مفاجأة الانتخابات المصريّة: الحزب الحاكم VS الحزب الحاكموائل عبد الفتاح
سناء جاد، امرأة في النصف الثاني من الأربعينات، لم تشعر بالحزن في حياتها كما شعرت عندما أعلنت ترشيحات الحزب الوطني الحاكم، ولم تجد اسمها بين ٥٢٧٠ مرشحاً يتنافسون على ٥٠٨ مقاعد «تحت القبة»، وهو اسم مجازي لمجلس الشعب مستوحى من معماره القديم، ومحاولة لرسم صورة وقورة عن مكان تتجمع فيه السلطة الثانية (التشريعية) في بناء النظام السياسي.
الطريق الى مكان تحت القبة يمر برحلات لها أسماء مجازية، أشهرها «مهزلة» و«مسخرة» وأحياناً تصل إلى حدود «المذبحة»، بما تعنيه المجازات من تحول المعركة الانتخابية بين المرشحين الى شلالات من الأموال والدماء البقاء فيها لمن يملك ثروة (يدفعها رشوة للناخبين) وجيشاً من البلطجية (الذين يفرضون قانون القوة على تقفيل البطاقات وتسويدها).
رحلة سناء جاد كان من المفترض أن تكون سهلة. شعبيتها ملحوظة في مدينتها (السويس). ترى السياسة طريقاً لخدمة الناس لا صراعاً على السلطة أو النفوذ. مفهوم ضد السياسة، لأنه لا يبحث عن تعدد في الافكار والرؤى، بل عن جسم كبير يساعدها في أداء خدمات، ويمنح لها الشرعية. الجسم كان من الممكن أن يكون «الاتحاد الاشتراكي» أيام جمال عبد الناصر أو حزب «الوفد» قبل ثورة الضباط في تموز من عام 1952، أي حزب الغالبية بمعناه الاجتماعي (الممثل للشرائح الاجتماعية السائدة) لا السياسي أو النيابي.
استبعاد المرشحين من خارج «التركيبة» القابلة للسيطرة
الحزب الوطني خذلها أمس، حذف اسمها من قوائم المرشحين، ومن الصدمة خرجت سناء جاد عن النص وقالت أمام كاميرات وميكرفونات ما كان سبباً في قرار فصلها من الحزب بعد ساعات قليلة.
قالت سناء: «الحزب اختار سيدات لديهن نقاط ضعف»، بما يعني أن الاختيارات خضعت في المحافظات لأسلوب التحكم بالمرشحة عبر ملفها الشخصي.
الاتهامات هنا واضحة، وخصوصاً أنها أتبعتها بإشارات وتلميحات إلى المجلس القومي للمرأة (وهو تابو شهير لدى أعضاء الحزب الوطني بما هو منطقة نفوذ السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس).
لا تتحرك سناء جاد عن اقتناع بأن «الحزب» فاسد، بل تراه جسم السلطة الكبير الذي تحميه نواة طيبة، تتجمع عندها القيم والأخلاق السياسية، وصراخها كان لإيصال الصوت الى النواة، لتتحرك و تطرد الحشائش والحشرات الضارة المتطفلة على الجسد الكبير.
وهذا سر حزن سناء جاد، وهو جعلها هدفاً للهجوم واستهداف صحيفتها المحلية، وسبباً في إبعادها عن مجال خدمة أهالي المدينة. هي تقريباً «نموذج فالت» أو خارج كل الحسابات التي جعلت الحزب الوطني الحاكم يعلن مفاجأته مع إغلاق أبواب الترشيح (الأحد).
المفاجأة كانت في أن الحزب لم يستبعد أحداً، ورشح للمرة الأولى في تاريخ الحياة النيابية أكثر من شخص إلى المقعد نفسه، وبدلاً من احتكار رمزين انتخابيين، هما الهلال والجمل، اختار الحزب رموزاً إضافية لمرشحيه، منها القمر، والنجمة والحصان وغصن الزيتون. كلها رموز أصلية لأنه، على حد تعبير أمين التنظيم في الحزب الحاكم أحمد عز: «ليس من مرشح أصلي ومرشح احتياطي. كلهم مرشحو الحزب».
مفاجأة تشير إلى يقظة من نوع غريب، أراد بها الحزب الحاكم القفز على ما حدث في انتخابات ٢٠٠٥ التي فاز فيها فعلياً بنسبة ٣٣ في المئة، قبل إضافة المستبعدين أو المنشقين عنه تحت اسم المستقلين، ليصل إلى الغالبية.
الحزب يضمن أن الحرب بين المرشحين ستنتهي في صالحه
كلهم أولادي، هذا ملخص لمفاجأة الحزب، الذي رأى «مصدر موثوق» فيه ليومية «روز اليوسف» «أن سبب اللجوء إلى هذا الأسلوب بالأساس يقوم على مبررات لها علاقة أولاً بتساوي الفرص بين المرشحين في نتائج المجمعات والانتخابات الداخلية، ويتعلق ثانياً بنوع من التكتيك الانتخابي الذي يتعمد الهجوم التصويتي على منافسين متوقعين في عدد من الدوائر».
تفكير جديد، وعقلية حديثة، جعلت الحزب الوطني ينافس نفسه، أو يضمن أن الحرب بين المرشحين ستنتهي في صالحه.
ربما خوفاً من الانتقام، أو رغبة في الاستفادة من كل الطاقات المتصارعة على المقعد الذي يمثل بمعنى ما توكيلاً بتقديم الخدمات وبطاقة عضوية محتملة في نوادي الحماية والتسهيلات.
ربما أيضاً يكون القرار علامة على استيعاب أخطاء الماضي، لكن لماذا استبعد نموذج مثل سناء جاد؟ هل لأنها خارج السيطرة، أم لأن العقلية القديمة كان لها حضور وأدوات تصفية تقليدية، والغالب أنها خارج «التركيبة» القابلة للسيطرة.
التجاور بين الحديث والقديم، يعني أيضاً تعدد رؤوس القرار النهائي في إدارة المعركة الانتخابية للحزب الذي يريد السيطرة على الانشقاقات، والإيحاء بقدرته على إحراز غالبية شبه مطلقة.
الحزب استفاد من أداة «المجمع الانتخابي» للتعرف إلى قوة مرشحيه. أسلوب «المجمع» المستوحى من النموذج الأميركي تطلّب من المرشح نسج شبكة مع جماهير الحزب، وقياساً دقيقاً لقدرة تجميع القوة.
القياسات هنا أدّت إلى نتيجة واحدة: الحزب الوطني في مواجهة الحزب الوطني، في انتخابات يتوقع لها أن تكون استثنائية ومثيرة لمفاجآت رغم كل هذه السيطرة.


يقود المرشد العام للإخوان محمد بديع أوّل انتخابات في عهده. غير أنها لن تكون سهلة في ظل التضييق الحكومي. فقد استبعدت اللجنة العليا للانتخابات ٤ من مرشحي «الإخوان» في الإسكندرية، أحد مراكز قوة الجماعة، التي نظمت اكثر من ١٢ مسيرة في هذه المدينة دعماً لمرشحيها رافعة الشعارات التي رأتها التقارير الحقوقية «طائفية» وتتحدى قوانين الدولة، في إشارة إلى شعار «الإسلام هو الحل».