«إن الحديث عن ثورة 36-1939، يستلزم وقفة خاصة عند الشيخ عز الدين القسام. فبالرغم من الكثير الذي كتب عنه إلا ‏أنه بوسعنا أن نقول بأن هذه الشخصية الفريدة لا تزال، وربما ستظل، شخصية مجهولة في الحقيقة [...] ولعل شخصية القسام ‏تشكل في حد ذاتها نقطة التقاء رمزية لمجموعة هائلة من العوامل المتداخلة التي تشكل في مجموعها ما صار يسمى تبسيطاً بالقضية ‏الفلسطينية، فـ'سوريته' (هو من مواليد جبلة، قضاء اللاذقية، 1871) تمثيل للعامل القومي العربي في المعركة. و'أزهريته' ‏‏(فقد درس في الأزهر) تمثيل للعامل الديني الوطني الذي كان يمثله الأزهر في بداية القرن. و'نضاليته' (فقد اشترك في ثورة ‏جبل حوران السورية ضد الفرنسيين من 1919 1920 وحكم بالإعدام) هي تمثيل لوحدة النضال العربي» (غسان كنفاني، الدراسات السياسية: المجلد الخامس. قبرص: دار منشورات الرمال، 2015، 390).في مساء يوم الثلاثاء التاسع من نيسان، أثناء معركة مخيم جنين 2002، تجمع ما تبقى من مقاومين في بيوت لا تتجاوز الخمسة، وبسبب الدمار الكبير وانقطاع الاتصال بينهم بشكل شبه كامل كانت كل مجموعة تعتقد أن لم يبق غيرها في المخيم. وفي مكان قريب من بيت خليل المصباح في الحارة الشرقية من المخيم، تجمّع نضال النوباني، ومحمد مشارقة، وأمجد الفايد، ومحمد الفايد، ورجا القريني، وشادي صويص، وخليل مصباح، ووئام الحريري، وإياد بشرات، وعصام أبو السباع، وأشرف السعدي، وعناصر من قوات الأمن الوطني. تحركت مجموعة راجلة من قوات العدو إلى ساحة صغيرة شرق بيت خليل المصباح غرب بيت أبو خرج وتحت دكان أبو شادي، وما إن وصلوا الساحة حتى أمطروا برصاص المقاومين من الشبابيك العلوية وطاقات المنازل، ولشدة ارتباكهم فر الجنود إلى البيت المتحصن فيه المقاومين، استقبل أمجد الفايد أحد الجنود الصهاينة برصاصه؛ الرصاصة الأولى كانت هدية من الشهيد زياد العامر، والثانية من الشهيد محمود طوالبة، والثالثة من الشهيد محمود الحلوة، والرابعة من الشهيد أشرف أبو الهيجا. ولكن في هذه الأثناء استطاع قناص منه، فسقط الفايد شهيداً وبعد دقائق لحقه أخوه محمد وصديقه نضال النوباني. هذا الحدث الذي سيعرف في ما بعد باسم «الكمين المبارك» الذي قُتل فيه 13 جندياً صهيونياً وأصيب 20 آخرون. (جمال حويل، معركة مخيم جنين الكبرى 2002: التاريخ الحي، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2022، 134-138).
ولد عام 2005 بعد انتهاء الانتفاضة الثانية ودمار المخيم، سمي على اسم عمه الشهيد، تربى في أزقة المخيم، في حين كان والده في السجن


إنّ الحديث عن الحالة الفلسطينية بعد «سيف القدس» يستلزم وقفة خاصة عند شخصية الطفل/ الشاب الشهيد، فعلى الرغم من الكثير ‏الذي كتب عنه، لكن بوسعنا أن نقول بأن هذه الشخصية الفريدة لا تزال، وربما ستظل، شخصية مجهولة في ‏الحقيقة‏. فهي المحرك ‏الفعلي للحالة، والمسؤولة الأساسية عن إلحاق الخسارة بالعدو، وهي وضعت الشعب العربي الفلسطيني أمام مسار جديد. ولد أمجد الفايد عام 2005 بعد انتهاء الانتفاضة الثانية ودمار المخيم، سمي على اسم عمه الشهيد، تربى في أزقة المخيم، في حين كان والده وليد ‏الفايد في السجن لمدة ثماني سنوات، بعد إصابته إصابة بالغة، كادت أن تودي بحياته. حصل أمجد على لقب «فرعون وحارس المخيم» بعد صنعه وضربه للأكواع بكل ‏احترافية وإخلاص وشجاعة. تعلق كثيراً بعبدالله الحصري، وعند استشهاد الحصري تأكد الفايد من صوابية مساره، وأحب الشهادة ‏بقدر حبه لعبدالله، أو كطريق له. وفي فجر 21 أيار 2022، اقتحمت قوة صهيونية مدينة جنين، وقامت باغتياله في شارع حيفا. ‏
«إن الإخفاق في إدراك العلاقة الجدلية بين الدين والنوازع الوطنية في العالم المتخلف، هو المسؤول عن التقليل من أهمية الحركة القسامية، ولكن مهما كان الرأي في أفكار القسام، فمما لا ريب فيه أن حركته (12/11/1935) – (19/11/1935)، كانت نقطة انعطاف لعبت دوراً مهماً في تقرير شكل متقدم من أشكال النضال، إذ وضعت زعامات الحركة الوطنية الفلسطينية التقليدية، التي كانت قد انشقت على نفسها وتشتتت وتشرذمت. أمام امتحان لا يمكن الفرار منه... وقد شعر البريطانيون بدورهم بالتحدي الذي مثله استشهاد القسام، وحاولوا بدورهم شد عقارب الساعة إلى الوراء. لكن إعادة عقارب الزمن إلى الوراء كانت مستحيلة. فحركة القسام كانت تعبيراً في الواقع عن الشكل الطبيعي القادر على معالجة ازدياد التناقض وحسمه». (غسان كنفاني، الدراسات السياسية: المجلد الخامس. قبرص: دار منشورات الرمال، 2015، 394).