عمان | في الوقت الذي توج فيه وزير الخارجية البريطانية، فيليب هاموند، إعادة افتتاح سفارة بلاده في إيران، يرتسم السؤال عن مستقبل العلاقة بين الأخيرة والأردن، التي تربطها ببريطانيا علاقات تاريخية بين الانتداب والاستقلال التدريجي، لا تزال تؤثر في سياسات المملكة الخارجية. بين كل ذلك، غادر الملك الأردني، عبد الله الثاني، أول من أمس، إلى موسكو، بالتزامن مع سفر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى هناك أمس.
وأوضحت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن الملك سيبحث مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المستجدات الإقليمية، ولا سيما «ما يتعلق بالأزمة السورية وجهود مكافحة الإرهاب»، ولكنّ مراقبين مقربين من دوائر الحكم يشيرون إلى تغييرات جديدة في السياسة الأردنية الخارجية برغم التحامها مع الهوى الخليجي، كما يرون أن هذه الزيارة ستشمل الحديث في الحرب على سوريا، والسعي إلى فتح قنوات اتصال مباشرة مع دمشق، على اعتبار ذلك امتداداً للوضعية الجديدة لطهران في المنطقة بعد الاتفاق النووي، ولكن التحرك الأردني سيكون من البوابة الروسية.
وفي استطلاع غير علمي أجراه موقع إخباري محلي منذ أيام، أعرب أكثر من نصف القراء 51.5% عن رفضهم لتعزيز العلاقات الأردنية مع إيران في أي مجال، بينما أبدى أقل من النصف تأييدهم للانفتاح على الجمهورية الإسلامية. وقد أجري الاستطلاع على مدار 30 يوماً٬ وبلغت العينة 2470، وبذلك تكون نسبة غير الرافضين للانفتاح على إيران 48.5%، وهي برغم أنها ليست الأعلى، فإنها تشير إلى قبول ممكن.
في هذا السياق، يرى عضو المكتب السياسي لـ«الحركة الشعبية الأردنية»، محمد الروسان، أن الأميركيين لم يعترضوا يوماً على تطوير العلاقات بين طهران وعمان، لكن «الأردن الدائر في الفلك الإنكليزي، يخضع لفيتو من لندن ضد أي تطوير للعلاقات إلا بالسقف الذي تسمح به المملكة المتحدة، التي ترى في المملكة الأردنية ساحة نفوذ لها ومجالاً حيوياً لمصالحها».

الجالية الأردنية في إيران
لا تتجاوز الأربعين شخصاً

وكان السفير الأردني لدى طهران، عبد الله أبو رمان، قد ذكر الشهر الماضي أن عدد الجالية الأردنية في إيران لا يتجاوز الأربعين شخصاً هم رجال أعمال وطلاب، مشيراً خلال انعقاد مؤتمر المغتربين في البحر الميت، إلى أن رجال الأعمال الأردنيين هناك «يعملون في مراكز متقدمة في القطاع الخاص الإيراني». هذا العدد الضئيل للجالية يؤكد للروسان ما يراه بشأن «الفيتو البريطاني، الملبّس بالفيتو الأمني محلياً على العلاقة». ويضيف: «إيران الآن دولة على العتبة النووية، ويجب أن يكف الأردن عن التأثر بالخطاب الطائفي، وعليه اغتنام الفرصة ومد الجسور مع طهران، التي يتراكض الغربيون اليوم إلى بناء علاقات الثقة معها، بل إن البريطانيين أنفسهم عادوا وافتتحوا سفارتهم لديها».
لكن، وفي قضية لافتة تظهر أن الأردنيين لا يزالون غارقين في تفاصيل أصغر، فقد ثارت في الأسبوعين الماضيين جدالات كبيرة حول أن منهاج الصفوف الإعدادية في المملكة لم يذكر أن من بنات النبي محمد سوى فاطمة، وهو ما رأى فيه بعضهم «رائحة للتشيع» باعتبار أن هذا الأمر يقوله أتباع المذهب الجعفري.
برغم ذلك، رد منذ أيام وزير الأوقاف الأسبق عبد السلام العبادي، بصفته رئيس فريق الإشراف على مناهج التربية الإسلامية، قائلاً إن ما أثير من ضجة يستدعي مقاضاة مطلقي الشائعة. وأضاف العبادي إن «الشجرة (رسم توضيحي) التي وردت في المنهاج ذكرت ابنة الرسول فاطمة لأنها والدة الحسن والحسين دون أن تكون هناك ضرورة لذكر بناته الأخريات اللواتي لم تكن منهن ذرية الرسول»، لافتاً إلى أن الرسم لم يدرج حتى أبناء النبي.
وكان 21 نائباً قد تساءلوا أخيراً ما إذا كان «الشيعة قد استطاعوا اختراق وزارة التربية» ومناهجها٬ في احتجاج لهم على ما وصفوه بأنه «خطأ» في منهاج الثقافة الإسلامية للصف التاسع الأساسي، روج له نائب إسلامي سابق كان قد زار عزاء زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتل بغارة أميركية.
في غضون ذلك، دعا عدد من الكتاب المحليين صاحب القرار في عمان إلى «وقف التردد الذي لن يفيد الأردن (اتجاه إيران)»، قائلين إن المطلوب «التأسيس لمزيد من العلاقات والتعاون مع الدولة الإقليمية المؤثرة والاستفادة منها، وخاصة في تطوير الاقتصاد الأردني».
من هؤلاء مازن مرجي، وهو مدير سابق لقسم الترويج والبرامج في مؤسسة «تشجيع الإستثمار»، الذي أوضح أن أساس العلاقات مع أي دولة في العالم يعتمد على المصالح المشتركة، مذكراً بأن العلاقة بين عمان وطهران أيام الشاه (محمد رضا بهلوي) كانت إستراتيجية. ويضيف: «إيران اليوم لها تأثير اقتصادي كبير، ودورها محوري في أزمات المنطقة التي ينخرط الأردن فيها شاء أم أبى، ومن الضروري تطوير العلاقات، ومدخلها السياحة الدينية المشروطة».
وواصل مرجي: «الأردن بحاجة إلى إيران المصدرة للغاز والنفط، والإيرانيون مبادرون في هذا المجال، بل تكررت عروضهم للأردن بأسعار تكلفة منافسة... التعاون مع إيران مهما كانت المحاذير أفضل من التعاون مع الكيان الإسرائيلي».