عاد نوري المالكي إلى سوريا، بعد نحو عام من القطيعة، حليفاً تتمسك به دمشق التي تشترط عليه تأليف حكومة شراكة وطنية عبر ضمان تمثيل حقيقي للسنّة في الحكم. حليف أعاد العلاقات إلى ما كانت عليه قبل تفجيرات بغداد المشؤومة، ومعها خطوط أنابيب النفط إلى ما كانت عليه قبل نحو عقدين من الزمن، مع نية رفع قيمة التبادل التجاري من مليار إلى 3 مليارات دولار
إيلي شلهوب
تتحرك الدبلوماسية السورية، في مقاربتها للملف العراقي، من مجموعة قناعات تلامس حد الثوابت، يمكن اختصارها في ستة عناوين، تبدأ بالتوافق الإقليمي والرضى الإيراني، مروراً بحتمية «الشراكة الوطنية» في العراق، حيث توفير وجود حقيقي للسنّة في الحكم أمر واجب، وحيث التيار الصدري «بيضة قبان» لا يجوز فرض شروط عليه، ولا تنتهي بضرورة التعجيل في حل الأزمة على أمل انضمام العراق إلى محور الممانعة.
هذا على مستوى المبادئ. أما على مستوى الأسماء، فيبدو الرئيس بشار الأسد «أكثر إصراراً من أي وقت مضى» على نوري المالكي، الذي زار دمشق أمس حاملاً معه ملفين أساسيين (النفط والمياه) متجنباً فتح صفحة الماضي «التي أسدل الستار عليها».
على الأقل هذا ما تؤكده مصادر قريبة من عاصمة الأمويين، تنقل عن المعنيين بالملف العراقي في سوريا تأكيدهم أن «أول الثوابت في السياسة الخارجية السورية حيال العراق هو عدم قبولنا بأي حكومة لا ترضى عنها طهران، التي نعلم جيداً أنها لن تقبل بأي حكومة لا تُرضي دمشق». ويضيف المعنيون أنفسهم، في إشارة إلى العنصر الثاني من هذه السياسة، أن القيادة السورية «اسدلت الستار عن الماضي الذي شابته الكثير من الشوائب مع المالكي، وهي ترحب به في سوريا أشد ترحيب، كما ترحب به رئيساً للحكومة العراقية المقبلة شرط أن ينجح فعلياً في تأليف حكومة شراكة وطنية».
ويشدد هؤلاء على أن «التيار الصدري مكوّن أساسي من الطيف السياسي العراقي ويمثّل بيضة القبان، ولن تقبل سوريا، بأي شكل من الأشكال، أي تدخل خارجي يخرجه من السلطة أو يضع عليه أي شرط في هذا الإطار»، من مثل عدم جواز تولّيه هذا المنصب أو ذاك، وهو ما يمثّل العنصر الثالث.
بإمكاننا والإيرانيين والأتراك أن نذهب إلى السعودية ونلزمها تلك الخيمة الإقليمية المشتركة
أما العنصر الرابع فيتلخص بحسب المعنيين في دمشق في أن «أزمة تأليف الحكومة شأن داخلي عراقي نتمنى أن ينجح العراقيون في التغلب عليها بأنفسهم، كما نتمنى ألا يطيلوا في هذا المخاض ويقصّروا من عمر هذه المدة الانتقالية على قاعدة أن المنطقة بحاجة إلى إكمال مشروع المقاومة والممانعة بانضمام العراق إلى هذا المحور. نحن بحاجة لهذا البلد لأهميته إقليمياً ودولياً».
وفي ما يتعلق بالعنصر الخامس، يؤكد هؤلاء أن «همّنا الأساس تأمين وجود حقيقي للسنة في الحكم. لا يعنينا إن كانت القائمة العراقية تأخذ امتيازات أو لا. المطلوب من الكل عدم استثناء أحد. ندفع المالكي نحو شراكة وطنية ونضغط في الوقت نفسه على الآخرين لعدم أداء دور العائق أمام هذه الشراكة»، مشيرين إلى أنهم يميّزون بين «العراقية» بصفتها قائمة كبرى، وبين مكونها بصفته كتلاً سنية وبين أفرادها المستقلين، «ليس بمنطق سلبي يستهدف تفكيك العراقية، بل بمنطق إيجابي يستهدف الضغط من أجل شراكة وطنية».
