وصلت عدوى الاحتجاجات ضد العنصرية، والتي فجّرها مقتل الشاب جورج فلويد على يد ضابط شرطة أميركي في 25 أيار/ مايو الماضي، إلى داخل الإدارة الأميركية، إذ استقالت مسؤولة بارزة من أصل إفريقي من وزارة الخارجية بسبب طريقة تعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع ملف التوتر العرقي، قائلة إن تصرفاته «تتعارض بقوة مع قيمي الأساسية ومعتقداتي».ووفق صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، فقد قدمت ماري إليزابيث تايلور، مساعدة وزير الخارجيّة الأميركي للشؤون القضائيّة، استقالتها معلّلة سببها بـ«تعليقات الرئيس وإجراءاته في ما يتعلّق بالظلم العنصري وبالأميركيّين السود (التي) تتعارض مباشرةً مع قيمي ومعتقداتي».
وأضافت الصحيفة إن تايلور كتبت في رسالة استقالتها التي قدّمتها إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، إنّ «تعليقات الرئيس وإجراءاته في ما يتعلّق بالظلم العنصري وبالأميركيّين السود تتعارض مباشرةً مع قيمي ومعتقداتي». وتايلور البالغة الثلاثين من عمرها، هي الشخص الأصغر سناً الذي يتم تعيينه في هذا المنصب وأول امرأة سوداء تشغله.
من جهته، امتنع متحدث باسم الخارجية عن التعليق على استقالة تايلور قائلاً: «لا نعلق على أمور شخصية»، فيما أشار موقع الخارجية إلى أن تايلور تولت منصبها في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

«حقوق الإنسان» يدين العنصرية
بعد أيام على انطلاق نقاشات الأمم المتحدة التاريخية حول مشروع قرار يدين الممارسات العنصرية التمييزية والعنيفة للشرطة في الولايات المتحدة وباقي العالم، بعد النداء الذي وجهه شقيق جورج فلويد، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع اليوم، قراراً يدين العنصرية الممنهجة والعنف الأمني دون الإشارة إلى الولايات المتحدة.
وتبنى المجلس الذي انسحبت منه واشنطن عام 2018 مشروع القرار الذي تقدمت به دول إفريقية في إطار اجتماع طارئ دعت إليه عقب مقتل فلويد.

«تويتر» يتهم ترامب بالتلاعب
خطوة جديدة ضد الرئيس الأميركي اتخذتها شركة «تويتر» اليوم، إذ صنّفت فيديو نشره الرئيس أمس على حسابه في موقعها للتواصل الاجتماعي بـ«التلاعب».
ويظهر الفيديو المنشور على حساب ترامب طفلاً من ذوي البشرة البيضاء وهو يلاحق طفلاً آخر من أصول إفريقية في الشارع، وذلك بنغمة متوترة وتحت عنوانين: «طفل مرعوب يهرب من طفل عنصري... من المرجح أن الطفل العنصري من ناخبي ترامب». وتلي ذلك لقطات أخرى تحت عنوان «وهذا ما حصل في الواقع»، وهي تظهر، بنغمة لطيفة، هذين الطفلين يحضن أحدهما الآخر، قبل أن يركض الطفل ذو البشرة السوداء ويلاحقه صديقه. ويختتم الفيديو بعنوان: «الأخبار الكاذبة موجودة، وعندما ترى شيئاً قل شيئاً. بإمكانك وحدك منع كابوس الأخبار الكاذبة».
ووضع «تويتر» علامة «التلاعب» تحت هذا الفيديو، لافتاً إلى أن تلك اللقطات التي بثتها شبكة «سي إن إن» الأميركية، في أيلول عام 2019، في خبر عن الصداقة الوثيقة بين الطفلين، رغم الاختلاف في لون بشرتهما، تعرضت لإعادة مونتاج لدى نشرها على حساب ترامب. ولفت «تويتر» إلى وضع عناوين إعلامية مفبركة منسوبة إلى «سي إن إن» في نسخة الفيديو التي نشرت على حساب ترامب.
في المقابل، رد ترامب اليوم، على إجراءات «تويتر» معرباً عن غضبه، ومبدياً رغبته في إغلاق موقع التواصل الاجتماعي إذا حصل على الصلاحيات التنفيذية المطلوبة. يُذكر أن ترامب كان قد وقّع أواخر أيار الماضي مرسوماً تنفيذياً ينزع عن مواقع التواصل الاجتماعي الحماية القانونية من المقاضاة التي تتمتع بها حالياً، متهماً إياها بالتحيّز التحريري.

