السفير
لاحظت عيناك اللافتة التي رفعت على مدخل المخيم، وقد كتبت عليها تهنئة لأهله اللاجئين بحلول العيد. صاحب المبادرة هو المكتب الطالبي لحركة فتح. وهو، أي المكتب، الذي دعا الطلاب الناجحين في الشهادة الرسمية الصيف الماضي إلى حفلة تكريمية. الحفلة أقيمت بالفعل، لكن من كرّم كان... السفير.
أما الطلبة، فقد أشارت لهم يد نحو غرفة جانبية حيث وضعت برسمهم شهادات تقديرية كان عليهم تلقفها بأنفسهم.
زيارة ميمونة قام بها سفير فلسطين في لبنان، عبد الله عبد الله، إلى شاتيلا. لكنك لم تعرف سبب تكريم سعادته. فخلال الفترة الوجيزة التي أمضاها بين ظهرانيكم لم تسمع أنه أحرز أي إنجاز «لشعبنا» على غرار سلفه. فهو لم يصفق لتدمير أحد المخيمات واعداً أهله بإعادة بناء المخيم «وأحلى من كريات شمونة». معالي السفير (السابق) عباس زكي رحل، أما وعده «بالأحلى» فقد تحقق بفضل الإقامة بباراكسات تشتعل لهيباً في الصيف. أما الشتاء وبرده فحكاية أخرى. فضلاً عن الطريقة البوليسية التي يعامل بها أهالي نهر البارد. وطبعاً، هذا الإنجاز لا يقارن بإنجاز سفير فلسطين في أوستراليا، الذي لبّى الدعوة هذا العام للمشاركة في إحياء ذكرى ضحايا... الهولوكوست وجنود إسرائيل «الذين سقطوا في أرض المعركة».
ربما أثّر بُعد المسافة على ذاكرة السفير هناك، فنسي أن هؤلاء الجنود المحتفى بهم، سقطوا في معركة على أرض اسمها فلسطين من المفترض أنه سفيرها.
بالقرب من تلك اللافتة أمام دكان حمادة، اعتدت أن تشرب قهوتك المسائية. تستمتع الى أحاديث المخيم. فيرعبك حديث عن مخططات لتطبيق سياسة بوليسية على الناس هنا. هل تصبح التصاريح أمراً واقعاً؟ فيحتاج ستون حجراً لبناء قبر لامرأة عجوز إلى تصريح؟ وعلبة مسامير لنصب خيمة على سطح منزل ستحتاج هي الأخرى إلى تصريح؟ حتى أمك ستحتاج إلى تصريح لتتمكن من زيارة عيادة طبيب المخيم؟ الكتب، أجهزة التلفزيون، الأصدقاء، حتى الطعام (بما فيه الزعتر) كلها ستحتاج إلى تصاريح.
صديقك عبد الرحمن قد يمنع من دخول المخيم لتنفيس غضبه بالرسم على الجدران. حتى قهوتك المسائية ها هنا ستصبح ممنوعة إن لم تحصل على تصريح.
علاء الزعتر ــــــ صبرا

أغنياء الحصار وفقراؤه

سأشكرُ فى يوم ما أستاذ (التاريخ الفلسطيني الحديث) في الجامعة، إذ قال لنا فى إحدى المحاضرات المُملة: «لا يوم يُشبه الغد، ليس هناكَ تاريخٌ يعيد نفسه مرّتين، كلّ نهار تشرق فيه الشمس يعني أن هناك ما يتغيّر فى العالم على الدوام، تلك هي طبيعةُ الحياة».
ماذا لو كانتْ تلك الطبيعة يمكنها أن تبدّل ملامح الحياة فى 30 ثانية وبـ60 طائرة حربيّة، كما حدث فى أول الحرب على غزة؟ ماذا لو كانت هي نفسها الحياة التى انقلبت رأساً على عقب وصارتْ ديموقراطية الانتخابات... ديموقراطية بالأسلحة؟
ماذا لو كانتْ سنوات الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة كفيلةً بأن يصبح الغني فقيراً لله، والفقير يمتلك نفقاً تحتَ الأرض، فيبيع أرواح العُمال الصغار الذين اشتدّت سواعدهم فى حفر التراب، و دُفنوا فيه، ليشتري سيارة ليموزين آخر موديل؟
ماذا عن لعبة الأحزاب الفلسطينية وقياداتها، وتبادلهم الأدوار والفساد والأموال؟
ماذا عن المبادئ والشعارات التي نضجتْ فى دم الشهداء وأعمار الأسرى؟!
في غزة لدينا عاطلون من العمل ومن السفر ومن الحياة، لدينا فقراء من دون أحذية، وأغنياء أيضاً، وأطفال أيتام ومؤسسات دولية كثيرة ومتضامنون وصحافيون أجانب جاؤوا ليصنعوا منّا أفلاماً ومقالات، فنصبح حكايات مؤثرة، تنبضُ بالألوان والوجع، ذلك الوجع الذي يمكنه أن يتحوّل إلى تجارة واستثمارات لمكان (ثرّي) بالمصائب.
وسائل الإعلام تتحدثُ فقط عن الجزء المنكوب من الصورة، هرباً من الأوجه المتخفيّة وراء ستارها، لتحرّك الدُمى بسطوة النفوذ أو المال.
جميعهم يتحدثّون عن فقراء الحصار، لكن لا أحد يذكرُ أغنياء الحصار ومستغلّيه، لا أحد يذكرُ المصالح السياسية والدولية والاقتصادية والإسرائيلية لكل تلك اللعبة، ونظلّ نستجدي العطف والدعم الخارجيين، ونستبكيهم بملائكية، بينما ننسى أنفسنا، فيزيد الفقير فقراً والغنيّ غِنى.
أسماء شاكر ـــــ غزة