ما حكاية لقاءاته القبرصيّة مع الـ«سي آي إيه»؟
إيلي شلهوب
... وأخيراً، فجّر إياد علاوي مفاجأته المتوقعة منذ شهور: سأنتقل إلى صفوف المعارضة. هذا ما أعلنه على الملأ. لكنّ ما يضمره شيء مختلف. لا بد من أنه كان يقصد القول: سأعود إلى لندن. خلاصة وصل إليها، لا شك في أن لها ما يبررها: شخصيته «المدلَّلة» وعقود من الجلوس في القمة، سواء في السياسة أو عالم الأعمال، مع قلة حيلة وحركة لا تجعله مؤهَّلاً لقيادة جبهة معارضة، ستقتصر في كل الأحوال عليه، وعلى بضع نواب من الأوفياء له في «العراقية» يمكن أن يضاف إليهم نحو عشرة نواب من «المجلس الأعلى»، هذا إذا فشلت محاولاته الأخيرة للعودة إلى قواعده سالماً.
قالها بغضب: اتفاق تقاسم السلطة بات ميتاً. غضب ينمّ عن مرارة: لا لقاءاته القبرصية مع مسؤولي وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» أثمرت، ولا تعهدات الرئيس باراك أوباما نفعت. حتى حلفاؤه من قادة السُّنة في «العراقية»، طارق الهامشي وأسامة النجيفي ورافع العيساوي وصالح المطلك، كلهم انفضّوا عنه وأعلنوا التزامهم بالتوافقات التي أبرموها مع التحالفين الوطني والكردستاني، تاركين إياه وحيداً مهزوماً يجرّ ذيل الخيبة، وتداعيات عجرفة فارغة وجهلاً بفنون التفاوض واحتساب موازين القوى، والتزامات سعودية أدت إلى هلاكه السياسي.
بهذه النفسية المحطَّمة والمكتئبة غادر علاوي إلى عاصمة الضباب، من دون أن يبلغ أياً من رفاق الأمس، بعد مقابلة أجراها على شبكة «سي أن أن» التلفزيونية الأميركية أعلن في خلالها أنه سيرفض أي منصب حكومي يعرض عليه، متهماً الكتل السياسية الأخرى بالإخلال باتفاق تقاسم السلطة عبر طرح انتخاب رئيس للبلاد في البرلمان قبل تقديم نقاط كان قد اتُّفق عليها لتعزيز المصالحة ومعالجة قضية «اجتثاث البعث». وقال علاوي إنه «ليس مستعداً للتحول إلى دمية أو شاهد زور على التاريخ» بعد كل التنازلات التي قدمها، مشدداً على أن «هذه ديكتاتورية جديدة في العراق، والأمر بات مذلاً واستبدادياً؛ لأنهم لا يريدون احترام الناس الذين لديهم أفكار مغايرة». وأضاف: «لقد حصلت على ضمانات من أميركا ومن قوى أخرى بأن يحصل اتفاق على تقاسم السلطة وإطلاق عملية مصالحة حقيقية»، لكن «ما فعلوه (بدء التصويت على رئيس الجمهورية قبل مناقشة اتفاق الكتل النيابية وبتّه) أصابني بالدهشة البالغة؛ لأن الاتفاق كان قد جرى بعد التحدث إلى (الرئيس الأميركي باراك) أوباما وجامعة الدول العربية». كلام أوحت بعض المصادر إلى أنه قد يكون مناورة من علاوي، هدفها محاولة تحسين وضعه التفاوضي.
وكرّر علاوي اتهام إيران بمحاولة تفكيك كتلته وسدّ الطرق أمام وصوله إلى رئاسة الحكومة، محذراً من أن العنف لن يتوقف قبل تحقيق المصالحة العراقية الحقيقية وبناء المؤسسات الدستورية. وقال إن «العنف موجود، ومن غير المقبول معاملة العلمانيين السُّنة والشيعة كأنهم أناس من الدرجة الثانية، وما جرى كان درساً كبيراً لي، وحتى إن أكدوا لي عزمهم على تنفيذ اتفاق تقاسم السلطة في المستقبل، فلن أثق بهم... لقد عزمت، على المستوى الشخصي، على أنني لن أقبل بأداء دور في هذه المسرحية، وأنا أفكر بتأليف مجلس للمعارضة داخل البرلمان لإطلاق عملية بناء القواعد التي نرى أنها مفيدة لبلدنا، وسنتبع الطرق الديموقراطية لتنفيذها».
