يفضل لاجئو مخيم الجليل ــ بعلبك، أن ينشأ تلامذتهم على معرفة تاريخ فلسطين وتراثها وأرضها. لكن منظمة الأونروا تماطل في الموافقة على تدريس ذلك في مدارسها. لذلك، فالأيام المقبلة تنذر باعتصامات وإقفال للمدارس
البقاع ــ رامح حمية
ليس بغريب أن تجهل ليلى جغرافيا فلسطين وتضاريسها، أو حتى تاريخ بلدها العربي المحتل. فاللاجئة ابنة السنوات العشر ليست بأمية؛ إذ إنها ولدت في مخيم الجليل ـــــ بعلبك، ودخلت مدارس الأونروا، لكن حصص التاريخ والجغرافيا التي تلقتها، اقتصرت على الليطاني والزهراني، وفخر الدين وقرقماز، من دون أن يكون لتاريخ وجغرافيا بلدها الأم فلسطين أي موقع بين حصص البرنامج الأسبوعي الذي يزخر بساعات ثانوية الأهمية بالنسبة إلى موضوع كهذا، كالرياضة والموسيقى والأشغال اليدوية. أما إبراهيم محمد (13 عاماً)، فقد بدا أكثر إلماماً بتاريخ فلسطين والجغرافيا الخاصة بها من مدن الجليل الأعلى إلى القدس وحيفا ويافا. إلا أن تلك المعلومات التي اكتسبها لم تكن من مدارس الأونروا في مخيم ويفل في بعلبك، بل من والده الذي يكثر من الأحاديث عن بلاده المغتصبة، و«من التلفزيون وقناتي الجزيرة والمنار»، اللتين يتابعهما دائماً لمعرفة «كل إشي عم يصير بفلسطين» يقول محمد.
فالمشكلة لا تكمن عند اللاجئين الفلسطينيين الذين يواظبون على تلقين أبنائهم المعلومات جيلاً بعد جيل عن بلدهم الحقيقي، بل في الأونروا التي تماطل منذ أكثر من سنتين، في بتّ طلبات اللجان الشعبية بإدراج «ولو حصة واحدة، تحكيلهم عن قضيتهم، عن بلدهم بتضاريسه وطبيعته وتاريخه، لكن ما بدهمش، لأن بقصدهم ينسوا الشعب الفلسطيني قضيته»، يقول جمال بكراوي، أحد أولياء الأمور في مخيم الجليل ـــــ بعلبك، الذي رأى في مماطلة الأونروا «سياسة تجهيلية متعمدة للقضية الفلسطينية»، والهدف منها بحسب رأيه «أجيال تجهل تاريخ وجغرافيا بلادها، وبالتالي غياب القضية عن مستقبلهم». اللوم من بكراوي موجه أيضاً إلى إدارة مدارس الأونروا في المخيمات التي «لا تجرؤ على الإيعاز منفردة بالحديث عن الموضوع خوفاً على مصالحها الوظيفية».
بدورها، اللجان الشعبية والفاعليات الحزبية على اختلاف أنواعها في مخيم بعلبك للاجئين الفلسطينيين، لم توفر أي اجتماعات مع المدير العام للأونروا أو حتى نائبه، بالإضافة إلى مطالبات ومذكرات خطية، إلا أن كل ذلك ينضوي تحت لواء «دراسة الموضوع، لأن المسألة المطلوبة غير مدرجة في منهاج وزارة التربية اللبنانية». كارم طه، أمين سر اللجان الشعبية في مخيم ويفل ـــــ بعلبك، أوضح لـ«الأخبار» أن أكثر من ست مذكرات خطية على مدى العامين الماضيين، قُدِّمت للأونروا، فضلاً عن مطالبات ولقاءات متعددة مع مدير المنطقة والمدير العام للأونروا ونائبه، إلا أن الأمر لم يُبَتّ حتى اليوم. لا يستبعد طه التحرك السلبي لمواجهة هذا «التجاهل الفاضح»، والتغاضي عن مسألة ضرورية بالنسبة إلى كل أبناء المخيمات؛ فالأيام المقبلة ستشهد مؤتمرات صحفية واعتصامات، وإقفالاً للمدارس، إذا ما استمرت سياسة تجهيل القضية الفلسطينية بتاريخ الدولة وطبيعتها الجغرافية، مشدداً بالقول: «نحنا بدناش نغيّر منهجية وزارة التربية اللبنانية، كما يتذرعون، ولا إضافة هاتين المادتين في مواد الامتحانات، كل ما في الأمر حصة دراسية لإيصال معلومة عن بلدنا لأبنائنا، لإنو ما بيهمني إبني يلعب فوتبول أو يتعلم موسيقى بدلاً من معرفة بلده».


سياسة منظمة

لم ينف مسؤول في الأونروا رفض الكشف عن اسمه، تبلغهم مذكرات اللجان الشعبية في مخيم الجليل. إلا أنه لفت إلى أنه «لم يُتَّخَذ قرار بحقها حتى اليوم»؛ فالمسألة «تحتاج إلى دراسة مع وزارة التربية اللبنانية، وخاصة أن المنهجية المعتمدة في مدارس الأونروا هي تلك التي تُعتمد في المدارس اللبنانية». وعن إمكان تخصيص أساتذة التاريخ والجغرافيا مدة للحديث عن بعض المعلومات الخاصة بطبيعة فلسطين وتاريخها، رأى المسؤول أن المسألة تعود لأستاذ المادة وإدارة مدارس الأونروا الذين ينبغي أن «يتقيدوا بسياسة المنظمة، وإلا فسيتحملون المسؤولية».