ويتابع هؤلاء، في إشارة إلى العنصر السادس، أن دمشق «تسعى إلى توسيع معادلة س. س.، على قاعدة أن الرياض، كما ساعدت في لبنان، تستطيع أن تساعد في العراق من خلال الثنائي الإيراني – التركي». ويوضحون «لقد قبلنا بالمالكي نتيجة لتوافق إقليمي يؤمن بالشراكة الوطنية، وليس لكونه شيعياً أو من دولة القانون أو لأي سبب آخر».
وشددوا على أنه «بإمكاننا والإيرانيين والأتراك أن نذهب إلى السعودية ونلزمها تلك الخيمة الإقليمية المشتركة»، مشيرين إلى «وجود اتصالات سورية – إيرانية – سعودية – تركية – أردنية حول العراق ولبنان غايتها الأساس إبعاد شبح الفتنة المذهبية».
المصادر القريبة من دمشق توضح أن «هذه الاتصالات تكثفت بعد ظهور إشارات إلى محاولات للعزف على وتر العلويين في تركيا. وردت معلومات عن أن الاتحاد الاوروبي اتصل بجماعات علوية في تركيا من أجل تحريضها على المطالبة بامتيازات وحقوق، فكان الرد الحاسم من (رئيس الحكومة التركية رجب طيب) اردوغان: إن العلويين جزء من المسلمين وليسوا كياناً منفصلاً».
وفي السياق، يؤكد المعنيون بالملف العراقي في دمشق أن أردوغان أبلغ القيادة السورية، خلال زيارته الأحد لعاصمة الأمويين، بأن الأتراك «يقبلون بما تتفقون عليه أنتم والإيرانيون. نحن مستعدّون لتقديم أي مساعدة تُطلب منا في هذا الإطار»، مشيرين إلى أن «الهدف الأساس لأنقرة تحقيق توازن مذهبي عرقي في العراق».
وفي ما يتعلق بإعلان القائمة «العراقية» مع المجلس الأعلى وحزب الفضيلة تسمية عادل عبد المهدي مرشحاً لرئاسة الحكومة، يؤكد المعنيون في دمشق أن «لا علاقة لنا بهذا الكلام. لا نزال على ما اتفقنا عليه، لم نبدل ولم نغير»، مشيرين إلى أن ما حصل «ليس سوى مناورة ومحاولة للتشويش على زيارة المالكي لدمشق، إضافة إلى كونها محاولة ابتزاز لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب من المالكي».
أما في شأن تصرفات زعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم وتغريده خارح السرب، فيرى المعنيون أنفسهم أنه «يناور ضمن الدائرة الإيرانية الواسعة ولا يمكنه الخروج منها. نعتقد أنه لن يكون حجر عثرة أمام التوافق السوري الإيراني إطلاقاً».
ويؤكد شركاء السر في المفاوضات العراقية أن الحكيم «تبلغ رسمياً من المعنيين في طهران بأن التوافق تم على نوري المالكي. ماذا يحاول أن يفعل؟ لا أحد يعلم. تنقلاته بين مصر وتركيا غير مفهومة.
يبدو أنه انتقل إلى الضفة الأخرى». ويضيفون أن «زيارة رجب طيب أردوغان إلى سوريا أثارت قلق المالكي وسلفه ابراهيم الجعفري اللذين اتصلا بالمعنيين للاستفسار، فكان الجواب الحاسم: لم يطرأ أي تبديل أو تعديل. الأسد مصرّ على المالكي أكثر من أي وقت مضى».
