خاص بالموقع- بعد مرور ستة عشر عاماً على توقيع اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، وتبادل السفراء والعلاقات الرسمية، يرى رافضو الاتفاقية ومقاوموها أنهم نجحوا في خلق ثقافة راسخة بين الأردنيين ترفض كل أشكال العلاقة مع دولة الاحتلال التي لا تزال تمثّل خطراً على الأردن ووجوده. حتى الذين شاركوا في صناعة الاتفاقية من رسميين أردنيين يقولون إنه على الرغم من مرور هذه السنوات على الاتفاقية، فإن طيفاً واسعاً من الشعب الأردني يرفض العلاقة مع الدولة العبرية بسبب اقتناعهم بعدم رغبتها في السلام.
وقال رئيس الوزراء الأردني السابق، عبد السلام المجالي، الذي وقّع اتفاقية وادي عربة مع نظيره الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين لمناسبة مرور 16 عاماً على توقيع الاتفاقية التي تصادف غداً: نجحت اتفاقية وادي عربة في إقامة سلام بين الأردن وإسرائيل بعد عقود من الحروب والصراع، وأدت هذه الاتفاقية إلى استعادة الأردن لحقوقه في المياه والأرض.. ولكن على المستوى الشعبي لم تستطع الاتفاقية اختراق عقول الأردنيين ووجدانهم وإقناعهم بأن إسرائيل راغبة في السلام.
المجالي الذي قاد وفد بلاده في مفاوضات السلام التي انتهت بتوقيع اتفاقية وادي عربة، بحضور الملك الأردني الراحل حسين والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون قي منطقة وادي عربة التي استعادها الأردن بموجب الاتفاقية، عزا الرفض الشعبي الأردني للعلاقة مع إسرائيل إلى ممارساتها كدولة احتلال ضد الشعب الفلسطيني ومحاولة اقتلاعه من أرضه وتهويد مقدساته ومواصلة الاستيطان في الأراضي المحتلة، وخاصة في مدينة القدس. وقال «هذه الممارسات الإسرائيلية أثبتت للشعب الأردني عدم رغبة إسرائيل في السلام» .
وكان الملك عبد الله الثاني قد وصف في حديث صحافي نشرته صحيفة إسرائيلية في مثل هذا الوقت من العام الماضي السلام بين بلاده وإسرائيل بأنه سلام «بارد»، عازياً ذلك إلى الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وعرقلة الحكومة الإسرائيلية لجهود السلام.
هذه التصريحات شجّعت معارضي الاتفاقية، من قوى سياسية ونقابية، على المضي قدماً في جهودهم لمقاومة التطبيع مع الدولة العبرية في كل المجالات.
وقال رئيس لجنة مقاومة التطبيع النقابية بادي رفايعة «أثبتت الأيام أن قراءتنا كوطنيين ومقاومين للتطبيع صحيحة لهذه المعاهدة المشؤومة، وأن هذا العدو لا يرغب في أي صلح أو معاهدة، بل ينظر إلى مصالحه فقط، وقد حققت له هذه المعاهدة ما يخطط له على الجانب الرسمي، ونجح أيضاً في تفتيت الصف العربي عموماً».
لكنه أضاف أن «المعاهدة فشلت في اختراق الضمير الشعبي الأردني، سوى في بعض الزوايا المعتمة التي نحاول محاصرتها باستمرار».
وتحظر لجنة مقاومة التطبيع النقابية منذ تأسيسها عام 1995 على كل منتسبي النقابات المهنية (120 ألف عضو) التعامل مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال، وتفرض عقوبات على منتسبيها الذين ينتهكون قرارات المقاطعة، لا بل إنها ذهبت إلى حدّ وضع قوائم سوداء تضم أسماء أشخاص وشركات وفنادق ورجال أعمال وأكاديميين، يثبت لها أنهم تعاملوا مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال، وهو الأمر الذي دفع الحكومة الأردنية عام 2002 إلى حظر هذه اللجنة، التي عادت وجددت نشاطها منذ خمسة أعوام.
وتتهم لجنة مقاومة التطبيع إسرائيل بخرق بنود معاهدة وادي عربة. ويقول رفايعة «بين الفينة والأخرى يخرج علينا مسؤولون إسرائيليون بتصريحات سلبية عن الأردن، ومنها تلك التصريحات التي تقول إن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين» .
وأضاف «هذا بحد ذاته خرق فاضح وواضح لمعاهدة وادي عربة، لكونه يلحق الضرر الكبير بمصالح الأردن ويهدد مصيره».
وأشار رفايعة إلى المناهج الدراسية في إسرائيل التي ترى أن الأردن جزء من أرض (إسرائيل الكبرى).
وقال «معاهدة وادي عربة لم تغيّر الموقف الإسرائيلي تجاه الأردن، ولم تغيّر شيئاً في العقلية الصهيونية الاستعلائية، لا بالنسبة إلى الأردن فقط، بل إلى العرب جميعاً».
وتحدث رفايعة عن منجزات لجان مقاومة التطبيع، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي، فقال إن نشاطات اللجنة على مدى السنوات الماضية نجحت في خفض حجم التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل.
وقال الناشط الأردني «هناك تبادل تجاري بين الجانبين، ومن طرف واحد هو إسرائيل، وقد يكون قليل الحجم وآخذ بالانحسار، وحجم الاستيراد الأردني من الدولة العبرية لا يتجاوز 1 في المئة من مجمل مستورداته».
وأضاف «هذا النوع من التطبيع يسجل فشلاً متزايداً يوماً بعد يوم، ويتجلى ذلك في المدن الصناعية المؤهلة (الكويز)، وهي أكبر مشروع تطبيعي اقتصادي مع إسرائيل».
وتابع «لو راجعنا عمليات الاستيراد أواخر تسعينيات القرن الماضي، فإن الرقم كان يبلغ 250 مليون دولار، بينما اليوم لا يصل حجم الاستيراد من إسرائيل إلى 100 مليون دولار، وجاء هذه التراجع بسبب انتفاضة الأقصى ومجازر إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. وأستطيع الجزم بأن هناك فتوراً اقتصادياً مع العدو الإسرائيلي».
وعن دور لجان مقاومة التطبيع شعبياً، قال رفايعة «نحن نتبع أسلوب التثقيف والتنوير في توعية الشعب الأردني لمخاطر التطبيع مع إسرائيل، ونحذرهم من عواقب الاستيراد منها، ونحاول مراسلة من يقوم بذلك ولقاءه لإبداء النصح له، ونكشف بين الفينة والأخرى المطبّعين، وأنواع السلع الإسرائيلية المستوردة، ونحذر المواطنين منها، وقد نعلن في الصحف أيضاً، إضافة الى تنظيم الندوات والمؤتمرات الخاصة بالتطبيع أو إصدار النشرات» .
وقال «نجحنا في إلغاء نشاطات عديدة كانت ستجري بمشاركة إسرائيليين، كما قاطعنا العديد من النشاطات التي شارك فيها إسرائيليون، وقاطعنا الجهات التي تنظّم مثل هذه النشاطات».
وأشار إلى أن اللجنة نجحت أخيراً في إلغاء سباق للدراجات كان سينظّم في العاشر من الشهر الحالي في الأردن بمشاركة أردنية وإسرائيلية، حيث تمكّنت اللجنة من إقناع المشاركين الأردنيين بعدم المشاركة في السباق، ما أدى إلى إلغائه.
( يو بي آي)