بشير البكر في الرابع من كانون الثاني سنة 1984، استفاقت تونس على هبّة شعبية كبيرة عُرفت باسم «انتفاضة الخبز». حينها شملت التحركات الاحتجاجية معظم المدن التونسية، وخلّفت أضراراً فادحة في الممتلكات العامة والخاصة، كاشفةً عن هشاشة فادحة في الموقفين الأمني والسياسي، إذ إن الانتفاضة استمرت أياماً عدة، في ظل غياب تام للسلطة والمعارضة.

لم يجد الرئيس، حينها، الحبيب بورقيبة، إلا عزل وزير الداخلية إدريس قيقة سبيلاً لاحتواء الموقف، والتراجع عن قرار رفع الدعم عن المواد الأولية، الذي اتخذته حكومة محمد مزالي، متجاهلاً المغزى السياسي للمسألة.
ومن بين القرارات التي اتخذها بورقيبة لمعالجة تداعيات الوضع الجديد، استدعاء سفيره في بولونيا الجنرال زين العابدين بن علي، وتعيينه في منصب مدير الأمن الوطني، الذي سبق له أن شغله لفترة قصيرة سنة 1978 خلال أحداث قفصة في الجنوب التونسي. وكان واضحاً أنّ المهمة الأساسية المناطة ببن علي هي امتصاص آثار «انتفاضة الخبز»، لذا كان حذراً جداً من تكرار فشله في مواجهة أحداث قفصة.
بدا المشهد واضحاً أمام بن علي، فالهبّة الجماهيرية بدأت عفوية بسبب رفع الدعم عن المواد الأولية، لكنّ المعارضة النقابية والإسلامية والقومية حاولت ركوب الموجة، وسارعت إلى استثمار الانتفاضة لإحداث تغيير شامل، وطرحت للمرة الأولى نقاشاً مفتوحاً بشأن أهلية استمرار بورقيبة رئيساً مدى الحياة، ولا سيما أن «محرر تونس وباني نهضتها الحديثة»، كما كانت تلقّبه الأدبيات الرسمية، قد دخل في مرحلة خريف العمر، وغلبت على قراراته أعراض الشيخوخة.
وكان 1985 عاماً مفصلياً في تاريخ تونس البورقيبية، حين بدأ بن علي يرسم الطريق لمساره الطويل، مستهلّاً بالهجوم على المعارضة، التي شرع بتوجيه ضربة إلى رأسها، الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل الحبيب عاشور، واقتياده إلى السجن. ولفتت هذه الخطوة الأوساط كلها، لأن بن علي تجرأ على الرجل الذي كان يحسب حسابه حتى من طرف بورقيبة نفسه، إذ إن التونسيين كانوا يقولون إن البلاد متوازنة بالحبيبين، الحبيب بورقيبة والحبيب عاشور، فكل منهما يمثّل قطباً وزعامة ذات نفوذ ومرجعيات. الأول مثّل تونس الحديثة، التي كان هواها العام يميل إلى الانفتاح على الغرب سياسياً واقتصادياً وثقافياً، بينما الثاني كان رمز الطبقة العاملة، التي تمثّل العمود الفقري للاقتصاد.
تكمن قوة عاشور في أنه أحد أعلام الاستقلال، والقطب الرئيسي لاتحاد العام التونسي للشغل، الذي برهن على حضوره ونفوذه من خلال جملة من المواجهات مع بورقيبة. وتمكّن عاشور مرات عدة من ليّ ذراع «المجاهد الأكبر»، ليضفي على العمل النقابي صبغة سياسية، ويفرض زعامته ليس بين النقابيين فقط، بل في تونس ككل. وكثيراً ما كان يجري النظر إلى هذا الحضور كوريث شرعي وبديل للمرحلة البورقيبية، التي كانت قد بدأت تستهلك نفسها، ولم تبرز من بين صفوفها وجوه جديدة قادرة على تجديد دمها، ذلك أن بورقيبة لم يترك فرصة لشخصية سياسية يمكنها أن تخلفه، وحرق مجايليه وخلفاءه المحتملين واحداً بعد الآخر، من أمثال صالح بن يوسف وأحمد بن صالح وأحمد المستيري.
