ملامح اتفاق شامل ترتسم في أفق المشهد العراقي، حيث لا تزال المراهقة السياسية سيدة الموقف. البوادر الأولى توافق جمع الأكراد والتحالف الوطني على التجديد لنوري المالكي وجلال الطالباني، يتوقع انضمام «العراقية» إليه في خلال اليومين المقبلين بعد وضع اللمسات الأخيرة على تسوية تفيد التسريبات بأنها ستنتهي برئاسة البرلمان لشخصية سنية من «العراقية» ومنصب سيادي آخر لإياد علاوي
إيلي شلهوب
مفاوضات تأليف الحكومة العراقية تقترب من نهايتها. عند السادسة والنصف من مساء يوم أمس، عقدت الكتل البرلمانية الفائزة جميعها، وبينها المجلس الأعلى، اجتماعاً على مستوى الخبراء، في منزل نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويس في بغداد، للاتفاق على إطار لحكومة الشراكة الوطنية. ويتوقع أن تُطلق «خلال اليومين المقبلين»، على ما تفيد أوساط نوري المالكي، مفاوضات بين «العراقية» و«التحالف» تؤكد التسريبات أنها ستنتهي إلى اتفاق على أن تعطى رئاسة البرلمان إلى أحد المكونات السنية في «العراقية» فيما يتولى إياد علاوي منصباً سيادياً آخر، غير رئاسة الحكومة التي يجمع الكل على أنها من حصة المالكي، ورئاسة الجمهورية التي حسمت لصالح جلال الطالباني.
مشاركة المجلس الأعلى في اجتماع يوم أمس لافتة، وتأتي بعد ساعات من اتصال أجراه زعيم إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني مع السيد عمّار الحكيم، أبلغه في خلاله أن الأكراد قبلوا بالمالكي رئيساً للوزارء، وفي وقت أجرى فيه هذا المجلس اتصالاً بمعنيين أبلغهم في خلاله «بأننا إن كنا سنشارك في الائتلاف المقبل، فلن نقبل بوزير واحد حصة لنا»، على ما تفيد مصادر من شركاء السر في هذه المفاوضات، تحدثت عن أن «الأردنيين اتصلوا بالمالكي اليوم (الأربعاء) وأعربوا له عن حماستهم للتجديد له في رئاسة الحكومة، كاشفين له عن أنهم سيدعون علاوي إلى زيارة عمان من لإقناعه بذلك».
وكان من المقرر أن يعقد في أربيل يوم أمس اجتماع لرؤساء الكتل البرلمانية بهدف التوصل إلى اتفاق في رزمة متكاملة على المناصب السيادية الأساسية الثلاثة، رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة. لكن الاجتماع ألغي بسبب رفض دولة القانون وكتلة الأحرار الصدرية عقده في هذه المدينة. الحجة المعلنة كانت أن بغداد هي عاصمة العراق وهي الأولى باحتضان هذا الاجتماع. أما السبب الضمني فكان قناعة التحالف بلاجدوى هذا الاجتماع، بعدما تمت التوافقات مع الكتل كلها.
توافقات كان أبرز دليل على نضجها قرار المحكمة الاتحادية قبل أيام، الذي سارع الأكراد والتحالف إلى الترحيب به، تحديد مهلة أسبوعين لإغلاق الجلسة الأولى المفتوحة للمجلس النيابي التي يُفترض أن يُنتخب في خلالها رئيسا البرلمان والجمهورية. ولعل التسريبات عن جلسة برلمانية حاسمة ستعقد الاثنين المقبل هي الدافع وراء اتجاه الأطراف المترددة إلى حسم خياراتها سريعاً.
