بالنظر إلى التضامن طويل الأمد ضد الاستعمار الداخلي، كيف تشاركت جنوب أفريقيا وفلسطين النضال ضد الاستعمار الاستيطاني؟حسناً، لقد تمتعنا بعلاقات وثيقة - أي جنوب أفريقيا وإخواننا وأخواتنا الفلسطينيين - خلال أحلك أيام النضال، وقفوا جنباً إلى جنب معنا، وكما اعتاد جدّي أن يقول، فخلال أحلك أيامنا في النضال، دعمونا ووقفوا إلى جانبنا، وأتذكر أن جدّي قال أيضاً إنّه خلال أصعب الأيام التي شهدناها في التاريخ، كانوا مصدر إلهام، إذ كانوا يشهدون الشجاعة البطولية للفلسطينيين الذين يقاتلون دولة الفصل العنصري.
هنا في جنوب أفريقيا، ظهر الفصل العنصري في عام 1948 مع صعود الحزب الوطني. في الوقت نفسه، ظهر النظام الإسرائيلي في عام 1948 عقب الكارثة التي تُسمى «النكبة».
لهذا السبب، عندما أطلق سراح جدي من السجن في عام 1990، زار غزة في عام 1995، وقال للشعب الفلسطيني إنّ «حريتنا لا تكتمل من دون حرية الشعب الفلسطيني». إنّ التضامن والتواصل اللذين نختبرهما كمواطنين جنوب أفريقيين، بعدما عانينا من وحشية نظام الفصل العنصري، يتيحان لنا بسهولة الاتصال مع إخواننا وأخواتنا الفلسطينيين. وقد قمت بنفسي برحلة إلى فلسطين في عام 2017، تعرضت خلالها لأمور مروعة. والكثيرون منا، بعدما سافروا إلى فلسطين المحتلة وعادوا، وصلوا إلى استنتاج موحد: إنّ ما رأيناه في فلسطين هو أسوأ أشكال الفصل العنصري التي يمكن اختبارها: عمليات الترحيل القسري من منازلهم والمستوطنات غير القانونية التي نراها في سلوان والخليل والقدس الجنوبية، تشكلان مثالاً واضحاً على انتهاكات القانون الدولي. كما شهدنا، خلال العبور من أريحا إلى رام الله إلى الخليل إلى القدس نقاط التفتيش التي تُظهر بوضوح أن النظام الصهيوني لديه مجموعة من القواعد لمن يعيشون في ظل نظامه وقواعد وتشريعات مختلفة لمن يعيشون في فلسطين المحتلة. يواجه الفلسطينيون فظائع ترتكب ضدهم بشكل يومي، حتى أن معظمهم يتعرضون للقتل. اليوم، قُتل ما يقرب من 100 فلسطيني، معظمهم من الأطفال، فيما الجماعات المعنية بحقوق الطفل، صامتة جميعها. وكل تلك المجموعات النسوية والتي تعنى بشؤون النساء تغضّ النظر عندما يتعلق الأمر بالنساء الفلسطينيات. ونحن كجنوب أفريقيين لم نعد نتسامح مع ذلك، ولهذا السبب نمارس الضغط على المؤسسات الدولية لاتخاذ موقف والتحدث علانية ضد هذا التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تركب بحق الفلسطينيين.

أين ترون مسار الاحتلال في فلسطين اليوم؟ ومن خلال رحلاتك إلى فلسطين، إلى أي حالة وصل الاحتلال اليوم؟
لقد زرت فلسطين مرة واحدة فقط في عام 2017، ويمكنني أن أؤكد لكم أنه لن يُسمح لي بالعودة مرة أخرى. نحن كجنوب أفريقيين نتنقل عبر أراضي بلدنا وقارتنا للترويج لدعم القضية الفلسطينية. نحن نضغط على برلمان عموم أفريقيا لضمان أنّ القضية الفلسطينية تحتل مكانة عالية على جدول الأعمال. كما عقدنا مؤتمرات في داكار وكذلك في كينيا للتعبئة.
نحن نجد أنفسنا متصلين بسهولة بالكفاح الفلسطيني، لأن الكثير منا اضطر إلى تحمل 350 عاماً من الاستعمار في جنوب أفريقيا، إلى جانب 50 عاماً من نظام الفصل العنصري الوحشي. ولكن في ما يتعلق بالانخراط في القارة الأفريقية، فاللوبي الإسرائيلي كان قوياً جداً في التسلل إلى دولنا، حيث أتوا ببرامجهم الأمنية لرؤساء دولنا، كما جلبوا تقنيات تحلية المياه إلى بعض البلدان. كان علينا أن نقوم بحملة معارضة لضمان حصولنا على دعم من القارة الأفريقية. بيد أنّه، ومن خلال ما يجري في جامعة الدول العربية، وفي العالم العربي أيضاً، فقد رأينا الأمور تتحول لمصلحة الفلسطينيين، إذ وبالرغم من تطبيع عدد من البلدان، بدأنا نرى عقب الهجمات والممارسات الوحشية الأخيرة، أنّ العديد من الدول داخل جامعة الدول العربية بدأت بالنظر في هذه المسألة واستمداد الدعم من بعضها البعض.
نحن، كناشطين على الأرض، نتحمّس جداً لرؤية السعودية وإيران تبدآن في إجراء محادثات، والقتال بين المملكة العربية السعودية واليمن يقترب من نهايته، ونستمد الأمل من الحوار عن دعم الفلسطينيين. الرسالة وصلت إلى المجتمع الدولي، سواء في أوروبا أو في كندا أو الولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب الدعم الساحق الذي ظهر من خلال الاحتجاجات في الشوارع، والذي يذكّر بالأعداد التي كانت موجودة في الشوارع لدينا خلال فترات حركة التضامن، وحملات مناهضة الفصل العنصري، وحملات «الحرية لمانديلا» (Free Mandela). نحن نعتقد أنّ نظام الفصل العنصري في إسرائيل هو حالياً في أسوأ حالاته، لأن الإسرائيليين باتوا يائسين وسيفعلون أي شيء لقتل المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال الفلسطينيين. ولذا علينا أن نكثف كفاحنا. ندعو جميع الفلسطينيين، أولئك الذين يقاتلون في الداخل وأولئك الذين يقاتلون عبر المجتمع المدني والخطوط الحزبية إلى أن يتوحدوا، وأن يضعوا برنامجاً للاحتجاج، ولتفتيت نظام الحكم الإسرائيلي من الداخل، لأنّ هذا هو السبيل لضمان وصولنا إلى الحرية في حياتنا. إلا أنّ تحرر الفلسطينيين لا يأتي فقط من المقاومة الداخلية، بل إننا ندعو أيضاً الفلسطينيين في الشتات للمشاركة. هناك ما يقرب من 7 ملايين فلسطيني في جميع أنحاء العالم، ويجب أن يصبحوا سفراء فعالين في نضالهم من أجل التحرير، وأن يكونوا أصوات الفلسطينيين الذين يقاومون في الداخل. ومن خلال ذلك، سنكون قادرين على تعبئة الأعداد التي نحتاجها بشكل فعال.