وبعدما سجن بن علي الحبيب عاشور وشق الاتحاد التونسي للشغل، اتّجه نحو المعارضة الإسلامية، ممثّلة بحركة النهضة التي كانت في أوج صعودها، فاتهمها بالإرهاب والقيام بتفجيرات ضد مقارّ الحزب الحاكم (الحزب الدستوري).
وكان ذلك ذريعة لفتح معركة مع التيار الإسلامي ككل، فوجد الفرصة سانحة ليكيل له ضربة قاصمة، بدأت بسجن قادته البارزين، أمثال علي العريض وعبد الفتاح مورو وصالح كركر والحبيب المكني، الذين انضموا الى زعيم الحركة راشد الغنوشي، الذي كان قد اعتُقل سنة 1981، وحُكم عليه بالسجن لمدة 11 عاماً.
لم تسلم المعارضة القومية واليسارية من سطوة بن علي، الذي رأى فيها رافداً من روافد الاتحاد التونسي للشغل في الأوساط الطالبية وهيئات حقوق الإنسان والتجمعات الثقافية. وأتاح ضرب هذا الوسط الديناميكي الفرصة لبن علي لإحكام قبضته على الجامعات في صورة رئيسية، لكونها كانت تمثّل خزان الاحتجاج ورصيد المعارضة السياسية.
في السابع من تشرين الثاني سنة 1987، خرج بن علي من ظل بورقيبة، وأطل من على شاشة التلفزيون بشعره المصفّف بعناية والمضمّخ بالزيت والمصبوغ لإخفاء بعض شعيرات الشيب التي بدأت بالظهور على سالفيه. في تلك الليلة قرر بن علي أن يقصي والده الروحي، كما كان يسمّيه، مستنداً إلى بند دستوري يجيز إعفاء الرئيس بسبب «العجز عن الحكم»، في ما سمي حينها «الانقلاب الطبّي».
وفي اليوم التالي، حفلت الصحف الفرنسية بتسريبات تتحدث عن انقلاب خاطف، قطع الطريق على انقلاب آخر كانت تُعدّ له حرم بورقيبة، الماجدة وسيلة، التي كانت تعمل على إعداد شخصية أخرى كخليفة لزوجها، وهي اختارت خصم بن علي، الوزير محمد الصياح. وكشفت ابنة شقيقة بورقيبة، سعيدة ساسي، أنّ خالها كان ينوي إقالة بن علي واستبداله بالصياح.
ومن المفارقات الغريبة أنّ انقلاب بن علي لقي ارتياحاًَ لسببين: الأول أنه وضع حداً للصراع على السلطة بين عدة أجنحة من داخل القصر وخارجه، وسط تقاطعات إقليمية ودولية، والثاني أنّ بن علي قام بخطوة انفتاح تمثّلت في الإفراج عن زعماء المعارضة النقابية والإسلامية، الذين سبق له أن أودعهم السجن، وفي مقدمتهم الحبيب عاشور والغنوشي، وأتبع ذلك بسلسلة من الانفراجات في إطار أسس دولة القانون، إذ ألغى نظام التوقيف الاحتياطي للأشخاص، وحدده بأربعة أيام فقط، وحلّ محكمة أمن الدولة التي حاكمت أعضاء الحركات الإسلامية التونسية، وأصدر مرسوماً يلغي التعذيب «رسمياً»، وسمح بتأسيس فرع لمنظمة العفو
الدولية. هذه، وغيرها من الإجراءات، ساعدت على انضمام كثير من مثقفي تونس وأكاديميّيها إلى مؤيدي بن علي، بل نُقل عن راشد الغنوشي قوله «أثق بالله وببن علي».