تظاهرات عدة
تحيي الولايات المتحدة الجمعة ذكرى إنهاء العبودية في خضم اضطرابات أوقد شرارتها عنف الشرطة غير المبرر، ومن خلفه العنصرية والتمييز اللذان لا يزالان حاضرين تجاه الأميركيين السود. ومن المرتقب مشاركة الآلاف في عدة تظاهرات تمتد من نيويورك إلى لوس أنجلوس لمناسبة الذكرى 155 لما يسمى بـ«جونتينث» (دمج حزيران/ يونيو و19 وفق لفظهما بالإنكليزية)، وهو اليوم الذي أدرك خلاله «العبيد» في غالفستون في تكساس أنّهم صاروا أحراراً.
وصباح اليوم بالتوقيت المحلي، كانت عدة شوارع في وسط العاصمة واشنطن مغلقة أمام حركة السير، وسط انتشار واسع النطاق للشرطة في محيط البيت الأبيض والساحة المسماة حديثاً «حياة السود تهمّ»، حيث يتوقع أن يلتقي المتظاهرون خلال النهار.

إزالة صور
برغم أنّ دونالد ترامب ندد بمقتل فلويد وبروكس، لكنّه أضاع فرصة الظهور كرئيس جامع. فبدلاً من ذلك، انتقد المتظاهرين في عبارات نُظِر إليها على أنّها تحمل إيحاءات عنصرية. وسكب الملياردير الجمهوري الزيت فوق النار من خلال دعوته إلى تجمع انتخابي واسع في تولسا بولاية أوكلاهوما، تزامناً مع ذكرى إنهاء العبودية. ولا تزال ذاكرة هذه المدينة مطبوعة بذكرى واحد من أسوأ أعمال الشغب العنصرية، إذ إنّها شهدت عام 1921 مقتل ما يصل إلى 300 أميركي من اصول إفريقية على يد حشد من البيض.
ووصِف خيار ترامب بأنّه استفزازي، ما اضطرّه إلى إرجاء التجمع ليوم واحد. ودفعت هذه التظاهرات والاحتجاجات بالأميركيين إلى إعادة النظر في تاريخ بلدهم الذي مزقته مسألة العبودية التي كانت نظاماً وفّر الازدهار الاقتصادي.
وتكررت الدعوات إلى إزالة نصب تكرّم جنرالات ومسؤولين كونفدراليين في زمن الحرب الأهلية (1861-1865)، وهي منتشرة في جنوب البلاد، وجرت إزالة بعضها.
ومنعت سباقات ناسكار للسيارات رفع أعلام الكونفدرالية في الحلبات، إذ غالباً ما ترفعها حشود في الجنوب حيث تشتهر هذه السباقات. وأمرت زعيمة الديموقراطيين في الكونغرس نانسي بيلوسي الخميس بإزالة صور لأربعة رؤساء سابقين لمجلس النواب لأنّهم انحازوا إلى أنصار الكونفدرالية.
كما منحت شركات كبيرة على غرار «نايكي» و«تويتر» عطلة لموظفيها لإحياء الذكرى. وبرغم المكاسب التي سجّلت في الخمسينيات والستينيات بفعل حركة الحقوق المدنية، ما زال السود الذين يمثلون نحو 13% من السكان يعانون من التهميش. إذ تعاني هذه الأقلية من نسب فقر عالية وهي غير ممثلة بشكل منصف على المستوى السياسي.
وضاعفت أزمة تفشي وباء «كوفيد 19» هذا الواقع، إذ ارتفعت معدلات البطالة بين السود بشكل كبير وسط الشلل الذي أصاب الاقتصاد الأميركي. وفي ظل عمل السود عموماً في أعمال أساسية ولكنّها منخفضة الأجور، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالفيروس.