تخطّى عدد الإصابات بفيروس «كورونا» في الولايات المتحدة حاجز الـ600 ألف، فيما سُجّل اليوم 2410 وفيات، ما رفع الحصيلة إلى أكثر من 26 ألف ضحية، ووصل عدد حالات الشفاء إلى أكثر من 38 ألف حالة، وذلك وفق موقع «Worldometer». ويزيد إجمالي الإصابات في الولايات المتحدة عن مجموع إصابات الدول الثلاث التي تتبعها في الترتيب. وتلي الولايات المتحدة في الترتيب إسبانيا بـ 177 ألفاً و633، وإيطاليا بـ162 ألفاً و488، ثم فرنسا بـ143 ألفاً و303. واليوم، ارتفع عدد الإصابات في نيويورك، الأكثر تضرراً من الفيروس، إلى 203 آلاف و337، بعد تشخيص 7 آلاف و191 إصابة.وسط ذلك، قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء أمس، تجميد تمويل منظمة الصحة العالمية ما أثار انتقادات من قادة العالم الذين دعوا إلى التضامن في وجه أزمة اقتصادية كبيرة تسبّب بها الوباء. قرار ترامب المفاجئ جاء فيما بدأ عدد من الدول تجربة تخفيف القيود التي فرضتها لاحتواء الوباء.
وتعتبر إدارة ترامب، التي تنتقد منظمات الأمم المتحدة باستمرار، أن منظمة الصحة العالمية اعتمدت بشكل كبير على التصريحات الرسمية الصينية بعد ظهور «كورونا» أواخر العام الماضي في مدينة ووهان الصينية. وقد انعكس ذلك في تصريحات ترامب بالأمس، إذ قال إن المنظمة «ارتكبت أخطاء» خلال أزمة كورونا تسبّبت في وفاة الآلاف، وأضاف أن «منظمة الصحة العالمية قدّمت معلومات خاطئة حصلت عليها من الصين التي تفشّى الفيروس على أراضيها». كما أشار إلى أن المنظمة الدولية «تأخّرت في التحذير من خطر كورونا، كذلك فشلت في الحصول على المعلومات الكافية، بشأنه، ونشرها بطريقة شفافة... وعزّزت التضليل الصيني بشأن الفيروس الذي من المرجح أنه أدى إلى تفشي الوباء على نطاق أوسع».
وحديث ترامب سبقه حديث لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الثلاثاء الماضي، إذ أكد أن بلاده تسعى إلى إحداث «تغيير جذري» في منظمة الصحة العالمية بعدما هدّدت واشنطن بحجب مساهماتها المالية للمنظمة في خضمّ الأزمة. وأضاف بومبيو في حديث مع «إذاعة فلوريدا»: «لقد قامت منظمة الصحة العالمية خلال تاريخها بعمل جيد. لكن للأسف لم تبل بلاء حسناً هذه المرة».
وقف التمويل عن المنظمة يعني توقف ما بين 400 إلى 500 مليون دولار من الوصول إلى هذا الجهاز الدولي، في وقت يتطلب كل الدعم والتكاتف الدولي لمواجهة تفشي الفيروس. وكانت واشنطن قدّمت مبلغ 453 مليون دولار للمنظمة خلال السنة المالية 2019، وهو 10 أضعاف ما قدمته الصين.
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤول أميركي كبير قوله إن تعليق المساهمة الأميركية في ميزانية منظمة الصحة العالمية سيدخل حيز التنفيذ فوراً، ما يعني أن التأثير سيكون سريعاً على أنشطة المنظمة. وتدفع واشنطن نحو 20% من إجمالي ميزانية الصحة العالمية بحسب بيانات الأخيرة، ما يعني أنها المانح الأكبر لها، وغيابها يعني أن المنظمة ستواجه نقصاً كبيراً في التمويل. ووفق الصحيفة فإن المسؤول أشار إلى أن «إدارة ترامب ستناقش توجيه الأموال التي كانت ستذهب إلى منظمة الصحة العالمية».
ولقي قرار ترامب تنديداً واسعاً في الداخل الأميركي، والعالم. وانتقد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي إليوت إنغل، القرار، مشدداً على ضرورة إجراء تحقيق بشأن إدارة المنظمة لمكافحة الوباء. واتهم إنغل إدارة البيت الأبيض بالسعي لإلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية والصين والخصوم السياسيين. فيما وصف السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي، القرار بـ«غير المنطقي»، ولا سيما أن العالم يواجه أسوأ وباء منذ قرن. كما انتقده بيل غيتس أحد مؤسسي شركة «مايكروسوفت» التي تُعد أول مساهم خاص في موازنة منظمة الصحة.
على الصعيد العالمي، انتقد الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، بشدّة قرار الرئيس الأميركي معتبراً أنّ «هذا ليس وقت خفض موارد» مثل هذه المنظّمة الأممية المنخرطة في الحرب ضدّ «كوفيد 19».
من جهته، علّق مدير المنظمة الدولية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على قرار ترامب بقوله على حسابه على «تويتر»: «لا وقت نضيعه. الشاغل الوحيد لمنظمة الصحة العالمية مساعدة كل الشعوب لإنقاذ الأرواح ووضع حد لتفشّي فيروس كورونا» بدون ذكر قرار ترامب. لكنه أعرب في مؤتمر صحافي اليوم الأربعاء، عن أسفه لقرار الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن «البحث جار لمعرفة تداعيات وقف التمويل الأميركي، والعمل على سدّ الفجوة الناتجة عن ذلك».
بدورها، حذّرت بكين، التي يلقي ترامب عليها باللوم منذ أسابيع، من أن القرار «سيقوّض التعاون الدولي في لحظات حرجة» من الوباء. وعبّر مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عن أسفه العميق لقرار ترامب وقال في تغريدة: «ليس هناك أيّ سبب يبرر» هذا القرار، فيما أسف الاتحاد الأفريقي «بشدة» لقرار ترامب.
من جانبه، كتب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في تغريدة: «علينا العمل بتعاون وثيق ضد كوفيد 19... أحد أفضل الاستثمارات هو تعزيز الأمم المتحدة وخصوصاً منظمة الصحة العالمية التي ينقصها التمويل مثلاً لتطوير وتوزيع معدات الفحص ولقاحات»، مؤكداً أن «إلقاء اللوم لا يفيد» في الظروف الصحية الحالية. أما المتحدث باسم حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، شتيفن سيبرت، فقال في مؤتمر صحافي، اليوم، إن منظمة الصحة العالمية تقوم «بعمل مهمّ للغاية... والحكومة مقتنعة بضرورة دعم وتمويل المنظمة بشكل كافٍ».
إلى ذلك، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية سيبيت ندياي، أن فرنسا تأسف لقرار ترامب، مضيفة أنها تأمل «عودة الأمور إلى طبيعتها» لتتمكن المنظمة من مواصلة عملها.
روسيا بدورها ندّدت بما اعتبرته «مقاربة أنانية جداً» من جانب الولايات المتحدة في مواجهة «كورونا». وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن «إعلان واشنطن تعليق تمويل منظمة الصحة العالمية يثير قلقاً كبيراً. إنه يعكس المقاربة الأنانية جداً للسلطات الأميركية في مواجهة ما يحصل في العالم»، مضيفاً أن «توجيه مثل هذه الضربة إلى منظمة الصحة على مرأى من المجتمع الدولي يُعد خطوة تستحق التنديد والإدانة».
من جهتها، أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا، أن قرار الرئيس الأميركي «يثبت أن الولايات المتحدة تحتاج دائماً إلى كبش محرقة».