وفي فترة قصيرة أطلق النظام سراح ما يقرب من 2400 سجين سياسي، كان الرئيس الجديد قد اعتقلهم أصلاً عندما كان مسؤولاً في النظام
السابق. لكن الربيع التونسي لم يدم طويلاً، وسرعان ما ظهرت ملامح دولة جديدة تتأسس على القمع الأمني والفساد، وتفشّى في الشارع الحديث عن التجاوزات واستغلال النفوذ ونهب المال العام، وجلّها ينسب إلى عائلة بن علي وزوجته ليلى، وبات شقيق بن علي، منصف، حديث الصحافة، واشتهر بتجارة المخدرات، ولاحقه القضاء الفرنسي وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات.
أما عائلة زوجته (الطرابلسي)، فصار لها موطئ قدم في الأعمال، من السياحة إلى الزراعة مروراً بالعقارات وتوزيع المحروقات وكذلك البناء. وركّزت إحدى وثائق «ويكيليكس»، الصادرة بتاريخ 23 حزيران عام 2008، التي كتبها السفير الأميركي روبرت جوديك، على زوجة الرئيس ليلى بن علي، حيث يرى التونسيون أنها تنتهك النظام انتهاكاً صارخاً، ما يجعلها مكروهة.
ويعدّ شقيق ليلى، بلحسن طرابلسي، الأكثر فساداً وتورطاً في مشاريع فاسدة، والأكثر ابتزازاً للحصول على الرشى. وتعطي الوثيقة مثلاً بحصول ليلى بن علي على أرض في قرطاج بقيمة 1.5 مليون دولار أميركي لتشييد مدرسة قرطاج الدولية، إلّا أن النتيجة كانت أن باعت ليلى المدرسة لمستثمرين بلجيكيين. وتضيف الوثيقة إنه في عام 2006، سرق معاذ وعماد الطرابلسي يختاً لرجل الأعمال الفرنسي برونو روجيه. ويحفل كتاب الصحافيين الفرنسسيين نيكولا بو وجان بيير توكوا «صديقنا بن علي» بسلسلة من الأحداث ذات المغزى، ومنها على سبيل المثال قصة مروان بن زينب، الطالب اللامع المهتم بالمعلوماتية الذي توفي في «حادث سير» بعدما أسرّ لأقربائه بأنه حين تمكّن من اختراق النظام المعلوماتي الإلكتروني لقصر قرطاج «وجد قائمة بعملاء الاستخبارات الإسرائيلية الموساد، المعتمدين رسمياً في تونس لمراقبة القيادة الفلسطينية».


ليلى رئيسة!

الوجه الآخر للملهاة التونسية يكمن في قضية الرئاسة. فالدستور يجيز للرئيس ولايتين رئاسيّتيين متتاليتين، مدة كل منهما خمس سنوات، وبالتالي كان على بن علي أن يرحل في سنة 1997، لكنه أجرى تعديلاً يجيز له ولاية ثالثة انتهت في سنة 2002. ومن ذلك الحين كرّت سبحة التعديلات الدستورية، التي مدّدت لبن علي حتى سنة 2014. بعد هذا التاريخ سيكون على الرئيس التونسي تعديل الدستور مرة أخرى، إذا رغب في ولاية رئاسية جديدة، لأن سنّه ستكون قد تجاوزت سقف الدستور بسنة واحدة. لا أحد يستطيع التكهن، فقد يُفصّل بن علي الدستور على مقاسه مرةً أخرى، أو أنه سيفسح الطريق لزوجته كي تخلفه، كما تتحدث الأوساط التونسية. فليلى الطرابلسي (الصورة)، صاحبة صالون الحلاقة حتى سنة 1992 قبل أن تقترن ببن علي كزوجة ثانية، تدربت على شؤون الحكم، إلى حد أنها تلقي الخطابات نيابةً عن الرئيس.