لكن خلافاً لتوقعات علاوي، شارك معظم أعضاء كتلة «العراقية» في جلسة برلمانية عقدت السبت بغيابه ومن دون مشاركة رئيس الحكومة نوري المالكي، صُوّت في خلالها على اتفاق حصل الجمعة بين ممثلي الكتل النيابية، تضمن بنوداً تشمل تقديم النائب عن القائمة العراقية رافع العيساوي توضيحاً لما حصل في جلسة الخميس الماضي وتصويت مجلس النواب تأييداً لمبادرة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وما نتج منها من اتفاقيات سياسية، فضلاً عن وضع آليات عمل لرفع الحظر عن بعض ساسة «العراقية». وفي محاولة لرفع العتب والحفاظ على الشكل، صوّت نواب العراقية، من ضمن ما صوتوا عليه، على تخصيص علاوي بمنصب رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية.
وفيما جدد النجيفي تأكيده أنه منذ تسلمه منصبه أصبح معنياً بجميع العراقيين، أوضح العيساوي أن «ما حصل (الخميس) لم يكن مخططاً له، بل جاء نتيجة سوء فهم». وبحسب الاتفاق المعقود، ستحصل «العراقية» على ١٢ وزارة، بينها حقيبة الخارجية.
أوساط تعرب عن خشيتها مما تحمله الأيام المقبلة تحت عنوان أن «النواب صوتوا السبت على أمر واحد، لكن كلاً منهم فهمه بطريقة مختلفة. واضح من الكلمات التي ألقيت، أن التصويت كان على الإطار العام الذي سيُعمَل على تنفيذه من دون التفاصيل». وتضيف: «في النهاية سيُطبَّق كل ما اتُّفق عليه، لكن فقط وفق الآليات القانونية والدستورية. لا يمكن أن يحصل شيء بجرة قلم».
ويبدو أن الاتجاه يذهب نحو إصدار عفو عن جميع المعتقلين السياسيين والمطلوبين بجرائم سياسية مثل مقاومة الاحتلال، في آلية لتطبيق البند الخاص بالإفراج عن المعتقلين في الاتفاق الذي وُقّع بين الكتل البرلمانية الخميس. وأكدت مصادر وثيقة الاطلاع أنه لا أحد يستطيع الإفراج عن المعتقلين بدعاوى شخصية أو لإدانتهم بجرائم إرهابية. وتضيف أنه جرى التوافق على أن تكمل لجنة المساءلة والعدالة عملها لنحو ستة أشهر، بعدها تُنتَخَب هيئة جديدة لمدة عامين، على أن تُحَلّ معضلة صالح المطلك وظافر العاني وراسم العوادي من خلال استثناء يصدر عن مجلس الوزراء ويصدّق عليه البرلمان.
وجرت اتصالات الجمعة بصالح المطلك، أكد في خلالها أنّ النواب الموالين له سيشاركون في اجتماعات البرلمان السبت والأحد بعدما علم بما فعله به إياد علاوي الخميس. وكان علاوي قد وقّع اتفاقاً مع الكتل الأخرى، قبيل جلسة البرلمان لانتخاب رئيسه ورئيس الجمهورية، تنص على أن بتّ قضية المجتثين سيكون وفق الآليات القانونية المعمول بها، خلافاً للاتفاق الشفهي مع المطلك الذي تحدث عن بتّ هذا الأمر خلال الجلسة نفسها، على ما أفادت مصادر من شركاء السر في المفاوضات العراقية. كذلك خالف علاوي توافقاً آخر ينص على عدم ذكر الأسماء المطلوب رفعها من الاجتثات، منعاً للإحراج.
وقال المطلك لمعنيين، إن علاوي ردّ عليه عندما فاتحه بما فعل، بأنه وقّع الورقة من دون قراءتها ومن دون أن ينتبه إلى هذا التفصيل. غير أن شركاء السر ينقلون عن البرزاني تكذيبه لهذه الرواية، مشيراً إلى أن «علاوي استغرق ما يحتاج إليه من وقت لدراسة الورقة التي أخذها وغادر لساعات قبل أن يعود ليوقّعها». وتفيد تسريبات إعلامية بأن علاوي زار خلال هذه المدة مقر السفارة الأميركية في بغداد.