ويكشف هؤلاء عن أن «موضوع حزب الفضيلة انتهى. زارهم المالكي وأنهى الخلافات معهم. وقد أعلنوا بحضوره أنهم يؤيدون مرشح التحالف الوطني إلى رئاسة الوزراء»، في محاولة لتكذيب إعلان مشاركتهم في تسمية عبد المهدي. ويضيفون «هذا الإعلان لم يُرض جماعة دولة القانون الذين يريدون من الفضيلة أن يسمّوا المالكي بالاسم. لكن الفضيلة أصر على موقفه. مرشح التحالف يعني المالكي، غير أنهم لن يلفظوا اسمه قبل أن يعرفوا ما ستكون عليه حصتهم من الحكومة العتيدة».
مصادر قيادية في «دولة القانون» تقول إن «المشكلة لم تكن يوماً مع الفضيلة، بل ضمن حزب الفضيلة نفسه».
وتوضح أن «هذا الحزب حظي بوزارة، بحسب نتائجه الانتخابية. أحد قادته يطالب بأن تكون الزراعة، لأنها في هذه الحال ستكون من نصيبه، فيما طالب آخر بوزارة التجارة للغاية نفسها. صراع قادة ومصالح. المهم أنهم اتفقوا على أن يطالبوا بوزارتين، فكان الجواب: اطلبوا أمراً معقولاً. تراجعوا وتقدموا ببعض الطلبات التي لا مشكلة عندنا فيها. أصلاً القيادي الذي سينال وزارة الزراعة نحن راغبون فيه. في النهاية اقتنعوا. لو يكونوا راغبين بالمقاطعة منذ البداية، لكنهم دفعوا إليها دفعاً».
وفي موضوع القائمة «العراقية»، توقعت المصادر نفسها «حلحلة وشيكة. اقتنعوا أخيراً، على ما يبدو، بأنهم غير قادرين على طحن الهواء، إنهم عاجزون عن أن يفعلوا شيئاً».

زيارة المالكي

أردوغان للسوريين: نقبل بما تتفقون عليه أنتم والإيرانيون ومستعدّون لأي مساعدة
كان المعنيون بالملف العراقي في سوريا قد كشفوا، قبيل وصول المالكي إلى دمشق، عن أنه «لن يفتح سيرة الماضي. سيدخل مباشرة في التعاون الثنائي المستقبلي وسيعطي سوريا أكثر مما تريد»، مشيرين إلى أنه أحضر معه وزير النفط حسين الشهرستاني.
مصادر قيادية في «دولة القانون» قالت إن «السوريين كانوا قلقين من ألّا تلتزم الحكومة العراقية التوافق الذي تم بيننا وبينهم على إعادة تشغيل خط أنابيب النفط بانياس – كركوك. كما كانوا يطالبون بمساواتهم في أسعار النفط بالسعر الذي نبيع فيه هذه السلعة للأردن». وأضافت «قلنا لهم بكل وضوح إن لا مشكلة عندنا بالنسبة لموضوع سعر البرميل، لكن أمراً كهذا بحاجة إلى قرار من مجلس الوزراء ومصادقة من مجلس النواب. في النهاية هذا موضوع مالي من صلاحية السلطة التشريعية».
وتابعت مصادر «دولة القانون» أنه «بالنسبة لأنبوب النفط، فهو غير صالح ولا بد من مد خط جديد. كان هناك اقتراحان: الأول، وكان اقتراح السوريين، أن تتولى بغداد مهمة مد أنابيب جديدة، وأن تتقاضى سوريا رسوم ترانزيت فقط. أما الثاني، فكان أن يتولى السوريون مد هذه الأنابيب ويتقاضوا في مقابل ذلك أجور بدل نقل النفط.
بحسب هذا الاقتراح، تكون الأنابيب لهم وعليهم تقع مهمة صيانتها وحمايتها، وفي الوقت نفسه يكون مدخولهم منها أعلى بكثير». وأوضحت أنه «تم الاتفاق على الخيار الثاني. أدركت سلطات بغداد، أن في ظل حال الفساد المستشري في الإدارات العراقية فإن هذه الأنابيب ستكون تكلفتها خيالية»، مشيرة إلى أن «في ذلك طمأنة للسوريين لأن نتائجه ستكون كمية ضخمة من الإيرادات».
