التسوية والسودان يتصدّران الملفّات الطارئةحسام كنفاني
خلال اجتماعهم في سرت في آذار الماضي، في إطار أعمال القمة العربية العادية الثانية والعشرين، قرر القادة العرب عقد قمّة استثنائية في أيلول لبحث الملفّات المؤجلة، التي لم يتمكن الزعماء من الاتفاق عليها حينها.
الملفات المؤجّلة كثيرة، لكن يتصدّرها مشروعا إصلاح الجامعة العربية ورابطة دول الجوار العربي، إضافةً إلى مبادرة السلام وإمكان سحبها من التداول، وهي نقطة خلافية لا مجال للاتفاق عليها، لذا كان ترحيلها أمراً ملزماً في كل دورة عربية على مستوى القمّة.

إصلاح الجامعة

بند الجامعة العربية مطروح على طاولة البحث منذ سنوات، ومشاريعه موجودة في الأدارج تنتظر اتفاقاً على آلية وتمويل وتعاطٍ جدّي. اللافت في المعطيات الجديدة في هذا الملف هو الطرح الجديد للإصلاح، الذي يحمل عنوان «إعادة الهيكلة الجديدة للجامعة العربية». يمكن القول إن المشروع عبارة عن محاولة دمج لمشاريع كانت مقدّمة من خمس دول عربية، ألّفت لجنة خماسية للبحث في مشروع موحّد يطرح على طاولة القمّة الاستثنائية. اللجنة المؤلفة من ليبيا وقطر والعراق واليمن ومصر، كانت قد عقدت اجتماعاً على مستوى القمّة في طرابلس في حزيران الماضي، في محاولة منها للتوصل إلى صيغة موحّدة للتصديق. لكن ذلك الاجتماع أفرز وجهتي نظر لا تزالان قائمتين حتى اليوم، ولا سيما أن بند إصلاح الجامعة غاب عن المباحثات العربية بفعل مستجدات الوضع الإقليمي.
وجهتا النظر أظهرتا تبايناً بين من «يهدف إلى إحداث تعديل جذري وشامل وبوتيرة سريعة لإقامة اتحاد عربي والاتفاق على ميثاق جديد تنفَّذ عناصره في إطار زمني محدد»، ومن يتبنّى «منهج التطوير التدريجي وإبقاء مسمّى الجامعة العربية في المرحلة الحالية، وإرجاء بحث إقامة الاتحاد في أعقاب تنفيذ خطوات التطوير المطلوبة وتقويمها».
إضافةً إلى هاتين الرؤيتين للإصلاح، فإن مسؤولين في الجامعة أفادوا أن هناك رؤى أخرى لا تزال تحتاج إلى بحث، بعدما قدّمت عشر دول ملاحظات ومقترحات الى الأمانة العامة للجامعة، في ما يخصّ تطوير منظومة العمل العربي المشترك‏.
مقترحات جديدة تتطلب إعادة صياغات وبحث، وبالتالي ترحيل الملف إلى القمّة المقبلة، أو على الأقل إقرار صيغة مرحلية طويلة الأمد للإصلاح، على أن تؤخذ المقترحات في الاعتبار لاحقاً. مسعى يدفع باتجاهه الأمين العام للجامعة عمرو موسى بقوّة، للخروج بقرارات الحد الأدنى. لكن حتّى الآن ليس من المؤكد نجاح مثل هذا المسعى، ولا سيما أن هناك ما يشبه التخندق بين رؤية التغيير الجذري، التي تتزعمها ليبيا واليمن، وتدعو إلى التخلي عن جامعة الدول العربية لتحل محلها إقامة اتحاد عربى له ميثاق وهيكل جديد، ورؤية التغيير التدريجي في الجامعة نفسها، التي تتزعّمها مصر.
يشار إلى أنّ ملامح المشروع اليمني الليبي تقوم على إنشاء «اتحاد عربي»، وتأسيس المجلس الأعلى للاتحاد، الذي يضم ملوك الدول الأعضاء ورؤساءها، والمجلس التنفيذي الذي يضم رؤساء الحكومات العربية، إضافةً إلى تفعيل دور مجلس السلم والأمن العربي بمؤسساته المختلفة، مثل هيئة الحكماء وقوات حفظ السلام العربية، إضافةً إلى ذلك، ينص المقترح على عقد القمة مرتين كل عام، الأولى عادية في آذار، على أن تُعقد قمة تشاورية في تشرين الثاني.

