بشير البكر يشبه وضع السعودية اليوم حال الاتحاد السوفياتي في سنواته الأخيرة، عندما توالى على الحكم زعيم واهن تلو آخر، ما جعل فترات الحكم قصيرة وغير فاعلة. والمرشحون في الظرف الراهن لخلافة الملك عبد الله تجاوزوا الثمانينات أو أنهم يقتربون منها، ويمثّل هذه الحال كلّ من ولي العهد، وزير الدفاع والطيران، الأمير سلطان بن عبد العزيز (مواليد 1931)، وصاحب الحق في خلافة الملك وفق القاعدة التي جرى العمل بها منذ رحيل مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود سنة 1953، الذي كرس التداول على العرش بين أبنائه على أساس تراتب السن. ثم يليه وزير الداخلية، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، الأمير نايف بن عبد العزيز، البالغ من العمر 77 سنة.
منذ وفاة الملك فهد سنة 2005، أصبحت عملية انتقال الملك أقل قابلية للتوقع وأكثر غموضاً وتعقيداً، إذ أدخل الملك عبد الله في تشرين الأول 2006 تحديثاً لآلية انتقال الخلافة، من خلال تأليف «هيئة البيعة»، التي عين على رأسها الأمير مشعل بن عبد العزيز. وتُعنى «الهيئة» باختيار الملك وولي العهد، وهي تتكون من أبناء الملك عبد العزيز أو أحفاده في بعض الحالات، إضافةً إلى اثنين يعينهما الملك، أحدهما من أبنائه والآخر من أبناء ولي العهد، وتقوم عند وفاة الملك بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد. وحسبما نص عليه نظام «الهيئة»، يقوم الملك بعد مبايعته، وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة، باختيار من يراهم مناسبين لولاية العهد، على أن يُعرض اختيار الملك على الهيئة لترجح واحداً منهم، وفي حال عدم ترجيحها لأي منهم، على «الهيئة» ترشيح من تراه مناسباً لولاية للعهد. وفي حال عدم موافقة الملك على ترشيح «الهيئة»، تقوم الأخيرة بعملية تصويت بين من رشحته ومن اختاره الملك لتعيين ولي العهد.
جرى النظر، داخلياً وخارجياً، إلى قرار الملك عبد الله تأسيس «الهيئة»، على أنه بمثابة صمام أمان لانتقال الملكية من دون نزاعات، وأنه يهدف إلى نزع فتيل صراع الخلافة داخل آل سعود. والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا هي أنه جاء في مرسوم تأليف «الهيئة»، أن أحكام نظامها تسري على الحالات المستقبلية، ولا تنطبق على الملك وولي العهد الحاليين، أي من حق سلطان أن يتولى الحكم في صورة مباشرة بعد عبد الله، ولكن ليس هناك ما يلزم سلطان بتعيين نايف ولياً للعهد وفق ترتيب السن القائم حالياً، رغم أن نايف يأتي بعد سلطان لجهة صلاحيات الحكم، لكونه يشغل منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وبالتالي فإن القاعدة المعمول بها طيلة الفترة السابقة سوف تنكسر هنا. وتكمن العقدة الفعلية لانتقال الحكم من عبد الله إلى سلطان في مرض الأخير، وتدهور صحته في السنوات الثلاث الأخيرة والخلود إلى الراحة بمنتجعه في مدينة أغادير المغربية ذات الطقس المعتدل على مدار العام. ولو لم يكن ولي العهد (سلطان) يعاني صحياً، لكان شأن الانتقال من عبد الله، لا يثير قلق أحد، ولكن مرضه يفتح الباب أمام عدة احتمالات: الأول أن لا يكون قادراً على ممارسة مهمّات الملك، وبالتالي لا بد من أن يتنازل عن حقه في ذلك، بإرادته أو بقرار من «الهيئة». والثاني أن يصر على ممارسة حقه في الملك رغم مرضه، وأن يمارس صلاحياته في اختيار ولي عهد جديد من خارج التراتب، بحيث يتجاوز الأمير نايف. والثالث هو أن يتوفى قبل عبد الله، وبالتالي يتعين هنا اختيار ولي عهد جديد.

نظام «الهيئة» استبعد أي دور لمجلس الوزراء أو الشورى في انتقال الحكم
من الناحية الشكلية، يبدو الأمير نايف صاحب أكثر الحظوظ في اعتلاء عرش المملكة في الفترة التي ستلي رحيل عبد الله وسلطان، ولكن بما أن قاعدة الخلافة أصبحت غامضة بعد تأليف «الهيئة»، فإن فرصة نايف لا تبدو محسومة، وتعزّز هذا الاعتقاد كثرة عدد المتنافسين على الحكم. وقد تجلى ذلك، علناً، حين عيّنه الملك عبد الله نائباً ثانياً لمجلس الوزراء؛ ففي حينه، عبّر عدد من الأمراء الأصغر سناً، مثل الوليد بن طلال وبندر بن سلطان، عن أملهم في الحكم.
وهذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها هذه المسألة إلى العلن، ويبرز التنافس الحاد بين أبناء العائلة المالكة، ما قد يثير شبح عدم استقرار سياسي، أو حتى أزمة خلافة.
واللافت هو أن نظام «هيئة البيعة» استبعد أي دور لمجلس الوزراء أو مجلس الشورى في عملية انتقال الحكم. يعني هذا أن النظام جعل مسألة حسم انتقال الحكم محصورة داخل الأسرة الحاكمة، وبالتالي شأناً دستورياً متميزاً أو منفصلاً عن المؤسسات الدستورية الأخرى للدولة. ورغم ذلك تبقى الحاجة إلى دور كل من مجلسي الشورى والوزراء، وخصوصاً في حال اللجوء إلى التصويت في «الهيئة» على ولي عهد، وعدم القدرة على تجاوز تساوي الأصوات. عندها ستبرز الحاجة إلى دور أحد أو كلا المجلسين للخروج من هذا الطريق المسدود. دور مجلس الشورى هو الأنسب في مثل هذه الحال، وخصوصاً بعد أن تكون عضويته بالانتخاب، الأمر الذي يتطلب تعديلاً دستورياً آخر.