موشيه ديان أراد إفهام الأميركيين أنّ إسرائيل على حافّة «خراب الهيكل الثالث»محمد بدير
كشف أبرز المؤرّخين للمشروع النووي الإسرائيلي، أفنير كوهين، أنّ تل أبيب أعلنت خلال حرب «يوم الغفران» عام 1973، حالة «تأهّب نووي» ثلاث مرات، وأنّ وزير الدفاع في حينه، موشيه ديان، طلب مناقشة احتمال اللجوء إلى الخيار النووي داخل الحكومة الأمنية المصغرة، إلا أنّ رئيسة الحكومة غولدا مائير، ووزراء آخرين رفضوا اقتراحه.
وكتب كوهين، في أحدث مؤلفاته المتوقع أن تصدر قريباً في كتاب في الولايات المتحدة، أنّ ديان «طلب، على ما يبدو، خلال الأيام الأولى من حرب تشرين، عرض الموضوع النووي أمام الحكومة المصغَّرة». حتى أنه استدعى رئيس اللجنة النووية الإسرائيلية في حينه، شلهيفت برييير، للمشاركة في جلسة الحكومة، لكن بسبب معارضة مئير، والوزراء يغآل ألون ويسرائيل غليلي، لم يحصل النقاش.
وأضاف كوهين أنه بالاستناد إلى لشهادة البروفسور المتوفّى يوفال نئمان، أعلنت تل أبيب خلال الحرب، حالة «تأهب استراتيجي» مرتين أو ثلاث مرات. وأضاف «ربما اللحظة الأكثر دراماتيكية في التاريخ النووي الإسرائيلي كانت في المراحل الأولى من الحرب. فخلافاً لعام 1967 (حرب الأيام الستة)، في عام 1973 بدت إسرائيل على حافة الانهيار». ووفقاً للتقارير، فإن ديان، الذي بدا قريباً من الانهيار النفسي وتحدث عن «خراب الهيكل الثالث»، اقترح استخدام السلاح النهائي الموجود في حوزة دولة الاحتلال. وكان الرجل يخشى أن تكون الدولة العبرية تقترب من نقطة اللاعودة وأراد، «على ما يبدو، أن تلتفت الولايات المتحدة إلى أن إسرائيل وصلت إلى هذه النقطة».
ويحمل كتاب كوهين الجديد اسمThe Worst Kept Secret: Israel>s Bargain with the Bomb. ويعالج سياسة الغموض النووي الإسرائيلي وتأثيراتها على المجتمع الإسرائيلي وعلى المنظومة السياسية والجيوسياسية في المنطقة. ويُعَدّ كوهين أهم المؤرخين للمشروع النووي الإسرائيلي، وقد عرض خلاصة تحقيقاته حول هذا المشروع في كتاب «إسرائيل والقنبلة» الذي منعت الرقابة الإسرائيلية نشر أجزاء منه، ممّا اضطره إلى إصداره في الولايات المتحدة.
ويكتسب ما جاء في كتاب كوهين الجديد، أهمية مضاعفة في ظل النقاش الساخن الذي أثاره نشر بروتوكولات عدد من الاجتماعات الحكومية التي شهدتها الأيام الأولى من حرب تشرين 1973، وسط الرأي العام الإسرائيلي.
يجب أن تبقى إصبعنا على الزناد لأننا عاجزون عن مواجهة «حرب غفران» جديدة
ويورد المؤلف في كتابه تفاصيل عما قد يكون تفكيراً إسرائيلياً باحتمال اللجوء إلى الخيار النووي في مواجهة الصدمة والشعور بالانكسار اللذين خلّفتهما الحرب. وضمن هذا السياق، يكشف كوهين أنه «وفقاً لشهادة أحد الأشخاص (سكرتير الوزير جليلي)، اقترح ديان في نهاية جلسة الحكومة المصغَّرة صبيحة التاسع من تشرين الأول، بعد يوم واحد من فشل الهجوم الإسرائيلي المضاد على الجبهة المصرية، بحث خيارات تتضمن عرض الخيار النووي». وإذ يشير إلى أن «لا شهادة لأي مصدر رسمي توضح ما الذي اقترحه ديان تحديداً، وأية نشاطات نُفِّذَت عملياً»، إلا أنه يعود ويؤكد أنّ «برييير حضر إلى مقر الحكومة، وانتظر تقديم العرض المطلوب. إلا أنه في اللحظة التي قدم فيها ديان اقتراحه، قال الوزيران آلون وجليلي لرئيسة الحكومة إن إجراء نقاش حول هذا الموضوع مبكر جداً وغير ضروري، وهو ما وافقت عليه مئير، مما حال دون قيام بريير بالمهمة التي جاء من أجلها».