الانتفاضة الشعبية التونسيّة: ثورة على الكبت السياسي



الانتفاضة الشعبية، التي شهدتها العديد من محافظات تونس احتجاجاً على البطالة وتردي الأوضاع الاجتماعية، لا تزال تعيش مرحلة تمدّد يظهر أنها أبعد من حركة مطلبية، بل ثورة على مرحلة كبت سياسي مستمرة منذ عام 1987

تونس ــ سفيان الشورابي
مشاهد فظيعة وشهادات مثيرة نقلتها مقاطع فيديو روّجت لها أخيراً «اللجنة المحلية لمتابعة الأضرار» التونسية في إحدى مدن محافظة سيدي بوزيد (210 كيلومترات جنوب العاصمة تونس)، عن ممارسات رجال مكافحة الشغب أثناء قمعهم لاحتجاجات أهالي مختلف مدن وقرى تلك المحافظة.
وقامت القوات الأمنية في هذه المنطقة، التي تشهد احتجاجات دخلت أسبوعها الثاني، بمداهمات واسعة النطاق لمحالّ ومنازل أهالي السكان، وأتلفت معداتهم ونهبت بضائعهم.
الصدامات، التي سقط فيها قتيل واحد برصاص رجال الحرس الوطني وأدت الى توقيف عدد غير محدد من المواطنين، لا تزال متأجّجة، إذ نُظّمت أمس، مسيرة حاشدة جابت شوارع مدينة سيدي بوزيد، ردّد فيها المحتّجون شعارات، مثل «واجب حق التشغيل»و«التشغيل استحقاق يا حكومة الفساد».
كذلك نفّذت مجموعة من الشباب أصحاب الشهادات العليا والعاطلين من العمل، اعتصاماً أمام مبنى معتمدية مدينة علي بن عون، المجاورة «من أجل المطالبة بحقهم في الشغل». وشارك في ذلك الاعتصام عدد من أهالي المنطقة مطالبين بإطلاق سراح الموقوفين ورفع الحصار الأمني المفروض على مدينتهم.
التجمّعات الشعبية نشطت أيضاً في مدن أخرى، مثل القصرين وجرجيس وبن قردان وفرنانة وسوسة ونابل ومدنين وصفاقس وقفصة وأم العرائس والرديف، جوبهت جميعها من طرف الشرطة.
هذه التحركات، كشفت عن عيوب كبيرة في برامج التنمية الاقتصادية التي تتّبعها الحكومة التونسية. فمحافظة سيدي بوزيد التي انطلقت فيها الاحتجاجات، يقطنها قرابة 400 ألف نسمة، بينهم نحو 42 ألف يعيشون تحت خط الفقر، حسبما أوردت دراسة وضعها الاتحاد العام التونسي للشغل. وتبلغ فيها نسب البطالة أرفع مستوياتها نتيجة غياب منشآت سياحية ضخمة أو منصات ومناطق صناعية توظف طالبي العمل.
أسباب كافية تدفع السكان إلى التظاهر بعدما فقدوا الثقة في مؤسسات الدولة في تشغيل العاطلين من العمل والتقليص من حدّة الفقر.
من جهته، ذكر المتحدث باسم لجنة المواطنة والدفاع عن ضحايا التهميش في سيدي بوزيد، عمر الزعفوري، لـ «الأخبار»، أنّ السلطة سخّرت قرابة 2 مليار دولار كاعتمادات تنموية لفائدة تلك الجهة منذ سنة 1987 «لا يعرف شيئاً عن آليات صرفها»، طارحاً مسألة الفساد الإداري والمالي الذي ينخر بقوة الجهاز الإداري التونسي. وقال «من المهم أن تحاسب السلطات جميع المسؤولين الذي اختلسوا تلك الأموال قبل الحديث عن برامج تنموية جديدة».
