خاص بالموقع - أقدم محمد البوعزيزي، وهو شاب في مقتبل العمر، على إحراق نفسه في حركة احتجاجية على بطالته المستمرة، لتطلق شرارة احتجاجات واسعة بمدينة سيدي بوزيد التونسية ومدن مجاورة لها منذ عشرة أيام.أما محمد العماري، البالغ من العمر 26 عاماً، فقد قتل برصاص الشرطة حين خرج يوم السبت الماضي في تظاهرة بمدينة بوزيان التابعة لسيدي بوزيد، للمطالبة بالعمل بعدما أصبح من العاطلين رغم أنه حاصل على أستاذية في الفيزياء منذ ثلاثة أعوام.
وفي أحد المقاهي، انزوى الشاب ماهر، يحتسي قهوة ويدخن السيجارة تلو الأخرى وبين يديه صحف بالعربية والفرنسية، كان يفتش بين صفحاتها على أمل العثور على فرصة عمل قد تحسّن أوضاعه المادية السيئة، وتضع حدّاً لبطالته المستمرة منذ أربعة أعوام بعدما نال أستاذية في التاريخ.
ماهر قال إنه طرق كل الأبواب، وقدّم العديد من المطالب لمؤسسات حكومية وخاصة، وسجل اسمه في مكتب تشغيل متخرجي التعليم العالي، لكنه فقد الأمل بعد هذا الانتظار في العثور على عمل، وأصبح يفكر جدياً في الهجرة إلى أوروبا ولو عبر أحد مراكب الموت.
وبين البطالة والهجرة، اختار آلاف الشبان العمل في مراكز الاتصالات الأجنبية مؤقتاً في انتظار حصولهم على عمل رسميّ.
وتقول نائلة، وهي حاصلة على أستاذية في تدريس الرياضة منذ 2004 «طال انتظاري لوظيفة في القطاع الحكومي. وجدت الحل في العمل بمركز نداء (مركز اتصالات) فرنسي نُستغلّ فيه بفظاعة من خلال الأجر القليل الذي نأخذه رغم ساعات العمل الطويلة التي نقضيها بالعمل».
وتضيف «لكن يبقى العمل هنا أرحم من بطالة قد تعمّق المشاكل المادية، وتؤدي إلى الجمود الفكري والجسدي».
وتعدّ نائلة أكثر حظاً من آلاف الشبان الآخرين ممن فشلوا في إيجاد فرص عمل تتلاءم مع إمكاناتهم العلمية.
هذا المشهد القاتم دقّ ناقوس الخطر للحكومة التونسية التي تسعى إلى مواجهة هاجس البطالة كي تتفادى مزيداً من الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد.
وأصبحت ظاهرة بطالة متخرجي التعليم العالي في تونس من أبرز التحدّيات التي تؤرق الحكومة التونسية، التي تحاول أن تحشد جهودها لإيجاد فرص عمل لهذه الفئة التي تمثل خُمس إجمالي العاطلين من العمل، البالغ عددهم نحو 500 ألف وفقاً لأرقام رسمية.
وفيما يشكك خبراء في أرقام الحكومة ويقولون إنها أعلى بكثير، تشير المعطيات الحكومية إلى أن الوضع لن ينفرج قريباً مع ارتفاع عدد متخرجي التعليم العالي إلى نحو 80 ألفاً سنوياً، بعدما كان لا يتجاوز 40 ألفاً خلال السنوات الخمس الماضية.
وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد تعهد العام الماضي توفير 415 ألف فرصة عمل جديدة حتى 2014 والتقليص من نسبة البطالة التي تبلغ حالياً 14 بالمئة.
وألقى وزير الشباب، سمير العبيدي، في وقت سابق من هذا العام باللوم على عدم إتقان العديد من متخرجي التعليم العالي للغات الأجنبية مثل الإنكليزية والألمانية.
وقال «الشهادات الجامعية أصبحت لا تكفي وحدها. إنها الحد الأدنى المطلوب. على الشبان الباحثين عن فرص عمل حقيقية إجادة لغتين أجنبيتين على الأقل والتمكن من وسائل التكنولوجيا الحديثة»، موضحاً أن من لا يملك هذه المؤهلات يفتقر إلى إمكانيات التشغيل.
من جهة ثانية، أوضح وزير التشغيل، محمد العقربي، أن بلاده تكثّف جهودها للتقليص من هذه المعضلة من خلال تنظيمها دورات مستمرة في اللغات الأجنبية والتكنولوجيات الحديثة لمتخرجي التعليم العالي، وحوافز ومنح مالية تقدم للمؤسسات التي تشغل هذه الفئة.
ولفت إلى أن الحكومة تشجع أيضاً الشبان على الانخراط في مشاريع خاصة من خلال تقديم مساعدات وقروض.
كذلك، يتحدث مسؤولون تونسيون عن سعيهم إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لتونس بهدف خلق مزيد من فرص العمل، لكن خبراء قالوا إنه يتعين على تونس تحسين مناخ الاستثمار والقيام بمزيد الإصلاحات.
ورأى الخبير الاقتصادي فتحي الجربي، أنه «يجب على تونس تحسين مناخ الاستثمار لجلب شركات أجنبية كبرى، توفر عدداً كبيراً من فرص العمل».
وقال إن الشركات الموجودة في تونس لا تساهم بفاعلية في تقليص بطالة حاملي الشهادات العليا، داعياً الحكومة إلى إقامة مشاريع ذات قيمة مضافة عالية، لتسريع النمو الاقتصادي واستيعاب الطلبات على العمل.

(رويترز)