لم تفتك الحرب بما يدل على الحياة التي كانت في مخيم اليرموك. تدمّرت معظم الأبنية هناك، لكن بقيت بعض الشواهد على ما كان، كـ«الآرمات» المشيرة إلى أسماء الأطباء والمهندسين والمحامين وغيرهم، فضلاً عن المعاهد التعليمية الكثيرة التي كانت في المخيم.كانت تدبّ في تلك المعالم كلّها الحياة، وكل شيء توقف تدريجاً منذ الحرب في سوريا التي بدأت عام 2011، وتوقفت تماماً في كانون الأول 2012. لتبقى تلك المعالم، محملة بأحمال الحرب البادية بالثقوب التي حدثت بفعل رصاص الاشتباكات الكثيرة التي حصلت.

مخيم كان يحيا بالعلم
يندر أن يسلك السائر في شوارع المخيم عام 2011، من غير أن يرى ما يدل على عيادة طبيب أو مكتب مهندس أو محام أو صيدلي، معظم هؤلاء كانوا من أبناء المخيم، وقد تخرجوا من مدارسه إمّا التابعة لـ«الأونروا» أو الحكومية. بعض أسماء الأطباء وصلت شهرتها إلى المحافظات الأخرى، فأمّها الناس من كل مكان، لقضاء حوائجهم.
لكن الكثير من هؤلاء غادروا المخيم، وبعضهم غادر سوريا إلى أماكن جديدة، بعد أن اشتدت الحرب، ولم تضع أوزارها إلا قريباً. ومع عودة عدد من العائلات إلى المخيم، وصدمتهم بحجم الدمار، لم يجدوا لأبنائهم من الطلبة مدارس تستوعبهم، ولا سيما مدارس «الأونروا»، التي تدمّرت بشكل شبه كلي، فيشير تقرير لـ«الأونروا» عن الاحتياجات صدر في تشرين الأول 2018، إلى أن جميع منشآت المنظمة، البالغ عددها 23 منشأة في المخيم، وفي منطقة الحجر الأسود المجاورة، بحاجة إلى إصلاحات كبيرة وإعادة بناء.
ومثل تلك المحافل التعليمية، حدث في المؤسسات والمراكز الثقافية والتنموية، التي شهدت تدميراً هائلاً، جعلها أشبه بشجرة أصابها خريف الزمان، فلم يبقَ منها سوى أساسات البناء وبقايا الجدران. وكذلك المنشآت الرياضية والترفيهية، حل فيها ما حل بغيرها. وجميع هذه المنشآت، كما المباني السكنية، بحاجة إلى إعادة تأهيل أو بناء من جديد.

ما بعد 2018
مرّت سنوات الحرب ثقيلة على اليرموك، كما كل سوريا. وفي عام 2018، بعد أن تمكنت الحكومة السورية من إعادة إحكام السيطرة على المخيم وبدء عودة السكان تدريجاً ولو حتى بأعداد قليلة نسبياً، نسبة إلى أعداد السكان التي كانت في المخيم قبل 2012، وجدوا أنفسهم أمام تحديات كبرى، لها علاقة بإعادة بناء المرافق التعليمية في المخيم، وتأمين سبل الحياة الطبيعية في المكان.
وكان التفكير أولاً، باغتنام فرصة التعليم، وإعادة الاعتبار له في المخيم، كمساهمة لإعادة ربيع اليرموك المجتمعي، فسعت الجهات المعنية بشؤون اليرموك، إلى إعادة تأهيل مدرسة أسد بن فرات للمرحلة الدراسية الأساسية (الحلقة الأولى)، وبالفعل تم ترميم وتجهيز المدرسة، وتزويدها بالضروريات، كالمياه الصالحة للشرب، لتستقبل طلابها من جديد في 4 تشرين الأول 2022.
ومع إعادة النقل العام (سرافيس)، وباص النقل الداخلي، إلى سابق عهدها قبل الحرب، خفّت على السكان مشقة الوصول إلى الأماكن التي يرغبون في الذهاب إليها، الأمر الذي ساعد على الحياة.
مع إعادة النقل العام (سرافيس)، وباص النقل الداخلي، إلى سابق عهدها قبل الحرب، خفّت على السكان مشقة الوصول إلى الأماكن


أمّا على صعيد الطلبة، فوفرت وكالة «الأونروا» وسائل النقل لأكثر من 200 طالب وطالبة، تقلهم من المخيم إلى مدارسهم القريبة (طلال المفتي والمالكية) وبالعكس، وهذه المدارس، تتبع لـ«الأونروا»، لكنها مستضافة ضمن أبنية المدارس التابعة لوزارة التربية السورية.
تحققت بعض الخطوات الإيجابية على صعيد إعادة الاعتبار للتعليم، كقيمة ووجود بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في المخيم، بسبب سعي بعض اللجان التي تشكلت لهذا الغرض، من ناشطين وفاعلين وأهالي طلاب، وذلك بعد أن تمكنوا من الربط بين العودة إلى المخيم واستمرار التحصيل الدراسي، من دون أن يتأثر الطلبة. وعولوا حين انطلقوا بنشاطهم، على العديد من المنظمات الفلسطينية، التي أعادت افتتاح مكاتبها الطلابية داخل اليرموك.
مثلاً، حركة «الجهاد الإسلامي»، افتتحت «معهد بيت المقدس» التعليمي، للمرحلة الإعدادية والثانوية في حي العروبة، وتؤهل روضة للأطفال دون سن التعليم الإلزامي، في منطقة مشروع الوسيم وسط المخيم. و«الجبهة الديموقراطية» كذلك، افتتحت في مكتبها الطلابي، دورات مكثفة دورية، وأعادت إحياء «المكتبة الثقافية الفلسطينية» لتكون مساحة للطلاب، تتوافر فيها الكهرباء والأجواء الهادئة، للدراسة، وإنهاء الواجبات للمدرسة.
وأثناء ذلك، تعمل بعض القوى الفلسطينية على تأمين طاقم تعليمي نخبوي ومشهود له بالكفاءة لمساعدة الطلبة، بأسعار رمزية، بمبادرة يتطوع من أجلها الجميع. كما تقوم «رابطة فلسطين الطلابية» بتكريم سنوي لطلبة اليرموك، الذين نالوا شهادات المرحلتين الإعدادية والثانوية، وذلك ضمن حفل سنوي، وهو ما تقوم به أيضاً منظمة «الشبيبة الفلسطينية»، و«اتحاد الشباب الديموقراطي» (أشد).
إنّ الجهود الحكومية وغير الحكومية، في سبيل تعليم أبناء مخيم اليرموك، خطوات مهمة على طريق إعادة المخيم وأبنائه إلى الخط الصحيح في مسيرة التحصيل العلمي، الضروري، والذي يكمن فيه، ليس المستقبل وحسب، لكن فيه أيضاً أحد الأسلحة هائلة القوة في معركة التحرير.