شركاء السر يؤكدون حصول تفاهمات أولية مع مكونات الكتلة العراقية، في إشارة إلى مجموعات صالح المطلك وأسامة النجيفي ورافع العيساوي وطارق الهاشمي، التي «أعربت عن استعدادها للقبول بالمالكي رئيساً للحكومة، لكنها اشترطت في مقابل ذلك سلسلة من المطالب». ويضيفون أن «علاوي أبلغ الأطراف المعنية يوم الاثنين موافقته على المالكي رئيساً للحكومة في مقابل أن يتولى هو منصباً سيادياً غير رئاسة الجمهورية»، مشيرة إلى أنه «طلب ضمانات، فكان الجواب أن الضامن الوحيد هو الله تعالى وأن حالك كحال (السيد مقتدى) الصدر في هذا الموضوع».
وكانت المفاوضات مع «العراقية» قد استؤنفت قبل نحو عشرة أيام، في أعقاب زيارة المالكي لسوريا. وقتها، عُقدت عدة اجتماعات بين موفدين عن «العراقية» وآخرين عن التحالف (أوساط المالكي تقول إنها عقدت بصفة شخصية) في العاصمة الاردنية عمّان تقدم في خلالها ممثلو علاوي بعرض يقوم على القبول بالمالكي رئيساً للوزراء، لكن بشروط.
وتقول مصادر مطلعة عن كثب على ما دار في خلال هذه المفاوضات، إن جماعة علاوي طرحوا أربعة شروط هي «أولاً، أن يعقد لقاءان أو ثلاثة بين الجانبين سراً. ثانياً، أن تؤلف لجنة مشتركة تعيد النظر بما استحدثه المالكي من قوانين، نبقي منها ما هو متوافق مع الدستور، ونحاول أن نشرعن ما يتعارض معه وإلا فلنغه. ثالثاً، أن يتولى علاوي رئاسة الجمهورية مع توسيع صلاحياتها عبر إعادة تفعيل المادة الدستورية الملغاة المتعلقة بصلاحيات مجلس الرئاسة، بما يحوّل رئيس الحكومة إلى مجرد منفذ للسياسات. رابعاً، أن تسمي العراقية الوزراء الخاصين بالوزارات حصتها من دون اعتراض التحالف، في مقابل أن يسمي التحالف الوزراء خاصته من دون اعتراض العراقية». وتضيف المصادر «كلها مطالب رفضت. الجواب كان واضحاً وصريحاً: أولاً، هناك إجماع شيعي على عدم المسّ بصلاحيات رئيس الوزراء ولو كان الأمر سيؤدي إلى خراب البصرة. ثانياً، لم يعد هناك وجود لشيء اسمه المجلس الرئاسي، ولا جهة شيعية واحدة توافق على إعادة تفعيل هذه المادة التي ألغيت بحكم الدستور. ثالثاً، لا مبرر لعقد اجتماعات سرية. يمكن أن يكون هناك وسطاء سريون لا اجتماعات. رابعاً، هناك توجه إلى عدم القبول بتولي أيّ من رموز العراقية مواقع أمنية».
في خضم هذه المفاوضات، دخل الأميركيون على الخط، وطلبوا من السوريين دعم تولي علاوي رئاسة الجمهورية بعد تعزيز صلاحياتها، على ما تفيد مصادر وثيقة الصلة بعاصمة الأمويين. وبعثت الإدارة الأميركية، في الوقت نفسه، رسالة إلى المالكي تطلب فيها إعادة النظر بالهيئات التي أُلفت تحت هاجس الأمن ومنها هيئة اجتثاث البعث، على ما تقول مصادر قريبة من حزب الدعوة فسرت هذه الخطوة بأنها محاولة من علاوي لإرضاء حلفائه من العرب السنة، كما أنها تظهر مدى قدرته على التأثير بالإدارة الأميركية وبالتالي مدى ارتباطه بها وبسياساتها.

