يستفيد من مواقف اليمين لصدّ الضغوط الدوليّةمحمد بدير
لم يكن بمقدور رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تجاهل المواقف التفجيرية التي أطلقها وزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان، عن منبر الأمم المتحدة. الأخير نسف عملياً الأسس التفاؤلية لخطاب تل أبيب الرسمي بشأن عملية السلام، وهي الأسس التي فتحت أمام نتنياهو أبواب البيت الأبيض وأعادته إلى أضواء المسرح الدولي. بالرغم من ذلك، اكتفى بالتعليق الذي أصدره مكتب رئيس الوزراء على تصريحات ليبرمان بالإشارة إلى أنها لم تُنسق معه، والتشديد على أن من يدير سياسة الحكومة في ملف العملية السياسية هو نتنياهو. كان بإمكان أي مراقب أن يتوقع سقفاً أعلى من الرد على ما عدته الصحافة الإسرائيلية «ضربة حذاء في وجه نتنياهو».
بيد أن رئيس الوزراء، الذي بذل جهداً كبيراً لكي يستعيد ثقة الأميركيين والأوروبيين بنياته السلمية، لم يكلف نفسه حتى عناء توجيه الانتقاد إلى مواقف وزير خارجيته التي لا تمثّل خروجاً فاضحاً عن السياسة المعلنة للحكومة فحسب، بل إعلاناً نقيضاً لهذه السياسة على أكثر من صعيد. فالحل النهائي بحسب ليبرمان لن يكون ممكناً قبل مرور أجيال، (وليس عاماً، وفقاً لما يروج نتنياهو) ويجب أن يكون مبنياً على انزياحات جغرافية وديموغرافية ذات طابع جذري، وهو في كل الأحوال رهنٌ بسقوط المشروع الإيراني في المنطقة، لا مقدمة على طريقه. باختصار، ما أعلنه ليبرمان عن المنصة الدولية هو نسخة ملخصة عن البرنامج السياسي لحزب «إسرائيل بيتنا» الذي يرأسه.
السؤال الذي يطرح نفسه، هو عن مدى مفاجأة رئيس الوزراء الإسرائيلي بمضمون الخطاب الذي ألقاه ليبرمان وعما إذا كانت المفاعيل الحقيقية للخطاب هي توليد حالة من الانزعاج والحرج السياسيين لدى نتنياهو.
على طريق تلمس معالم الإجابة، لا بد من الإشارة إلى أن تمثيل ليبرمان لإسرائيل في الاجتماع الأممي الدوري كان بموافقة مسبقة من نتنياهو، الذي فضل عدم الحضور شخصياً. وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي لم ير من المناسب انتداب شخصية مقبولة دولياً مثل الرئيس شمعون بيريز، لتنوب عنه لسبب أو لآخر، فإن اطلاعه على مضمون خطابٍ سيُلقى باسم الحكومة الإسرائيلية أمام دول العالم هو من البديهيات التي لا يمكن نتنياهو أن يجد عذراً لتجاوزها، وخصوصاً أنه مسبوقٌ بما لا يعد ويحصى من انفلاتات وزير خارجيته الذي تُجمع وسائل الإعلام الإسرائيلية على تشبيه سلوكه الدبلوماسي بسلوك الفيل في محل الخزفيات. كان لا بد إذاً لنتنياهو أن يتوقع خطاباً دراماتيكياً من النوع الذي عوّد ليبرمان متابعيه عليه، توقعاً تميل الكفة فيه إلى جهة الترجيح. ومن الواضح أن توقعه هذا لم يدفعه، رغم اللحظة السياسية الحرجة التي تمر بها العملية السياسية، إلى المبادرة للقيام بأي خطوة استباقية تستدرك الفضيحة قبل حصولها. يقود ذلك نحو استنتاج مفاده إما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يمتلك قدرة التأثير على وزير خارجيته، أو أنه لم يرغب في ممارسة صلاحيته المقرة بهذا الشأن ربطاً بمصالح توخى تحقيقها من وراء سماحه لـ«فيل» الدبلوماسية الإسرائيلي باعتلاء منبر الأمم المتحدة.
في الحقيقة، لا يصعب على المرء التوصل إلى حسم وجهة الترديد المذكور. يحتاج فقط إلى أن ينعم النظر في لعبة الابتزاز التي يلعبها نتنياهو مع الأميركيين بشأن عملية التسوية. حجر الزاوية في هذه اللعبة هو استقرار الائتلاف الحكومي التي يتمترس نتنياهو وراءه متذرعاً بضروراته لرفض أو تجويف أو تمييع أي استحقاق يُطلب منه تلبيته في سبيل إحياء المفاوضات. وبين الفينة والأخرى، لا بد من إعطاء جرعة تعويمية لهذه الضرورة المزعومة للإفادة من مفاعيلها في لحظات الضرورة الحقيقية التي تفرضها مواجهة المطالب الأميركية والدولية. من خلال هذه الجرعات، يريد نتنياهو أن يذكر العالم بأن لـ«تنازلاته المؤلمة» في سبيل السلام حدوداً موضوعية قاهرة لا يقدر على تجاوزها، حتى لو رغب بذلك، وهذه الحدود هي استقرار الحكومة التي يرأسها. ضمن هذا السياق، يصبح مفهوماً كيف تتحول مواقف ليبرمان وغيره من القادة اليمينيين داخل الحكومة أو وسط قاعدتها الشعبية الاستيطانية إلى مساهمة فعالة بالنسبة إلى نتنياهو في جهود صد الضغوط التي يبذلها إزاء واشنطن. ويمكن ببساطة استحضار ما حفلت به التقارير الإعلامية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة عن العروض السخية التي قدمتها الإدارة الأميركية لإسرائيل على الصعد الأمنية والسياسية والاستراتيجية مقابل تمديد التجميد الجزئي للاستيطان لفترة ستين يوماً إضافية للوقوف على مدى نجاح نتنياهو في استثمار تناقضات ائتلافه الحكومي في لعبة الابتزاز نفسها.