كما ذكرت، جماعات الضغط الصهيونية موجودة في جميع أنحاء أفريقيا وتغلغلت بعمق كما هي الحال في دول أميركا الجنوبية مثل تشيلي. برأيك، ما وضع النفوذ الصهيوني في أفريقيا اليوم؟
كانت هناك بعض المحاولات لتكثيف تغلغل بعض حركاتنا - حتى في «المؤتمر الوطني الأفريقي» [الحزب السياسي الحاكم الرئيسي في جنوب أفريقيا] الذي قدّم دعمه الكامل لفلسطين. نحن ندعو قطر، وندعو «حماس»، ولكن في الوقت نفسه يكون مجلس النواب اليهودي لجنوب أفريقيا حاضراً في اجتماعاتنا. ونحن مندهشون تماماً من هذا. لم يعد بإمكاننا التسامح مع حكومة تتعهد من ناحية بتقديم الدعم الكامل للشعب الفلسطيني، بينما تمنح من ناحية أخرى تأشيرات مجانية لجميع الصهاينة القادمين من إسرائيل القائمة على الفصل العنصري، فيما إخواننا ورفاقنا في السلاح في فلسطين يحتاجون إلى تأشيرة للمجيء إلى جنوب أفريقيا. وهذه هي المعايير المزدوجة التي ندعو حكومتنا إلى التخلي عنها. إذا كنا مخلصين لرفاقنا وإخواننا وأخواتنا في السلاح في فلسطين، فعلينا قطع جميع العلاقات مع «إسرائيل الفصل العنصري». هذا هو نداؤنا كناشطين على الأرض. يمكننا أن نكون أعضاء فخورين في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، لكن يجب أن ندلّهم على الخطأ عندما نراه. ولهذا السبب، في ما يتعلق بمسألة النضال الفلسطيني، لن نوفّر أحداً وسنقول الحقيقة للسلطة، وبالتالي نحن في منطق صادق ندعو إلى «عقد مؤتمر صادق للتضامن أجل فلسطين». ونحن نعقد أيضاً مؤتمراً دولياً لفلسطين. هذه هي المبادرات التي نقوم بها. لا يمكننا أن ندع كيان الفصل العنصري هذا ينعم بالحرية في القارة، بعدما كنا عرضةً لماضٍ من الاستعمار الوحشي والأنظمة الوحشية، التي أجبرتنا على النضال من أجل التحرر، والوصول إلى الحريات التي نملكها اليوم.

هل ترى مستقبلاً في جنوب أفريقيا لمقاومة الصهيونية بجميع أشكالها؟ وكيف تصف الجهود التي تبذلونها كناشطين ضد النفوذ الصهيوني في بلد له تاريخ غني في مقاومة الفصل العنصري؟
حزبنا والحكومة يتعاملان معنا بآذان صاغية. هما يستمعان إلى الناس، ويحاولان أن يعكسا بأفضل طريقة ممكنة القضايا التي تعبر عنها جماهير شعبنا. لدينا وزيرة استثنائية للعلاقات الدولية، وهي لم توفّر للحظة (ملاحقة) الفصلَ العنصري الذي تمارسه إسرائيل، ولا تخشى أبداً أن تسمّيهم على حقيقتهم. لقد وجّهتْ دعوة عالمية مفادها أنه إذا أرادت المحكمة الجنائية الدولية أن يأخذها القادة الأفريقيون على محمل الجد، فعليها إصدار مذكرة اعتقال بحق قادة الفصل العنصري الإسرائيليين جميعهم. نأمل في أن يبدأ القادة الشجعان مثلها في الظهور إلى الواجهة داخل منظمتنا وحكومتنا. لكننا نحتاج، في جميع أنحاء قارة أفريقيا، إلى التزامات ثابتة، وأن لا نعبّر عن دعمنا لفلسطين بالأقوال، إنّما بالأفعال أيضاً. في مقابلة في الولايات المتحدة، قال جدّي إنّ ياسر عرفات وفيدل كاسترو ومعمر القذافي قادة لا يدعموننا بالكلمات فحسب، بل يضعون الموارد بين أيدينا. وهذا ما يبحث عنه الفلسطينيون، وهذا ما يطلبه الفلسطينيون منا: منحهم الدعم اللازم لتحقيق الحرية خلال فترة حياتنا.