وكان علاوي قد طرح، في خلال المفاوضات مع الكتل الأخرى، ورقة مطالب تؤكد مصادر معنية بالملف العراقي مقيمة في لندن أنها أميركية الصياغة وأنها سُلمت لزعيم «العراقية» في خلال اجتماع عقده في قبرص قبل نحو أسبوعين مع مسؤول أميركي رفيع المستوى. مصادر على علاقة وثيقة بعلاوي لا تستغرب أن يكون شيئاً كهذا قد حصل، موضحة أنّه «معروف عن علاوي أنه، في كل مرة يزور بيروت، حيث لديه شبكة كبيرة من المصالح والأملاك، يقوم بزيارة خاطفة لقبرص حيث يلتقي نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية». وتضيف المصادر نفسها أن علاوي «يمتلك في بيروت أيضاً غرفة عازلة للصوت يجري منها كل اتصالاته المهمة والسرية بكبار المسؤولين الأميركيين، سواء في الإدارة أو الاستخبارات أو الجيش».
وتنص الورقة الأميركية، التي يقول علاوي إن أوباما اعطاه ضمانات بتطبيقها، على أن يُسَنّ للمجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية «قانون بعد انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه وقبل التصويت على انتخاب رئيس الجمهورية» على أن يكون له «أمين عام أو رئيس يتفق عليه من ضمن الرئاسات العليا في البلاد (رئيس الجمهورية ونائباه، رئيس الوزراء ونوابه، رئيس مجلس النواب ونوابه) قبل الشروع بتأليف الوزارة في الاجتماع الأول لمجلس النواب». وتضيف الورقة الأميركية: «تكون للمجلس سكرتارية كاملة ومقر عام ولواء رئاسي أسوة بالرئاسات الثلاث»، كذلك إن «ميزانيته تكون مستقلة، تقدم من أمانة المجلس، شأنها شأن الرئاسات الثلاث، وتقر في قانون الموازنة العامة لهذا العام». وتشدد الورقة نفسها على أن «يكون المجلس جزءاً من السلطة التنفيذية ويحل محل مجلس الأمن الوطني (موجود لكن صفته استشارية) إضافة إلى مهماته الأخرى».
ويفرض النص أن «يلزم الوزراء كل حسب اختصاصه بحضور الاجتماعات اللازمة في حقول اختصاصهم (كما هو حضورهم في مجلس الوزراء) على أن لا يتناقض ذلك مع عملهم في مجلس الوزراء، مع الالتزام التام بما يصدر عن المجلس من قرارات». ومن مهمات المجلس، الذي يمتلك «هيئة مستشارين في حقول الاختصاص المختلفة أسوة برئاسة الوزراء»، «الشؤون السياسية، والسياسات الخارجية والداخلية والشؤون الاقتصادية والنقدية والشؤون الأمنية والعسكرية وشؤون الطاقة ـــــ النفط ـــــ الغاز ـــــ الكهرباء ـــــ الماء... وغيرها، وشؤون البيئة والأمن الغذائي، وأي مهمات أو اختصاصات أخرى».
ويضم المجلس، الذي يرأس اجتماعاته رئيسه أو أمينه العام، كأعضاء «رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس البرلمان ونوابه ورئيس الوزراء ونوابه ورئيس المجلس الاتحادي ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس إقليم كردستان ووزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الأمن الوطني ووزير الخارجية ووزير المال ووزير العدل ورئيس جهاز الاستخبارات، ويمكن إضافة أعضاء آخرين من غير التنفيذيين بصفة مراقبين، ولا يحق لهم التصويت على قرارات المجلس؛ لأنه جهة تنفيذية».
