أصدر المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (13/كانون الأول/2022)، استطلاعاً للرأي في الضفة الغربية وقطاع غزة بتاريخ (7-10/كانون الأول/2022)، حول العديد من المواضيع، منها: الكفاح المسلح، وتشكيل خلايا مسلحة كـ«عرين الأسود»، والمصالحة الفلسطينية، ومن سينتخب الفلسطينيون للرئاسة (مروان البرغوثي - إسماعيل هنية - محمود عباس) في حال أجريت هذه الانتخابات. بعض نتائج هذا الاستطلاع تبدو لافتة، وقد أجريت وجهاً لوجه مع عينة عشوائية من الأشخاص البالغين، بلغ عددها 1200 شخص، في 120 موقعاً سكنياً. من تلك النتائج، أن 72% من العينة العشوائية تؤيد تشكيل مجموعات مسلحة مثل «عرين الأسود» من دون خضوعها لأوامر السلطة الفلسطينية، وأن لا تكون جزءاً من قوى الأمن الرسمية، بينما من يرفضون هذه الحالة شكلوا فقط 22%. كذلك، فإن 79% ضد تسليم أعضاء هذه المجموعات المسلحة أنفسهم وأسلحتهم للسلطة الفلسطينية، و87% يعتبرون أنه لا يحق للسلطة الفلسطينية اعتقال أفراد تلك المجموعات، و59% يتوقعون انتشار تلك المجموعات في مناطق أخرى من الضفة الغربية.
الاستطلاع أظهر أيضاً، أن 81% من المستطلعين يرون أنه يوجد فساد في مؤسسات وأجهزة السلطة الفلسطينية، و69% يجدون أن المؤسسات والأجهزة التي تديرها حركة حماس في غزة فيها فساد أيضاً.
وفي الإجابة عن سؤال انتخابات رئاسية جديدة للسلطة الفلسطينية، وترشح مروان البرغوثي وإسماعيل هنية ومحمود عباس، لمن ستصوت؟ أتت النتائج، 49% لـ مروان البرغوثي، و33% لـ إسماعيل هنية، و14% لـ محمود عباس. أمّا لو كان التنافس بين مروان البرغوثي عن حركة فتح وإسماعيل هنية عن حركة حماس، فجاءت نتائج الاستطلاع بالتالي: 61% لـ مروان البرغوثي، و34% لـ إسماعيل هنية.
ومن بين النتائج اللافتة في هذا الاستطلاع، النتائج عن سؤال حول الأجدر بتمثيل الشعب الفلسطيني، فكانت النسبة، 28% لـ «حماس»، و25% لـ «فتح»، بينما النسبة الأكبر 40% اعتبرت أن لا أحد منهما جدير بتمثيل الشعب الفلسطيني. وفي سياق الاستطلاع، أجاب المستطلعون عن سؤال حول من تؤيد من الاتجاهات والأحزاب، فكانت نسبة 28% لـ «فتح» و24% لـ «حماس» و2% لـ «الجهاد الإسلامي» والجبهتان الشعبية والديموقراطية مجتمعتان 3% فقط. ونسبة 36% لـ إجابة «لا أحد مما سبق» و5% لـ «مستقل وطني» و1% لـ «مستقل إسلامي».
أمّا المصالحة الفلسطينية، فـ 26% متفائلون بنجاح المصالحة، بينما 72% غير متفائلين.
■ ■ ■

إبراز تلك النتائج، تؤشر إلى الوضع الفلسطيني في الداخل، ومن المحتمل أن الاستطلاع لو أجري في مخيمات الشتات أيضاً، مع تعديلات متعلقة بالمحليات المعيشية وغيرها، لحاز نتائج متقاربة. فعلى ما يبدو، إن الواقع الفلسطيني ليس مرضياً للجمهور الفلسطيني الواسع في الداخل، والأرجح أيضاً في الخارج. لكن السؤال في مثل هذه الأوضاع، ما الذي يمكن عمله؟ ليس في المجال المتاح الحديث عمّا يمكن فعله إزاء معظم القضايا. فـ«القيادة» الفلسطينية بشقّيها تبدي حالة «ديكتاتورية» خاصة، تعتمد في البقاء على جملة أمور، إقليمية ودولية، لكن الأهم على ما يبدو من «تطنيشها» أنها تعتمد على تيئيس الفلسطينيين، ليقبلوا بالوضع الراهن كما هو، لتمر بعد ذلك قرارات مختلفة، منها قرارات رئيس السلطة الفلسطينية بمنح نفسه صلاحيات جديدة، تضاف إلى قائمة صلاحيات أخرى في رئاسة السلطة والمنظمة و«فتح»، وتصديق قيادة «حماس»، أن وضع الناس في غزة بخير، وأنهم مرتاحون لمجرد أن المقاومة حاضرة في الميدان.
حتى يتحقق بعض العدل في «الدولتين»، سيزداد الإيمان والتمدّد للمقاومة المسلحة للاحتلال، التي باتت اليوم تبتعد عن التمثيل الفصائلي


سأقول ما سأقول، ليس بناء على نتائج الاستطلاع الذي استعرضت بعض نتائجه فقط، بل بناء على ما نعيشه منذ حدث الانقسام: إنّ أكثر ما بات يخيف أن تتفق «حماس» و«فتح»، فإنهما قد تذهبان بنا إلى ما هو أبشع من الذي نعيشه، وأبشع ممّا وصلنا إليه، لأنه من الواضح أن الواقع الحالي هو بحث عن «السلطة»، لا بحث عن «التحرر». فأدوات التحرر، لدى الطرفين، باتت مزايدات، ليس على بعضهما، إنّما على الشعب.
وبعيداً من نتائج الاستطلاع، هل يمكن الاعتقاد أن هناك نسباً كبيرة مؤيدة لسلطة الضفة، وفي كل يوم شهيد، وفي كل يوم بؤرة استيطانية جديدة، وفي كل يوم اقتحام للأقصى وتهويد للقدس، كما هل يمكن الاعتقاد أن هناك نسباً مؤيدة كبيرة لسلطة غزة، وفي كل يوم مأساة جديدة في القطاع، وأعداد كبيرة من العاطلين من العمل، ومثلهم يفتقرون إلى الأمن الغذائي، وقد يردّ راد، أن حركة حماس، حركة مقاومة مسلحة، نعم هذا صحيح، لكنها أيضاً تتولى السلطة في غزة، ومن مسؤوليتها إطعام الناس، والعدل في ما بينهم، ومثلها «فتح» التي تمسك السلطة في الضفة.
وحتى يتحقق بعض العدل في «الدولتين»، سيزداد الإيمان والتمدّد للمقاومة المسلحة للاحتلال، التي باتت اليوم تبتعد عن التمثيل الفصائلي كما يبدو، على الأقل كحالة «عرين الأسود» كما تعلن عن نفسها: فلسطينيةً أوّلاً وآخراً.