مناورات المجلس الأعلى

كانت زيارة المالكي إلى دمشق قد شهدت سلسلة مناورات، تتقاطع المصادر على أن محركها الأساس ليس سوى «المجلس الأعلى»، تستهدف تخريب الجولة الخارجية لرئيس وزراء العراق. في مقدمة هذه المناورات، على ما تفيد مصادر وثيقة الاطلاع، اتصال القيادي في المجلس، عادل عبد المهدي، بقيادات العراقية المقيمين في عمان، عشية وصول المالكي إلى عاصمة الأمويين. «الرسالة كانت واضحة وبسيطة»، تقول المصادر، «تعالوا نفسد زيارة المالكي لدمشق. أصدروا بيانا باسمكم واسم الفضيلة والمجلس الأعلى تعلنون فيه تسميتي لرئاسة الحكومة». وتضيف «وهكذا كان. صدر البيان من دون علم علاوي، وسرّب إلى قناة الجزيرة التي بثته بصفة العاجل قبل أن تعود وتسحبه». «استاء علاوي كثيراً»، توضح المصادر، «وأنّب كل من تورط بهذه القضية. استياؤه نبع من كونهم تصرفوا من دون العودة إليه. كان سؤاله، على ما أبلغهم: كيف سنفاوض المالكي الآن؟».
المناورة الثانية، والتي تفوقها أهمية، تلك الجولة التي قام بها السيد عمّار الحكيم إلى كل من سوريا وتركيا ومصر، والتي تلتها زيارة قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى عاصمة الأمويين. جولة، مع ما رافقها من تسريبات وشائعات، أقلقت حزب الدعوة الذي استفسر عن الوضع من أكثر من طرف معني. «جاءه الجواب حاسماً. الموقف السوري لم يتغير قبل زيارة الحكيم إلى تركيا ولا بعدها. الرئيس (السوري بشار) الأسد ثابت على موقفه: مع المالكي رئيساً لحكومة شراكة وطنية»، على ما تفيد مصادر شاركت في نقل الرسالة التي تضمنت أيضاً «طلباً بأن تبقى محادثات المالكي مع المسؤولين السوريين في إطار التوافقات التي تمت، وأن يتجنب المالكي، في خلال وجوده في دمشق، أي تشنج أو لغة صدامية». «ساد الارتياح لدى قادة الدعوة»، على ما تضيف المصادر، «وقرروا أن يحضروا معهم، في بادرة حسن نية، وزير النفط حسين الشهرستاني للتوقيع على مذكرة التفاهم الخاصة بأنابيب النفط بين البلدين»، مشيرة إلى أن هذا حصل في اليوم نفسه الذي سُرب خبر ترشيح عبد المهدي، عشية زيارة المالكي لدمشق. أما المناورة الثالثة، على ما تفيد مصادر من أكثر من جهة عراقية، فكانت عبارة عن حملة مكثفة شنها المجلس الأعلى في محاولة لتشكيك الأطراف المعنية بالاتفاق حول المالكي. وتوضح المصادر «سعوا أولاً إلى الترويج لمقولة أن الإيرانيين لا يريدون المالكي. ثم لجأوا إلى شائعة أنه اتصل بالسوريين يتوسلهم إعلان دعمهم له من دون أن يلقى آذاناً صاغية في دمشق. ثم روجوا شائعة أن الصدر قد أمهل المالكي اسبوعين لتأليف الحكومة وإلا فهو سيسحب دعمه له. ولمّا انتهت المدة من دون أن يحصل شيء، قالوا إن الصدر مددها أسبوعاً».
أوساط المالكي ترى أن «ما يقوم به المجلس الأعلى ليس سوى انتحار سياسي. المجلس مكوّن مهم من مكونات البيت الشيعي، له حيثياته وتاريخيه ويجب ألّا نضيعه بهذه السهولة. يجب التحلي بطول البال، لا شك في أنه سيعود إلى حيث يجب أن يكون».

الفضيلة

تؤكد مصادر شريكة بمفاوضات تأليف الحكومة العراقية أن «إشكال حزب الدعوة مع حزب الفضيلة انتهى إلى غير رجعة»، مشيرة إلى أن «الخطوة النهائية في هذا الإطار قد تمت اليوم» الأربعاء. وتوضح المصادر نفسها أن «المشكلة كانت طوال الوقت طريقة تعامل حزب الدعوة الفوقية مع الفضيلة». وأضافت أن «واقعاً كهذا أجبر المالكي نفسه على الذهاب إلى مقر الحزب في محاولة للوقوف على خاطره من دون أن تنتهي المناكفات والمراهقة السياسية في تعاملهما مع بعضهما البعض»، مشيرة إلى أن «كثرة استخدام الأطراف الأخرى لاسم حزب الفضيلة، وخصوصاً العراقية والمجلس الأعلى، دفع إلى التدخل والطلب من الفضيلة إصدار بيان يؤكد عدم ارتباطه بأي مشروع خارج إطار التحالف الوطني» وهو ما تحقق يوم الاثنين قبل الماضي.
لم تمض ثلاثة أيام حتى عاد الفضيلة يوم الخميس شاكياً أن «الدعوة يقول إنه أبرم اتفاقاً متكاملاً يشمل كل التفاصيل مع التيار الصدري، وقد أبلغنا ما معناه أننا إن رغبنا في الانضمام إلى هذا الاتفاق فأهلاً وسهلاً وإلا فأنتم أحرار» مع العلم أن الاتفاق مع التيار الصدري جرى فقط على المبادئ العامة والخطوط العريضة.
وتقول المصادر نفسها إن مطالب الفضيلة هي عبارة عن موقع سيادي من الصف الثاني، مثل نائب رئيس الجمهورية أو نائب رئيس مجلس الوزراء أو نائب رئيس البرلمان، إضافة إلى حقيبة وزارية خدماتية واستيعاب عدد من أنصاره في وظائف الدولة وفي السلك العسكري برتبة ضباط. وتضيف «أبلغناهم أنهم بهذه الطريقة لن يحصلوا على أي شيء بل العكس، سيخسرون كل شيء، وأضفنا أن عليهم أن يصدروا بياناً يرفضون فيه استخدام اسم الفضيلة في التحالف، وتنشيط الوضع الداخلي لهذا الأخير». ويتابع هؤلاء أن «الفضيلة أبلغنا الأحد أن قيادته اجتمعت ووافقت على هذا الطرح».

