على زاوية بيته في مخيّم اليرموك، يجلس العمّ أبو عرب. اللاجئ الفلسطيني الذي عاش نكبة بلاده في طفولته، ونكبة مخيّمه في كهولته، والتي يصفها بالأصعب، ورغم بلوغه العقد الثامن من العمر، لم يثنه ذلك عن تحقيق حلم العودة بشكله المصغر إلى بيته في المخيم جنوب دمشق. «في النكبة الأولى، فتحت أمامنا بيوت أهل الشام، أمّا في نكبة اليرموك فاضطررنا إلى اللجوء إلى مراكز الإيواء أو استئجار بيوت في مناطق مختلفة من دمشق، بأسعار خيالية أثقلت كاهلنا على مدى سنوات، فكان لا بد من العودة إلى بيوتنا في اليرموك في أول فرصة، وخاصة مع الوضع الاقتصادي الصعب وغلاء المعيشة الذي تعيشه البلاد»، بهذه الكلمات تحدّث أبو عرب إلى «الأخبار» عن خروجه من رحلة معاناته، وكيف ودّع المخيّم مدينةً تعجّ بالحياة وعاد إليه وأجزاء واسعة منه دمّرتها الحرب وحوّلته إلى مدينة أشباح فوق أكوام الركام.
للمرة الأولى... مركز تنمية مجتمعية في المخيّم
يشعل أبو عرب سيجارته، وينظر إلى مجموعة من المتطوعين الشباب في جمعية «نور للإغاثة والتنمية»، قدموا إلى حارته لافتتاح مركز لجمعية للتنمية المجتمعية، يعدّ أوّل مساحة آمنة للفتيات والنساء في المخيّم، وسيقدم خدمات التمكين بالأعمال المهنية التي من شأنها أن تساعد نساء المنطقة على عمليّة الترميم والعودة، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.
يعوّل أبو عرب على أن يكون هذا المركز الجديد فاتحة لاستئناف مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني نشاطها داخل اليرموك، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على ساكني المخيّم الذين يحاولون خلق الحياة من العدم، وإعادة ضخ الدماء في عاصمة الشتات الفلسطينية.
وبلهجته الفلسطينية العتيقة وصوته العميق، يتحدّث أبو عرب عن الصعوبات اليومية في ظل شبه فقدان للخدمات الأساسية داخل المخيّم: «الكهرباء التي تصل إلينا على قلتها، فهي تصلنا ضعيفة جداً ولا يمكن الاستفادة منها حتى لشحن الهواتف المحمولة، إلى جانب انعدام المواصلات، الأمر الذي يضطرّنا إلى السير إلى منطقة الزاهرة لشراء احتياجاتنا اليومية، ما يشكل عبئاً كبيراً على أهالي اليرموك وخاصة كبار السن أمثالي». ويختم حديثه: «نعم متفائلين بالخير، ونشجع الناس على العودة إلى اليرموك في حال توفر الكهرباء والمواصلات، وبغير ذلك لن يعود إلا كل مضطر، ولن نشهد عودة جماعية للأهالي كما نتمنى جميعاً».
أخيراً، عمل المجلس النرويجي للاجئين (NRC) على دعم عمليات ترميم مدرسة «أسد بن فرات» على أطراف اليرموك في منطقة شارع الثلاثين، بالتعاون مع وزارة التربية السورية، إلا أن الأهالي يؤكّدون أن المنطقة المحيطة بهذه المدرسة يملأها الدمار بشكل كبير، وهي موحشة وخطرة على الأطفال، لذلك يمتنعون عن إرسال أطفالهم إليها، ويفضّلون إلحاقهم بمدارس خارج المخيّم، رغم التكلفة الإضافية المترتبة عليهم من ذلك.

«نور» تبدأ العمل
تحاول «جمعية نور للإغاثة والتنمية»، التي تأسست عام 2013، والمنتشرة في مختلف مناطق الجغرافيا السورية، العمل على فتح ثغرة في ملف اليرموك، وتحريك المياه الراكدة في المخيّم، من خلال افتتاح مركز للخدمة المجتمعية معني بمساعدة السيدات والفتيات، مع خطط وآمال كبيرة وضعتها إدارة الجمعية نصب عينيها، للتوسّع داخل المخيّم، وافتتاح المزيد من المراكز الطبية والمهنية والاجتماعية، لتكون سنداً حقيقياً للأهالي.

