جرى تداول مفهوم الجهاد الإلكتروني للمرة الأولى في آب 2008، عندما أصدر الأزهر فتوى ذكرت جواز استخدام التكنولوجيا الحديثة في الهجوم على المواقع الإسرائيلية والأميركية، التي تُسيء للإسلام والمسلمين، على أساس أن ذلك نوعٌ من أنواع الجهاد المعاصر. وأوضحت الفتوى أن «مِن مزايا شريعة الإسلام أنها حدّدت مفاهيم الألفاظ تحديداً واضحاً دقيقاً حتى تتضح الأمور؛ فحددت معنى كلمة «الجهاد» في الإسلام، وأنه مأخوذ من الجهد بمعنى المَشَقّة والتعب، فالمجاهد هو من بذل أقصى طاقته في دفع عدوان المعتدين، وفي تأديب البغاة والظالمين». واستطردت: «ومن هنا فما ظهر عبر شبكات ما يسمى «الجهاد الإلكتروني» أمر جائز شرعاً».وكان علماء دين مغاربة قد أجمعوا على أن هجوم قراصنة شبان على العديد من المواقع الإلكترونية الإسرائيلية، وتدمير بعضها، يعدّ عملاً مشروعاً ويدخل في إطار «الجهاد الإلكتروني».
ويرى خبير المعلوماتية الألماني ألبريشت هوفهاينز أن مفهوم الجهاد الإلكتروني ظهر في تسعينيات القرن الماضي، ولم يكن له بداية علاقة بقرصنة الإنترنت، بل استخدمته مجموعات من الطلاب المسلمين في أميركا لتعبئة الرأي العام لمصلحة «المجاهدين الحقيقيين»، أو لمصلحة حركات التحرر في العالم الإسلامي، مثل كشمير والبوسنة والشيشان.
هذه كانت الشعارات الكبيرة في ذلك الوقت، أما عمليات الهجوم والقرصنة الإلكترونية فتزايدت كثيراً بعد عام 2000، مع بدء الانتفاضة الثانية في فلسطين، من جانب الاسرائيليين كما من جانب الفلسطينيين.
الأمر يختلف كلياً في حالة «تنظيم القاعدة»، الذي استغلّ الشبكة للتجنيد وتخطيط العمليات وتبليغ الأوامر.
وتشرح مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، الصادرة في كانون الثاني الماضي، كيفية استفادة تنظيم «القاعدة» من الشبكة العنكبوتية. وتكشف، في تقرير تحت عنوان «جيش الخبراء الجهاديين»، عن أن الطبيب الأردني همام خليل البلوي، الذي فجّر نفسه في 30 كانون الأول 2009 في قاعدة أميركية في أفغانستان وقتل سبعة من ضباط وكالة الاستخبارات الأميركية، كان أحد «الخبراء الجهاديين» الذين باتوا يمثلون الوجه الأحدث للتنظيم في حروبه، التي يخوضها ضد الغرب على الشبكة العنكبوتية قبل أرض الميدان.
وكان البلوي يحمل لقب «أبو دجانة الخراساني» (قبل أن يصبح عميلاً أردنياً). وكان يُمد قرّاءه عبر الإنترنت بسيل من الخطابات الجهادية منذ أوائل عام 2007. كذلك تشير المجلة إلى أن ارتقاء البلوي من مجرد مشارك شغوف في غرف الدردشة الإلكترونية إلى مدير منتدىً جهادي للصفوة، ثم إلى خبير إنترنت محنّك، وبعدها إلى انتحاري منتصر، قد ساعد في تشكيل مسار يمكن الجهاديين الإلكترونيين أن يحذوا حذوه في نهاية المطاف.
وتكشف المجلة أيضاً أن أعداد الجهاديين الذين يعملون على الإنترنت ويتحولون إلى إرهابيين فعليين على أرض الواقع باتت في تزايد، ومنهم هؤلاء الذين جُنّدوا إلكترونياً مثل الرائد نضال مالك حسن والشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب والكويتي بدر الحربي، وأخيراً، البلوي.
وترى المجلة أن هؤلاء الجهاديين نجحوا من خلال تلك الطريقة، في تعليم غيرهم من الجهاديين الإلكترونيين تطوير لوحات المفاتيح الخاصة بحواسيبهم وتحويلها إلى أحزمة ناسفة. وتشير إلى أنه، من خلال الخطب الطويلة التي نشرها في منتديات تمجّد الذين يحملون شعلة «القاعدة»، ساعد البلوي في تضييق المسافة الفاصلة بين مقاتلي الحركة الجهادية العالمية والمتعاطفين معها على الإنترنت.
وفي الوقت الذي سعى فيه البلوي إلى تطوير قدراته، على نحو بات فيه من الممكن أن يُطلق عليه صفة «خبير جهادي»، لم يكن معظم الأميركيين على دراية بهذا النوع من التوجه «القاعدي»، كما لم تعط الحكومة الأميركية أولوية لقراءة تلك الكتابات عبر الإنترنت وتحليلها، أو حتى ترجمتها، لأنها لم تكن تحتوي أي معلومات ذات صلة بعمليات محتملة للتنظيم. ومع هذا، تلحظ المجلة أن المستشارية الجهادية أصبحت جزءاً أساسياً في عملية التطرف عبر الإنترنت لكل من منتجيها ومستهلكيها على حدّ سواء.
وبحسب موقع «اليقين» الإعلامي، المناصر لتنظيم «القاعدة»، فإن البلوي كان يعمل بهويتين مختلفتين على شبكة الإنترنت. اللقب الأول الذي لم يسبق الكشف عنه خارج العالم الإلكتروني الجهادي، هو «مالك الأشجاعي» (اسم أحد صحابة النبي محمد). وقد عمل البلوي بموجب تلك الهوية مشرفاً أو مديراً لأبرز منتدى يتبع «القاعدة» ويُعرف بـ«الحسبة». أما اللقب الثاني، فهو ما كان يشتهر به البلوي أكثر، وهو «أبو دجانة الخراساني» الذي ساهمت كتاباته، جنباً إلى جنب مع حفنة أخرى من الخبراء الجهاديين، في تجاوز الهوة بين تفكير القيادة العليا للقاعدة وبين حركتها العالمية القائمة على شبكة الإنترنت.


لدى الحديث عن «الجهاد الإلكتروني» يقفز إلى الواجهة اسم الشيخ اليمني الأميركي أنور العولقي (الصورة)، الذي وصفته صحيفة «التايمز» البريطانية في الثالث عشر من كانون الثاني الماضي بـ«أسامة بن لادن الإنترنت». وذاع صيته بعيداً حتى صارت بعض مواعظه ومشاركاته الفقهية منشورة ومتوافرة على «يوتيوب»، وهي في غالبها تتحدث عن معاني القرآن ودروسها، إذ برع في الجمع برسائله، بين المعرفة بالتقاليد الدينية، والإحاطة بمقتضيات الإعلام الجديد.