الأكراد واجتماعات أربيل

إشارات من المجلس الأعلى تفيد باستعداده للانضمام إلى الائتلاف الحكومي

الإدارة الأميركية طلبت من دمشق دعم تولّي علاوي رئاسة الجمهورية


اما في ما يتعلق بالأكراد، فتقول مصادر وثيقة الاطلاع على مفاوضاتهم مع التحالف إن «اجتماعاً عقد بين الكتل الكردية وبين التحالف الوطني يوم الأربعاء الماضي ناقشوا في خلاله الورقة الكردية وجرى التوافق على جميع البنود الـ١٩ التي تضمنتها». ويضيفون أنه «بالنسبة للبنود التفجيرية، مثل تطبيق المادة مئة وأربعين، حصلت توافقات ترضي الطرفين على قاعدة إقرارها من حيث المبدأ على أن ترحّل التفاصيل المهنية المتعلقة بآليات تطبيقها إلى وقت لاحق»، مشيرين إلى أنه «في ختام الاجتماع، طلب الوفد الكردي مهلة لمراجعة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني والرئيس جلال الطالباني».
أوساط المالكي توضح أن «المادة 140 منصوص عليها في الدستور ولا نتفق مع القائلين بأنها سقطت بحكم التقادم. اتفاقنا مع الأكراد تم على أساس أننا لا نستطيع بتها من دون المكونات الأخرى، وخصوصاً مواضيع تحديد من له حق التصويت وحدود المناطق المتنازع عليها وقيمة التعويضات وغيرها من الأمور التفصيلية التي لم ينص الدستور عليها».
مصادر معنية بهذا الملف تقول «يبدو أن الأكراد يريدون أن يقطفوا ثمار الاتفاق على تأليف الحكومة. لذلك، دعا البرزاني الكتل الأربع الكبرى إلى أربيل الأربعاء والخميس على أمل إعلان الاتفاق من هناك. غير أن التحالف رفض الذهاب، بحجة أن التوافقات قد تمت مع الجميع فما الحاجة إلى يومين من الجلسات؟». وتضيف أن «الأكراد يريدون، على ما يبدو، أن يحققوا القدر الأكبر من الإفادة من وراء ما يجري. يريدون إعادة إنتاج بريقهم، في ظروف يرونها الأكثر مؤاتاة، بفعل التشرذم العربي بين الشيعة والسنة والذي وفر للأكراد فرصة استعادة دورهم وإمساك العصا من منتصفها».

الجعفري رئيساً للتحالف الوطني

إلى ذلك، يفترض أن يعقد التحالف الوطني اجتماعاً خلال اليومين المقبلين لهيئته العامة (أي جميع النواب المنضوين تحت لوائه) لانتخاب رئيس الحكومة الأسبق ابراهيم الجعفري رئيسا له، على ما تفيد مصادر من داخل التحالف. أوساط المالكي تقول إن هذا الاجتماع سيعقد الأسبوع المقبل، مشيرة إلى أن «التأجيل جرى على أمل إنهاء المجلس الأعلى مقاطعته لاجتماعات التحالف».


الحكيم إلى أين؟

تتساءل مصادر رفيعة المستوى من البيت الشيعي عما يريده السيد عمار الحكيم، وعن سبب هذا «الإمعان في الخطأ في استقرائه للوضع.
أهي العقول التي تملي عليه التحليلات؟ كيف يُعقل أن يتجه نحو الرياض والقاهرة في الوقت الذي يبدو واضحاً فيه أنهما تتجهان نحو طهران طلباً لتوافقات؟ ألم يلحظ الانكفاء الأميركي في المنطقة؟ ألم يدرك بعد أن التوافق على المالكي جاء بتسوية ضمنية إيرانية سورية أميركية؟ لأي سبب يستبدل الخيارات الرابحة بالخيارات الخاسرة؟». وتضيف «هل بات العامل المحرك له يقتصر على العداوات الشخصية وردود الفعل الكيدية؟ ألم يبلغه أحد بعد بأن تصرفاته تثير استياء دمشق وغضب طهران؟ ماذا سيفعل عندما يجلس الجميع حول طاولة واحدة، وقد دنت هذه اللحظة؟ وقتها لن ينفع الندم. عليه التقاط الإشارات واغتنام الفرصة والعودة إلى مكانه الطبيعي قبل أن يفقد ماضيه ويطيح حاضره»، مشيرة إلى أن «استغرابها لتصرفاته جعلها تعتقد في وقت من الأوقات أنها ناتجة من خطة إيرانية تتضمن توزيع أدوار بين الأطراف الشيعية».