فجأة نضبت معطيات عملية التسوية، ودخلت مفاوضاتها في سبات إعلامي، قد يكون سابقاً لإعلان اختراق مفاجئ توحي به التسريبات اليومية الضئيلة

حسام كنفاني
متابعة ملف عملية التسوية خلال الأسبوع الماضي كانت تشير بوضوح إلى حال من الكتمان يعتري المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. كتمان يبدو واضحاً أنه نابع من اتفاق ضمني على إمرار الفترة الفاصلة عن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بأقل قدر من التسريبات بشأن نجاح أو فشل جهود إحداث اختراق في الملف التفاوضي.
غير أن كبت التسريبات لا يعني غياب محاولات «التوفيق الأميركية». فوفق مصادر مطلعة، تجري المحادثات السرية بنحو مكثّف جداً، ما قد ينتج منها إعلان مفاجئ لاستئناف المفاوضات المباشرة واتفاق على تجميد مؤقت وجزئي للاستيطان في الضفة الغربية.
وتستدل المصادر على ذلك بالإشارة إلى تقلّص مساحة التصريحات الفلسطينية المهدّدة بالخيارات. وتلفت إلى قدر لا بأس به من التفاؤل في أوساط المسؤولين الفلسطينيين، وفي مقدمتهم محمود عبّاس، الذي يتوجّس أساساً من اللجوء إلى خيار غير تفاوضي.
ورغم ندرة التسريبات في المرحلة الأخيرة عن ملامح التسويات الاستيطانية، إلا أن بعض المعطيات تُشير إلى حجم المفاوضات السريّة القائمة، التي تتجاوز مسألة التجميد الاستيطاني الإسرائيلي إلى السعي إلى إتمام رسم حدود «الدولة الفلسطينية». بمعنى آخر، إن الإدارة الأميركية تبدو متجاوزة لإعلان الفلسطينيين تجميد المفاوضات المباشرة، وهي تخوض مفاوضات غير مباشرة، من دون إعلانها، لتمهيد الأرضية للعودة إلى طاولة التسوية بشبه اتفاقات مسبقة.
أحدث ما نشر عن أفكار، أو مفاوضات أميركية إسرائيلية لإعادة عقارب المفاوضات إلى الدوران، جاء على شكل مباحثات «بعيدة عن الأعين العربية» لتأجير أراضٍ فلسطينية إلى الإسرائيليين في مرحلة ما بعد إنشاء الدولة.
وبحسب معطى المفاوضات الأميركية الإسرائيلية، فإن هناك توجهاً للاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود عام 1967، في مقابل موافقة فلسطينية على تأجير مستوطنات في منطقة القدس الشرقية المحتلة والأغوار (منطقة البحر الميت الفاصل بين الضفة الغربية والأردن) لإسرائيل لمدة 40 عاماً، وفي رواية أخرى لـ99 عاماً.

الولايات المتحدة تتجاوز الموقف الفلسطيني من الاستيطان وتخوض مفاوضات غير مباشرة

فكرة الإيجار قد لا تكون جديدة على عملية التسوية عموماً، ليس على المسار الفلسطيني فحسب. فقد سبق أن اعتمدت في اتفاق وادي عربة مع الأردنيين، وطرحت على السوريين في أكثر من مرحلة من مراحل التفاوض، سواء المباشر أو غير المباشر. فعلى سبيل المثال، إن اتفاق وادي عربة مع الأردن في الأول من شهر تشرين الثاني 1994 نص على تأجير أراضٍ وضم بعضها وإلحاقها بمستوطنة كيبوتس أشدود يعقوب بمساحة تمتد على 120 كيلومتراً مربعاً في الغور الشمالي، منها 7,5 كيلومترات مربعة في منطقة الباقورة عند ملتقى نهري الأردن واليرموك ذات المخزون الجوفي الكبير من الماء العذب. وتضمّنت المادة الثالثة من البندين الثامن والتاسع من نصوص معاهدة وادي عربة على استبعاد تطبيق التشريعات الأردنية بشأن المتصرفين بالأرض المستأجرة أو مستخدميها، كما في السماح بدخول قوات الاحتلال إليها دخولاً دائماً.
وفيما لم ينص الاتفاق على مدة التأجير، وهو ما يحرص الأردنيون على التكتم عليه، إلا أن الحديث هو عن 99 عاماً قابلة للتجديد.
فكرة التأجير عرضت أيضاً في المفاوضات مع سوريا للحصول على أراضٍ من هضبة الجولان المحتلة تسمح لإسرائيل بالوصول إلى بحيرة طبريا.
فكرة الإيجار أيضاً طرحت في مفاوضات طابا في أوائل عام 2001. والمطروح حينها كان غور الأردن تحديداً، لكن الحديث كان يجري عن عشرة أعوام في حد أقصى، لا على 40 أو 99 عاماً. اتفاق طابا في ذلك الحين حظي برضى فلسطيني، وخصوصاً من عرّاب الاتفاق أحمد قريع (أبو العلاء)، غير أن الانتفاضة الفلسطينية والانتخابات الإسرائيلية المبكرة التي أوصلت أرييل شارون إلى السلطة ألغتا الاتفاق.
على هذا الأساس، فإن الفكرة غير مرفوضة فلسطينياً، وإن كان الإيجار لمساحات تقضم من أراضي الدولة الفلسطينية المقزّمة أساساً.
طرح مبتكر للخروج من النفق التفاوضي. طرح من الممكن الإشارة إليه باستبدال الاحتلال بالإيجار. لا شيء سيتغير، لا المستوطنات ستزال ولا القوات ستنسحب، الفرق ربما أن هذا الاحتلال سيدفع بدل وجوده على الأراضي الفلسطينية.
مثل هذا المقترح يهدف إلى إغلاق ملفات القدس والمستوطنات والحدود، وربما طُرح حل مماثل للاجئين، تستأجر من خلاله إسرائيل أرضاً لهم في «الدولة الفلسطينية» العتيدة، التي قد تصبح كلها للإيجار.