«رابطة الجوار»

البند الثاني، الذي من المفترض أن يكون مطروحاً على جدول الأعمال هو اقتراح عمرو موسى لرابطة «دول الجوار العربي»، التي لاقت اعتراضاً من السعودية ومصر، ولا سيما لجهة إشراك إيران في الرابطة، التي من المفترض أن تشمل 19 دولة آسيوية وأفريقية وأوروبية. والدول هي: «تركيا، إيران، أريتريا، إثيوبيا، كينيا، أوغندا، الكونغو الديموقراطية، أفريقيا الوسطى، تشاد، النيجر، مالي، السنغال، مالطا، قبرص، إسبانيا، البرتغال، فرنسا، إيطاليا واليونان».
المشروع، الذي طُرِح في قمة سرت العادية، أُجّل وطولب موسى بإعداد مذكرة في شأن «مبادئ وأسس سياسة الجوار العربي، ومقترح إقامة الرابطة وآليات عملها».
وبحسب مسؤولين في الجامعة، فإن موسى أعدّ المذكرة، غير أن أفكاراً ومقترحات جديدة طرحها عدد من الدول العربية ستكون مدار بحث ونقاش، لتعديل ما قدّمه موسى. الأمين العام، وكما هي حال إصلاح الجامعة، يسعى إلى «مبدأ الإقرار»، على أن يخضع التنفيذ للتشاور.
ما اتفق عليه الزعماء العرب هو إرجاء الحوار مع إيران بغية ضمها إلى الرابطة، بحسب ما أعلن مدير مكتب الأمين العام للجامعة هشام يوسف، الذي أكد أن الإرجاء جاء تلبية لتحفظات «دول عربية كثيرة طلبت ربط انضمام أي دولة إلى الرابطة بإجماع الدول الأعضاء، وتمسكت بعدم الحوار مع إيران قبل تنفيذ متطلبات مثل وقف تدخلاتها السلبية في الإقليم». وإذا قدّر لهذا الملف الإقرار، فإن خطوته الأولى ستكون باتجاه تركيا والثانية نحو تشاد.

الملفات الطارئة

وعلى الرغم من أن القمة مخصصة لبحث هذين البندين، فإنّ المستجدات والملفّات الطارئة على الوضع العربي، قد تلغي البحث وتفرض الترحيل كالعادة. فالقضية الفلسطينية اليوم ومصير المفاوضات باتا يتصدّران أعمال القمّة بعد المأزق الذي وصلت إليه، وحاجة العرب إلى الخروج بحل وسط يُنصف الفلسطينيين ولا يزعج الأميركيين.
ملامح الحل باتت معروفة عبر دعم الجهود الأميركية والوقوف في صف القرار الفلسطيني. غير أن مثل هذه الصيغة قد لا تمرّ دون الكثير من النقاش والسجال، ولا سيما أن مصر تترأس معسكر الرافضين للانسحاب من المفاوضات، وهو ما أعلنه وزير خارجيتها أحمد ابو الغيط قبل فترة.
أيضاً الوضع السوداني يطرح نفسه بقوة على طاولة الاجتماع العربي، مع اقتراب موعد الاستفتاء على تقرير المصير في الجنوب، ولا سيما أن النتيجة باتت شبه محسومة سلفاً، وتنذر بتوترات قد تعيد شبح الحرب إلى السودان.
ملفات أخرى ستكون مطروحة، على غرار الوضع اللبناني واليمن والصومال. ملفات على درجة من الحماوة قد لا تتيح للعرب «ترف» بحث الهيكلة الداخلية والتوسع الإقليمي، ما قد يفرض الترحيل، ولا سيما أن أمام العرب استحقاق آخر هو القمة العربية ـــــ الأفريقية التي ستُعقد غداً، والتي تفرض اقتصار النقاش في الملفات على يوم واحد فقط.


خلافات وتأجيل

في إشارة واضحة إلى صعوبة إقرار البندين الأساسيين على جدول أعمال قمّة سرت الاستثنائيّة، أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم (الصورة)، تعليقاً على ما جرى التوصل إليه بالنسبة إلى جدول أعمال القمة الرسمي، أنه «بالنسبة إلى إصلاح الجامعة العربية، كانت هناك وجهات نظر كلها تصبّ في موضوع الحاجة إلى إصلاح العمل العربي المشترك وتفعيله».
وأضاف: «هناك من رأى أن هذا يبدأ بإعادة هيكلة الجامعة، وهناك من رأى أنه يبدأ بالتركيز على العامل الاقتصادي، فيما كان هناك من رأى أن التدرج في ذلك قد يكون أمراً مفيداً». وتابع: «سترفع هذه التوصيات جميعها إلى القمة الاستثنائية لاتخاذ القرار المناسب».
أما بالنسبة إلى مشروع «رابطة الجوار»، فقال المعلم إنه «اتُّفق على أن يستمر هذا البند على جدول أعمال مجلس الجامعة، وأن تؤلف لجنة وزارية مصغرة لدراسته مع مجموعة خبراء، بحيث يعرض على القمة العربية المقبلة».
(أ ف ب)