظ» للسفر واستقر معظمهم في السويد وإيطاليا واليونان وإنكلترا، لكنهم إلى اليوم يحكون للعالم عن قصة المكان الأول الذي بدأوا منه: غزة.