وأضافت أن «هذا الموضوع مرتبط أيضاً بمياه دجلة والفرات، حيث لا يلتزم السوريون حصتهم المتفق عليها. هذا في مقابل ذلك. الأمور يجري ترتيبها في جو وفاقي بما لا يسبب أي أزمة».
وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» إن الاسد جدد للمالكي «موقف سوريا الداعي إلى تأليف حكومة وحدة وطنية تمثل جميع أطياف الشعب العراقي»، مؤكداً «وقوف سوريا على مسافة واحدة من جميع العراقيين ودعمها لكل ما يتفق عليه أبناء العراق».
وأضافت «سانا» أن المالكي عبّر عن شكره للأسد على «مواقف سوريا تجاه العراق وحرصها على مساعدة العراقيين في تحقيق الامن والاستقرار فيه والحفاظ على وحدته أرضاً وشعباً»، مؤكداً «حرص القيادة العراقية على اقامة افضل العلاقات وأمتنها مع سوريا وعلى جميع الصعد بما يتناسب مع حجم العلاقات الشعبية والاخوية التى تربط ابناء سوريا والعراق».
وتابعت «سانا» أن الاسد والمالكي أكّدا «اهمية البعد الاستراتيجي للعلاقات الثنائية بين دول المنطقة وضرورة تطوير التعاون الاقتصادي بين هذه الدول وصولاً الى تكتل اقتصادي اقليمي يلبّي تطلعات شعوب المنطقة ويخدم امنها واستقرارها». وشددا على «ضرورة العمل على ازالة جميع العقبات التي تعترض التعاون الثنائي»، وعلى «اهمية البحث عن آفاق تعاون جديدة تعزز العلاقات الأخوية بين الشعبين وتخدم مصالحهما المشتركة».
وأفادت «سانا» بأن المالكي التقى نظيره السوري محمد ناجي عطري، مشيرة إلى أن وزيري نفط البلدين حسين الشهرستاني وسفيان علاو وقّعا «مذكرة تفاهم حول التعاون الاستراتيجي في مجال النفط والغاز».
ويتضمن المشروع، الذي اقترح العراق تنفيذه بأسلوب «البناء والتشغيل ونقل الملكية»، أنبوباً بطاقة 1,250 مليون برميل يومياً وأنبوباً بطاقة 1,5 مليون برميل يومياً للنفط الثقيل. كما يتضمن خطاً للغاز بطاقة مناسبة مرافقاً للخطين لضمان الوقود اللازم لتشغيل محطات الضخ في كلا البلدين.
وذكرت المستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان أنه أعيد خلال اللقاء «طرح مجلس التعاون الاستراتيجي بين سوريا والعراق وأهمية هذا المجلس وضرورة تفعيله، وأنه كان من المواضيع الأساسية المطروحة على طاولة النقاش».


رؤية سعوديّة ــ مصريّة حول الأزمة

كشف وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، أمس، عن أنّ الرئيس حسني مبارك تلقى رسالة من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، تناولت كيفية حسم الأزمة الحكومية العراقية. وقال أبو الغيط، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي سعود الفيصل، إن رسالة الملك «تتعلق أساساً بالوضع العربي العام، وفي المقدمة مسألة العراق، وكيفية حسم الأزمة المتعلقة بتأليف الحكومة، والتشاور بين مصر والمملكة في هذا الشأن». وتابع أبو الغيط أن الرسالة تناولت أيضاً «الوضع في لبنان، كما الوضع في السودان في ضوء الاهتمام المشترك من جانب مصر والسعودية إزاء الموقف السوداني».
بدوره، رأى الفيصل أن ما تستطيع مصر والسعودية تقديمه إلى العراق للخروج من الأزمة الحالية، هو «النصح والمشورة، فالقرار يظل عراقياً ولا أحد يستطيع أن يحل مشاكل العراق إلا العراقيون». وتابع «ما تتمناه مصر والسعودية هو أن تكون هناك حكومة تمثل جميع العراقيين حقيقة، وتتساوى فيها كل الطوائف في الحقوق والواجبات».
(يو بي آي)