والثابت أن الشعارات المطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي المرفوعة من طرف المحتجين لا تخفي المضمون السياسي الذي يقف وراء تحركاتهم، فللمرة الأولى مرة منذ تولي زين العابدين بن علي سدة الحكم في 7 تشرين الثاني 1978، يردّد التونسيون شعارات مناهضة لرئيس الدولة ولأطراف من أقاربه. فخلال التظاهرات رفع المئات من الغاضبين شعارات «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق» و«التشغيل مش مزية يا عصابة الطرابلسية»، في إشارة الى عائلة زوجة الرئيس المتنفّذة ليلى طرابلسي. فمن النادر أن يُجهَر بمواقف صريحة ضد أقارب عائلة الرئيس الذين يتمتعون بنفوذ واسع النطاق، ويسيطرون على مفاصل الاقتصاد الوطني.
ولتبرير العنف الذي لجأت إليه قوات الأمن ضد المواطنين، قالت وزارة الداخلية، إن المتظاهرين اقتحموا الممتلكات العامة وأضرّوا بمنشآت حكومية، لكن فاتها الحديث عن غياب تام للأحزاب السياسية وللجمعيات المستقلة في أداء دورها على تأطير المواطنين ومنع حدوث أي انفلات. ويُستشف ذلك من عمليات التضييق والمحاصرة التي تقول أحزاب المعارضة إنّ السلطة تمارسه ضدها. توصيف ينسحب أيضاً على قطاع الإعلام المحلي الذي غاب في البداية عن مواكبة الأحداث الجارية في المنطقة، قبل أن تفتح بعض الصحف صفحاتها بصورة فجائية لنقل المستجدات الحاصلة، لكن هذه المرة بصورة موجّهة تحيل للوهلة الأولى أن الوضع يسير نحو التهدئة. فصحيفة «الشروق» المقربة من السلطة نقلت مثلاً في عدد يوم أمس، خبر إيقاف عدد من المسؤولين المحليين، وفسحت كذلك المجال للتهجم على من نعتتهم بالمناوئين الذين يقومون بالركوب على الحدث وتهويل الأمور.
بل إنّ بعض الأحزاب، التي تؤدّي دور المجمّل لقمع السلطة، غابت كلياً عن إسناد المحتجّين، ونشرت بيانات إعلامية تتهجّم على قناة «الجزيرة» الفضائية التي تكفلت بتغطية شاملة لأنباء الغليان الشعبي أمام صمت التلفزيون الحكومي.
ووصف الأمين العام للحزب الاجتماعي التحرري، منذر ثابت، هذه التغطية بأنها «حملة إعلامية مشبوهة وأهداف تتعارض مع خدمة المواطن». أما الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، محمد بوشيحة، فقال «نحن متأكدون أن مزاعم الجزيرة وبعض وكالات الأنباء التي حذت حذوها قد باتت مكشوفة أمام الرأي العام الوطني وكل القوى الوطنية والمتمسكين بالمقاربة الموضوعية من أصدقاء تونس في الخارج». وأصدر حزب الاتحاد الديموقراطي الوحدوي، بياناً قال فيه «تبيّن لنا أنّ قناة الجزيرة اختارت التعامل في التعليق على الأحداث على جهات معينة معروفة بانتماءاتها السياسية، أي إنها ليست محايدة في نقل الحدث، بل وضعت نفسها طرفاً في معادلة اخترقتها هذه الأطراف رغم محدودية فعلها ميدانياً وذلك بالتهويل والتوظيف السياسيين».
ورأت عضو مجلس النواب، عزيزة حتيرة، أن قناة «الجزيرة» «تبحث دوماً بل تعيش من التهويل ومن تضخيم الأحداث كي تستقطب المشاهد الذي يميل الى الإثارة». وأضافت إن القناة القطرية «تعتمد على شهود عيان مجهولين وعلى مراسلات عن بعد وعلى لقطات منشورة على الإنترنت من جانب هواة ومجهولة المصدر».
