فالعلاقة بين استعادة الخطاب الفلسطيني الثوري وسلاح المقاومة في غزة هي علاقة سببية وطردية، حيث يتصاعد الخطاب الثوري على حساب سردية «الأبارتهايد»، وفي حين أن موازين القوى فرضت خضوعاً خطابياً في السابق، فما تفعله صواريخ غزة هو أنها تحرر خطابنا الثوري المكبّل، فبعد أن كان الفلسطيني يلحق لاهثاً عن شرعية خطابية من ناشطين غربيين، فقد استعاد الشعب الفلسطيني، وتحديداً في الشتات طليعيته، وأمسى يفرض خطابه، خطاب التحرير الكامل، وأن الكفاح المسلح حق إنساني مقدّس، نمارسه ويمارسه أهل غزة رغماً عن العالم أجمع.
العلاقة بين استعادة الخطاب الفلسطيني الثوري وسلاح المقاومة في غزة هي علاقة سببية وطردية، حيث يتصاعد الخطاب الثوري على حساب سردية «الأبارتهايد»
فالخطاب الثوري هو النتاج الواقعي لتقدم عمل المقاومة، وهو ثمرة دماء الشهداء، والمراكمة الاستراتيجية للعمل والمنجزات. من أهم المنجزات هي تلك التي تحققها معارك وجولات الاشتباك في غزة، وآخرها «ثأر الأحرار». فهي تؤدي إلى إنعاش معركة العودة في الشتات، حيث أن العمل الفعلي على الأرض يعيد انخراط الفلسطينيين في مخيمات اللجوء وفي الخارج، ويحولهم من لاجئين سمعوا قصصاً تحكى عن النكبة، وعرفوها كمجرد إرث ومفتاح رمزي للعودة، إلى لاجئين ينظمون مسيرات في كل أنحاء العالم، ويهتفون للمقاومة التي تسعى لتحقيق حلمهم بالعودة، سواء في المخيمات أو حتى في أكثر العواصم الأوروبية انحيازاً للصهيونية، وهو أيضاً ما يحفظ حق العودة ويحول دون انصهار اللاجئين في المنفى. مشكلين عبر ذلك حاضنة عالمية للمقاومة تصون حقنا في الكفاح المسلح. وهذا التحول من دون شك يشكل ثقلاً أكبر على الرأي العام العالمي من ذلك الذي يدعيه من لا يزال يؤمن بالحوار الديموقراطي الليبرالي الغربي، لتغيير نظرة العالم للقضية الفلسطينية. بالتالي ليس من المبالغة أو الوهم الاحتفاء بالتقدم الذي تحققه المقاومة في غزة، والذي بدوره يعمل على انتشال شعبنا الفلسطيني من هامش التاريخ، ويستعيد خطابنا الثوري في وجه الخطاب الانهزامي الذي يستجدي المجتمع الدولي مطالباً بالحماية. فما يشعر به الفلسطينيون والعرب مع كل معركة هو استعادة خطابنا الأصيل لعافيته، وأن ما يحدث لهو تمرد فلسطيني واضح على الأمر الواقع تحت الاستعمار ومن ينحاز معه، والذي تحاول المؤسسات الغربية بشبكات أموالها فرضه على الفلسطينيين، ويحاول الإعلام التطبيعي الخليجي تمريره في الوعي العربي بشكل مباشر وغير مباشر. أما اليوم فيصنع لنا المقاومون في غزة التاريخ، فهم ينهضون بنا ويعيدون لنا الخطاب الثوري الذي فرض الأمر الواقع الجديد: غزة المحاصرة تردع «تل أبيب»، وعينها على القدس.
أخيراً، تحدث المرحوم جوزيف سماحة عن أن النقد في مرحلتنا هذه يأخذ شكل «العودة للوعي» فوفقاً له «لقد كنا إجمالاً، على حق، وما يجري لنا محطة من مسيرة طويلة»، وما علينا سوى الرجوع للبديهيات وتحويلها لمنطلقات، وما يفعله أهل غزة هو انتشالنا جميعاً والانطلاق بنا، وضمن هذه العودة، فكل ما يحدث اليوم، قد كان كنفاني أخبرنا به منذ عقود: «إنني أجرؤ على القول، من خبرة مادية وواقعية إن هدر مئات الساعات مع آلاف من الصحافيين والإذاعيين الأجانب، خلال السنوات الماضية، قد أدى إلى نتائج لا تكاد تذكر. والشيء الوحيد الفعال هو حجم العمل المسلح والعمل السياسي في أرض المعركة ذاتها».