Strong>ذكرى المجزرة حبلت بالاحتجاج على الممارسات المعادية لفلسطينيّي 48لم يوقف الكيان الصهيوني اغتصاب الأرض وارتكاب المجازر منذ قيامه؛ كفر قاسم ودير ياسين تشهدان على ما ارتكبت يداه؛ يواصل على الدوام لعبته المفضلة بالتهجير والتنكيل والقتل، حتى طغى الاحتجاج على عنصريته على إحياء ذكرى مجزرة

فراس خطيب
لا يهمّ ما تحياه كفر قاسم اليوم، لكنَّ لمن يمرّ بجانبها، ويرى اسمها على اللافتات، لا بدَّ للذاكرة أن تضيع في مسامات الماضي، وأن تعود إلى تلك المجزرة الرهيبة التي حدثت في عام 1956. منذ تلك الحادثة المأساوية، حين استُشهد 49 شخصاً من سكّان تلك القرية، ارتبط اسم «كفر قاسم» بذلك الحدث، فمن استشهدوا تركوا من ورائهم ناساً وذكرى، وأسماءً حيّة، وبلداً يتوسطه نصب حجري للذكرى. سيبقى هناك، كما تبقى الحجارة في الوادي.
في التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956، ومع بداية العدوان الثلاثي على مصر، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية حظر التجوّل، فيما كان العشرات من أهالي كفر قاسم في حقولهم. كانت المناطق الفلسطينية في الداخل خاضعة للحكم العسكري. ووعد المسؤول العسكري، مختار القرية في حينه، أن يسمح بعودة الناس من حقولهم، إلا أنَّ هذه الأوامر كانت مختلفة على أرض الواقع. كان الناس يعودون أفواجاً، ويُقتلون أيضاً إلى أن أصبح عدد الشهداء 49 شهيداً. وقد كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية حديثة العهد، أنَّ القتل كان متعمداً.
لم يُكشف عن المجزرة. وبقيت تلك الأحداث قيد الظلمة الإعلامية للاحتلال. بعد أسبوع عليها، صدرت تقارير عن حدوثها من دون تفاصيل. لكن في الثالث والعشرين من تشرين الثاني 1956 أصدر عضو الكنيست توفيق طوبي، من الحزب الشيوعي، بياناً كشف فيه عن تفاصيل الجريمة الصهيونية.
يوم أمس، سار المئات في شوارع كفر قاسم لإحياء الذكرى، في مسيرة تقليدية منذ 54 عاماً. جيل الشهداء أصبح أجيالاً، والذكرى راكمت معها أحداثاً من عام إلى آخر. لم يُحي السائرون أمس ذكرى المجزرة وحدها، بل كان سيرهم احتجاجاً على الواقع الذي يحياه فلسطينيو الـ48 منذ عقود.
الشرطة ترعى سرّاً العنف المستشري في الأوساط الفلسطينية
مجزرة كفر قاسم ليست الحدث الوحيد المعادي للفلسطينيين في الداخل. أحداث كثيرة سجّلها التاريخ منذ نكبة عام 1948. إذ تأتي هذه الذكرى بعد الأحداث الدموية التي شهدتها مدينة أم الفحم في خضم حرب القوانين العنصرية التي يشنّها الكنيست الإسرائيلي وبيئة عدائية، يمكن عدّها غير مسبوقة.
العنصرية هي التي فرضت نفسها على الحلبة السياسية. هي ليست رسالة للفلسطينيين فقط بل أيضاً لمن يرتكب هذه الممارسات. حين تتحول سياسة التفرقة إلى «أداة شرعية وقانونية» في يد الحكومة، فليس من الصعب أن تنحدر مثل هذه الثقافة إلى الشارع الإسرائيلي، وتجعل من العلاقات المتوترة أكثر توتراً.
ومدينة صفد هي خير مثال على الاعتداءات الاسرائيلية على العرب. فقد انتشرت شرطة الاحتلال أمس في شوارع المدينة تحسباً للاعتداء ثانية على الطلاب العرب الذين يدرسون في كليّة صفد. وكان أحد الحاخامات في المدينة قد دعا إلى عدم تأجير البيوت للعرب. وهذا ما دعا إليه أيضاً الأب الروحي لحركة «شاس» المتطرفة، عوفاديا يوسف، الذي قال إنَّ بيع الأرض والبيوت لـ«الاغيار» أمر «محرّم».
وعقّب النائب في الكنيست، جمال زحالقة، على أقوال يوسف قائلاً إنها «عنصرية وخطيرة»، مشيراً إلى أن «يوسف له مئات الألوف من الأتباع، وهو لم يكتف هذه المرة كعادته بإطلاق الشتائم والبذاءات ضدّ العرب، بل طلب من أتباعه ألّا يبيعوا أو يؤجروا المساكن أو الأراضي للعرب، وهذا تصعيد خطير في التصريحات العنصرية»، مبيّناً أن «إسرائيل صادرت معظم أراضي العرب واستولت عليها، وخنقت القرى والمدن العربية ولم يعد في الكثير منها مكان للبناء والسكن، فيضطر الناس إلى شراء شقق في المدن اليهودية المجاورة بأسعار باهظة أعلى بكثير من سعر السوق نتيجة مزيج من العنصرية والطمع».
وشدّد زحالقة على أن «من سخريات القدر أن يدعو مهاجرون إلى بلادنا لمنع بيع الأرض والبيوت إلى أصحاب البلاد الأصليين. من أين لكم هذه الأراضي أصلاً؟ هل ورثتم عن أجدادكم أم سرقتم من أجدادنا؟! أعيدوا ما سرقتم ولسنا بحاجة للشراء!»
عناوين كثيرة تحتلها العنصرية الآخذة بالازدياد ضدّ فلسطينيي الـ48. فالمؤسسة لا تزال تحمي هذه السياسات التي تتحول إلى تيّار مركزي في الآونة الأخيرة.
في ظل هذا المشهد، يعاني المجتمع الفلسطيني في الداخل ظواهر اجتماعية لا تُحمد عقباها. الإهمال المتزايد تجاه أفراده، جعل من استشراء العنف والجريمة أحداثاً يومية. فقد ازداد تهريب السلاح غير المرخّص، وازدادت الأحداث المأساوية، وازدادت جرائم القتل ضدّ النساء، وتصفية الحساب. أمس قُتلت امرأة في قرية جسر الزرقاء خنقاً، وقبله قُتل شابان رمياً بالرصاص وهما في طريقهما إلى العمل في منطقة حيفا، فضلاً عن جرائم القتل المتكررة في منطقة يافا واللد والرملة. كل هذا والشرطة، التي تبعث آلاف العناصر لحماية بضعة مستوطنين، لا تقوى على قمع ظاهرة العنف المستشرية هذه.