حملة التعتيم الإعلامي لم تعد مفيدة في ظل تعاظم دور الإنترنت، الذي تحول إلى وسيلة إعلام أكثر صدقيةً وقرباً من الواقع، وشهد فعلاً بروز ما أصبح يسمى «الصحافي ـــــ المواطن». فغالبية الأحداث الجارية نقلتها عدسات الهواتف المحمولة وكاميرات التصوير الخاصة المملوكة من طرف المواطنين.
ولا شك أن «الخضة» التي تهز بنيان الحكومة التونسية الآن لها العديد من الدلالات، أهمها أنها أوقفت النداءات اليومية المطالبة بتنقيح الدستور التونسي الذي يمنع الرئيس الحالي من مواصلة الحكم، بغاية الترشح في انتخابات سنة 2014، فانتظار اتخاذ تغييرات جوهرية لتحقيق الديموقراطية الحقيقية الغائبة عن تونس منذ استقلالها.


بن علي يتوعد بالحزم: متطرفون مأجورون

بلغت الاضطرابات المطلبية في تونس حداً دفع بالرئيس زين العابدين بن علي إلى الظهور علناً أمس في خطاب نقل عبر شاشات التلفزة مباشرة لتأكيد مجموعة من النقاط، في مقدمتها «أن ما اتخذته الأحداث من أبعاد مبالغ فيه بسبب الاستغلال السياسي لبعض الأطراف»، مضيفاً أن «لجوء أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضد مصالح بلادهم إلى العنف والشغب في الشارع وسيلة للتعبير أمر مرفوض في دولة القانون مهما كانت أشكاله».
وقال بن علي إن «بعض الأطراف لا يريدون الخير لبلادهم ويلجأون إلى بعض التلفزات الأجنبية التي تبثّ الأكاذيب والمغالطات دون تحرٍّ، بل باعتماد التهويل والتحريض والتجني الإعلامي العدائي لتونس». وأضاف: «إننا نقدّر الشعور الذي ينتاب أي عاطل من العمل، وخصوصاً عندما يطول بحثه عن الشغل وتكون ظروفه الاجتماعية صعبة وبنيته النفسية هشّة، ما يودى به إلى الحلول اليائسة ليلفت النظر إلى وضعيته. نحن لا ندخر جهداً لتفادي مثل هذه الحالات بالمعالجة الخصوصية الملائمة».
وتابع بن علي: «إن البطالة شغل شاغل لسائر بلدان العالم المتقدمة منها والنامية ونحن في تونس نبذل كل الجهود للحد منها ومعالجة آثارها وتبعاتها، وخصوصاً بالنسبة إلى العائلات التي لا مورد لها. وستبذل الدولة جهوداً إضافية في هذا المجال خلال المدة القادمة».
وقال بن علي: «لقد دأبنا منذ التغيير على تكريس الحوار مبدأً وأسلوباً للتعامل بين سائر الأطراف الوطنية والاجتماعية حول القضايا والمستجدات التي تطرح أمامنا. ولا يمكن بأي حال من الأحوال رغم تفهمنا أن نقبل ركوب حالات فردية أو أي حدث أو وضع طارئ لتحقيق مآرب سياسية على حساب مصالح المجموعة الوطنية ومكاسبها وإنجازاتها، وفي مقدمتها الوئام والأمن والاستقرار، مشدداً على أن «لجوء أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضد مصالح بلادهم إلى العنف والشغب في الشارع وسيلة للتعبير أمر مرفوض في دولة القانون مهما كانت أشكاله وهو مظهر سلبي وغير حضاري يعطي صورة مشوهة عن بلادنا تعوق إقبال المستثمرين والسياح بما ينعكس على احداثات الشغل التي نحن في حاجة إليها للحد من البطالة. وسيطبق القانون على هؤلاء بكل حزم». ومع ذلك، جدد بن علي «تأكيد احترام حرية الرأي والتعبير والحرص على ترسيخها في التشريع والممارسة».