«لك يوم يا مخيّم اليرموك»
وعن توقيت افتتاح المركز، يتحدّث رئيس مجلس إدارة «نور» محمد جلبوط، إلى «الأخبار»، موضحاً أن الجمعية اعتمدت «على اختيار هذا اليوم، الذي يصادف ذكرى وعد بلفور المشؤوم، لإطلاق المركز، لأنه طالما شكّل اليرموك برمزيته شوكة في حلق كيان العدو الإسرائيلي، ولا ننسى الجملة التي أطلقها رئيس وزراء العدو السابق آرئيل شارون حين قال: لك يوم يا مخيم اليرموك، وباعتقادنا إن هذا اليوم كان في 17 كانون الأول من عام 2012، حين اضطرّ أهالي اليرموك إلى الخروج منه، نتيجة تحوّله إلى ساحة حرب، واليوم نعود إلى المخيم بذكرى وعد بلفور لنقول إن من الممكن أن يموت كبارنا، لكنّ صغارنا سيكونون متجذّرين أكثر».

حزمة مشاريع قيد الإنجاز
وبهذا الافتتاح، تطلق جمعية «نور» حزمة من المشاريع داخل المخيّم، لتؤكد أنها بدأت بالعمل على الأرض، بحسب رئيس مجلس إدارتها، الذي يوضح أن الجمعية، كذراع تنفيذي لمحافظة دمشق ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أطلقت أربعة مشاريع، وافتتحت اليوم مركز «نور للمرأة»، بدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان، بهدف تأهيل نساء المخيم وتمكينهنّ، ليكنّ قادرات على دخول سوق العمل والمساعدة في ترميم منازلهن. أمّا المشروع الثاني فهو مركز «نور الطبي»، أمّا الثالث فهو مركز «نور التعليمي»، بينما المشروع الرابع يتعلق بعملية الأتمتة، وهي الأولى من نوعها التي تعمل عليها محافظة دمشق بالتعاون مع «نور» ودائرة خدمات اليرموك.

الكهرباء قيد الانتظار
من جانبه، أكد محافظ دمشق محمد طارق كريشاتي، خلال الافتتاح، في كلمة للصحافيين، أن المحافظة ستقدّم كل الدعم الممكن لقاطني المخيّم، لناحية تأمين الخدمات الأساسية وتشجيع العودة، وخاصة عملية تثبيت الوثائق لتسهيل إخراج الأوراق الرسمية والثبوتية، التي تساهم في تشجيع عودة الأهالي إلى بيوتهم وممتلكاتهم، مشيراً إلى أنه خلال أيام قليلة سيبدأ العمل على تأهيل أحد مخابز المخيّم، بالتعاون مع إحدى المنظمات الدولية. وفي ما يتعلّق بملف النقل، شدّد على أنه خلال أسبوع سيتم تأمين وسائل نقل لتخديم الأحياء المسكونة داخل المخيّم. أمّا الكهرباء، فسيجري إعداد دراسة من أجل إعادة البنى التحتية تدريجياً.
بدوره، أوضح جلبوط أن عودة الكهرباء بالشكل الفعّال لن تكون في المدى المنظور، وعليه سيجري العمل على حلول بديلة (طاقة شمسية، أمبيرات، وغيرها) بالتعاون مع محافظة دمشق والمؤسسات المحلية، وأضاف إنه حالياً لا قدرة على تأمين شبكة خطوط خلوية لليرموك، نظراً إلى التكاليف المرتفعة جداً، وهي ليست أولوية بالنظر إلى حجم الدمار الكبير. ولفت إلى أن حضور قادة التنظيمات الفلسطينية من فصائل منظمة التحرير وتحالف القوى الفلسطينية والسفارة الفلسطينية حفل الافتتاح، يعكس التوافق الفلسطيني على دعم جمعية «نور» وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الفلسطينية، لبدء عملية تقديم الخدمات وتسهيل عودة الأهالي إلى بيوتهم.

لا وجود لـ«حماس»
وحول تأثير عودة حركة «حماس» إلى سوريا، وانعكاس ذلك إيجاباً على وتيرة العمل وعودة الأهالي إلى المخيّم في ظل توافق مختلف الفصائل الفلسطينية، قال جلبوط: «أنا لم أسمع عن عودة حماس إلى سوريا، بل سمعت عن زيارة وفد من حماس إلى دمشق، ولا أستطيع القول إن حماس عادت إلى سوريا قبل أن أراها في مخيّم اليرموك»، حسب تعبيره.