وفي إحدى الحواشي، يشير كوهين في كتابه إلى أنّ مصدر معلوماته عن الجلسة الحكومية في 9 تشرين الأول هو أرنان عزرياهو، رجل أسرار الوزير يسرائيل جليلي، الذي انتظر خارج قاعة الاجتماع الحكومي.
وفي سياق الفصل الذي يتحدث عن «حرب الغفران»، واستناداً إلى البروفسور نئمان، كتب كوهين «يبدو أنه أُعلنت حالة تأهب استراتيجي مرتين أو ثلاث مرات خلال الحرب. مرتان خلال الأسبوع الأول من الحرب، ومرة في 17 أو 18 تشرين الأول، رداً على تأهب منظومة صواريخ سكاد السوفياتية في مصر». ويوضح أن عبارة «تأهب استراتيجي» هي دلالة غامضة على «تأهب نووي»، بينما يلفت كوهين إلى أن «الاعتقاد السائد هو أن حالات التأهب هذه تضمنت تغييرات مختلفة للأوضاع، منها نقل صواريخ أريحا من مواقع التخزين وتعبئتها بالوقود وأنشطة أخرى ذات صلة». ويذكر الكتاب أنه «بعد مرور عقود، روى وليام كفاندت (الذي كان مستشاراً في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال الحرب) كم كان أثر التقارير الاستخبارية الأميركية عن تلك الأوضاع عميقاً على وزير الخارجية الأميركي في تلك الحقبة، هنري كيسينجر. وبحسب كفاندت، فإن هذه التقارير كانت حاسمة في القرار الأميركي بمد إسرائيل بالأسلحة عبر جسر جوي.
وفي السياق، نشرت الصحف العبرية، أمس، مقالاً لرئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، غابي أشكنازي، تطرق فيه لحرب «يوم الغفران» والعبر التي استخلصت منها. ورأى أشكنازي أن «مسيرة الصحوة التي اجتزناها في الجيش، في المجتمع وفي الدولة في أعقاب حرب يوم الغفران، تعود هذه الأيام إلى مركز الخطاب الإسرائيلي».
وإذ شدد على أنّ «الجيش ملزَم بأن يكون كل الوقت متحفزاً، مدرباً وجاهزاً»، رأى أنّ «ما نُشر في الأيام الأخيرة يؤكد أن إسرائيل، بجيشها ومجتمعها لا تقدر على التعرض لـ«يوم غفران» آخر بما جسّدته هذه الحرب من «صدمة محفورة، وحضور دائم كالظل، وهذا هو التفسير للعمل الحثيث على تعاظم قوة الجيش الإسرائيلي وقدرته». وختم أشكنازي قائلاً «بصفتي رئيساً للأركان يقف على رأس جيش الدفاع الإسرائيلي، أعرف أن الدرس المركزي من حرب يوم الغفران هو ضرورة أن تكون دوماً إصبعنا على الزناد، وألّا نستخف بأي عدو، وأن نكون متواضعين في تقديراتنا، نطرح الأسئلة، نشكّك، نعرف أنه لا ينبغي الاعتماد على نجاحات الأمس، لأن مفعولها لا يسري اليوم، وبالأساس أن نعرف بل وأن نفهم أننا نعرف فقط ما نحن نعرفه ونرى فقط ما نحن نراه».