وتشمل اختصاصات المجلس «بلورة رؤى مشتركة ومسؤولة في إدارة الملفات الاستراتيجية في مؤسسات الدولة العليا في القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية والخدمية والطاقة وغيرها، بما ينسجم والتكامل في الخطط والبرامج وفق خريطة تنموية شاملة لها صفة الإلزام للأجهزة التنفيذية» و«وضع جدول زمني بالأولويات الوطنية ومتابعة تنفيذها، في مقدمتها استكمال متطلبات إخراج العراق من البند السابع»، و«تحديد قائمة بأولويات القوانين وتشريعها من طريق مجلس النواب بما يحقق تطبيق الخطط والأهداف الاستراتيجية» و«تقويم منظومة التشريعات والقوانين النافذة لتشخيص مواطن التعارض الحاصلة في تشريعات الدولة العراقية في مراحل تاريخها وإلغاء القوانين والقرارات والتعليمات الصادرة في عهد النظام السابق التي تتعارض مع المصلحة العامة، بالتنسيق مع السلطة التشريعية»، و«وضع ضوابط ومعايير علمية دقيقة تضمن تحقيق الانسجام بين تخصيصات الموازنة العامة

«العراقية» تلتزم دون علاوي اتفاق تقاسم السلطة بعدما تجاوزت ما سمته «سوء الفهم»

مشكلة صالح المطلك ستحل بموجب استثناء يصدر عن مجلس الوزراء يصوت عليه البرلمان


وأولويات الخطط والبرامج والأهداف الاستراتيجية»، و«إيجاد الحلول الفاعلة لكل ما يسهّل قيام السلطة التنفيذية بمهماتها وإزالة العوائق التي تعترض أداءها»، و«التوصل إلى رؤية مشتركة في ما يخص التعديلات الدستورية بما يضمن تجاوز الثُّغَر التي برزت في المرحلة السابقة ويعزز كفاءة النظام السياسي الحالي وإيفائه بمتطلبات الاستقرار العام والتقدم في المرحلة المقبلة»، و«تقويم أداء السلطة القضائية بما يحقق غايات العدالة وضمان التزام هيئاتها بمواد الدستور والقوانين النافذة وبما يعزز حالة الاستقرار الأمني».
أما مهمات المجلس، ودائماً بحسب ما يطمح إليه علاوي، فتضم «وضع واقتراح السياسات العليا للدولة في مختلف المجالات ومتابعة تنفيذ هذه السياسات من الجهات المكلفة ذات العلاقة»، ما يعني «تنظيم علاقة العراق بالمجتمع الدولي»، و«تنظيم أمور الأمن الداخلي والأمن الخارجي بما يضمن استقرار العراق وقدرة الدولة على ردع أو صد العدوان مهما كان نوعه أو زمنه»، و«تنظيم الفاعليات الاقتصادية المختلفة بما يحقق الازدهار والحياة الكريمة للمواطن في مجالات النفط والغاز، الصناعة، الزراعة، التجارة، السياسة النقدية، السياسة المالية الاستثمار»، و«تنظيم الفاعليات الخاصة بضمان التماسك الاجتماعي (الأمن الاجتماعي) بمفهومه الواسع، الذي يتعلق بالخدمات، البيئة، حقوق الإنسان، الحياة السياسية، الثقافية، الإغاثة، التنمية البشرية...» على أن تكون «السياسات العليا التي يضعها هذا المجلس الأساس الذي تضع بموجبه الأجهزة التنفيذية خططها التنفيذية كل حسب اختصاصه، وبما يضمن تحقيق هذه السياسات
العليا».
متابع خبيث للشأن العراقي علّق على ما سلف بالقول: «هل كان علاوي حقاً يراهن على أن يعطيه المالكي كل هذا؟ كان عليه أن يراقبه في جلسة البرلمان الخميس. هناك، لحظة إعلان فوز (جلال الطالباني) بمقعد الرئاسة، الجميع صفّقوا غير شخص واحد: نوري المالكي. من نظر إليه في تلك اللحظة، أدرك أنه صدام الجديد».


تهانئ من إيران وتركيا والأردن

هنّأ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد نظيره العراقي جلال الطالباني بإعادة انتخابه رئيساً لجمهورية العراق. ونقلت وكالة «مهر» الإيرانية شبه الرسمية عن نجاد وصفه اتفاق تقاسم السلطة بأنه «انتصار كبير للشعب العراقي». وقال إن إيران «تدعم وتساند على الدوام تضامن العراق وأمنه، وستبقى حتى النهاية إلى جانب الشعب العراقي».
بدوره، دعا وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو المسؤولين العراقيين إلى مواصلة الحوار، وذلك في خلال اتصال أجراه بالطالباني أيضاً، وبرئيس الحكومة نوري المالكي ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي. ودعاهم داوود أوغلو إلى مواصلة الحوار مع القيادات العراقية.
أما وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام والاتصال علي العايد، فقد رحب باتفاق العراقيين على تأليف حكومة جديدة؛ لأن ذلك «خطوة مهمة تسهم في استقرار المنطقة»، مشيداً بـ«تصميم القوى السياسية العراقية على تجاوز الصعاب والعمل على تحقيق مصالح بلدهم وشعبهم وبناء مؤسسات الدولة».
(أ ف ب، يو بي آي)